دراسة رسمية تبزر المناطق المظلمة في قطاع الصحة التي كشفت عنها الجائحة بالمغرب

لم يكن ممكنا أن تظهر وبشدة الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لجائحة “كورونا ” بالمغرب، لولا وجود قصور بنيوية تعاني منه البلاد في عدة مستويات، والكلام هنا لدراسة حديثة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أجراها بطلب من مجلس النواب.

وتضع الدراسة أصبعها على العديد من المناطق المظلمة التي تعاني منها البلاد، والتي ساهمت في اشتداد الأزمة الصحية بسبب الوباء، والبداية بالمنظومة الصحية الوطنية، التي قالت عنها الدراسة أنها لا تستجيب لانتظارات المرتفقين.

بغة الأرقام أولا، تشير الدراسة إلى أن المغرب يتوفر على 7.1 أطباء لكل 10.000 نسمة، مقابل 12 في كل من الجزائر وتونس، علما أن منظمة الصحة العالمية توصي بحد أدنى من عدد الأطباء ومهنيي الصحة يبلغ 23 لكل 10.000 نسمة، وهذا يعني، حسب الدراسة دائما، أن المغرب يحتاج على الأقل إلى ثلاثة أضعاف عدد الأطباء: “وفضلا عن الأطباء، يمس النقص كذلك باقي فئات العاملين في المجال طبي “.

وتوضح الدراسة أيضا، أن عدد الأطباء في المغرب يصل إلى 8442 طبيبا عاما، 45 في المائة منهم يعملون في القطاع العمومي، و14.932 طبيبا متخصصا، منهم 49.7 في المائة يعملون في القطاع العمومي، وتعاني هذه الفئة المهنية، حسب ممثليها الذين تم الإنصات إليهم، من عدة مشاكل منها، انعدام التحفيز الذي يخول لها الوضع الاعتباري الذي يتمتعون به، وظروف العمل الصعبة في مؤسسات العلاج والاستشفاء، وانعدام التدبير العقلاني للموارد البشرية، القائم على قياس الأداء، واستمرار العمل بنظام الوقت الكامل: “كل هذه العوامل تُساهم في تفاقم حركة هجرة الكفاءات التي تعرفها بلادنا، علما أن 603 أطباء قد غادروا المغرب في 2018، أي 30 في المائة من خريجي كليات الطب والصيدلة من السنة نفسها (بلغ عدد الأطباء المغاربة الممارسين في فرنسا 7.000 مهني).

وتخفي الأرقام حسب الدراسة دائما إشكالية حقيقية، ترتبط بتكوين العاملين في القطاع الصحي الذي تعتريه عدة أوجه قصور، منها:

– تدريس مندمج غير معمم.

– ضعف نسبة التكوين.

– صعوبة توظيف أساتذة في تخصصات معينة.

– طرق تدريس تهيمن عليها المحاضرات الأكاديمية.

– الحاجة إلى تحسين البرامج التعليمية.

ضعف انفتاح كليات الطب على محيطها.

– ضعف التنسيق والتضافر فيما يتعلق بدور كلية الطب في تدبير منظومة العلاجات، وغياب آلية مستقلة لتقييم جودة التكوينات والشهادات، إلخ.

والملاحظ أيضا أن فترة انتشار الجائحة كشفت بالملموس، حسب الدراسة دائما، غياب سياسة للبحث والتطوير في قطاع الصحة، وأكدت أن هناك عاملان بنيويان رئيسيان يفسران الوضعية الحالية للبحث والتطوير الطبي في المغرب:

أولا: لا تضطلع الجامعة بالانخراط الكافي بدورها في النهوض بالبحث العلمي، ذلك أن الأساتذة الباحثين لا يمكنهم ضمان إنتاج علمي منتظم، حيث إنهم موزعون بين العلاجات والأنشطة البيداغوجية والمهام الإدارية، كما أن البحوث المنجزة يطغى عليها البحث السريري، بميزانية بحثية ضئيلة جدا، وتدبير إداري بطيء.

وثانيا، عدم وجود بيئة تشجع على استثمار القطاع الخاص في البحث العلمي الطبي.

ووصفت الدراسة منظومة الصحة والسلامة في العمل بكونها توجد في مؤخرة الركب، على الرغم من التقدم المهم الذي حققه المغرب في مجال الصحة والسلامة في العمل والوقاية من الأخطار المهنية، من خلال وجود إرادة سياسية وانخراط من لدن السلطات العمومية والشركاء الاجتماعيين ومهني الصحة والسلامة في العمل، ثم المصادقة على العديد من الاتفاقيات ذات الصلة (اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 102 بشأن المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 187 بشأن الإطار الترويجي للسلامة والصحة المهنيتين).

وهناك عامل ثالث يتعلق ب(استئناف عمل المعهد الوطني لظروف الحياة المهنية…)، واعتماد البرنامج الوطني للسلامة والصحة في العمل 2020-2024، غير أن العديد من أوجه الخصاص لا تزال تعتري هذه المنظومة، وتؤثر سلبا على نجاعتها، تذكر منها الدراسة :

– نسبة التغطية الصحية المهنية تقل عن 5 في المائة من مجموع العاملين، وهي الأدنى على صعيد البلدان المغاربية، رغم توفر المغرب في المقابل على أكبر عدد من أطباء الشغل.

– معدل حوادث الشغل المميتة يبلغ 47.8 لكل 100.000 عامل (مكتب العمل الدولي)، وهو أعلى معدل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

– هناك شريحة عريضة من العاملين غير الخاضعين للنصوص التنظيمية المتعلقة بالوقاية من المخاطر المهنية، خاصة في القطاع غير المنظم.

– تقادم العديد من النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالصحة والسلامة في العمل.

– عدم تغطية بعض الأمراض المهنية بالتأمين.

– عدم كفاية عمليات المراقبة والتفتيش في أماكن العمل.

– شبه غياب لإحصائيات حول حوادث العمل والأمراض المهنية.

وتجدر الإشارة إلى أن الدراسة جاءت بطلب من مجلس النواب يوم 30 أبريل الماضي، من أجل إعداد دراسة حول “الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا ” كوفيد 19″ والسبل الممكنة لتجاوزها”، حيث قرر مكتب المجلس تشكيل لجنة مؤقتة مكلفة بإعداد هذه الدراسة، والتي تمت المصادقة عليها بالأغلبية خلال الدورة الاستثنائية للجمعية العامة المنعقدة بتاريخ 22 أكتوبر 2020.


هزة أرضية تضرب إقليم الحوز

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى