محمد الصبري يكتب: السلوك الاجتماعي لأعوان السلطة في تجربة إحصاء السكان والسكنى 2024
محمد الصبري، باحث في القانون، مهتم بالأبحاث الاجتماعية يكتب: السلوك الاجتماعي لأعوان السلطة في تجربة إحصاء السكان والسكنى 2024 نحو منهج جديد في فعل السلطة بالهامش.
أصبحت لا محالة تجربة الإحصاء الأخيرة مناسبة إيجابية لفهم التوجه الجديد في الفعل المهني لأعوان السلطة بحكم قيمة الأدوار الموكولة إليهم ضمن إطار إنجاز إحصاء السكان والسكنى 2024، وشكلت هذه المرحلة منعطف نحو تصحيح مجموعة من المنظورات والتمثلات المخزونة في عمق اللاوعي تجاه هذه العينة التي يستهدفها الموضوع. ضمن هذا الإطار يمكن تقديم قراءة حول مسألة إشراك أعوان السلطة في عملية الإحصاء لسنة 2024، والانتقال مع هذا السياق لتحديد تمظهرات السلوك الاجتماعي Social Behavior لعون السلطة بالهامش في النموذج المغربي.
اليقين أن عملية إحصاء السكان والسكنى هي عملية يُشكل ضمنها عون السلطة فاعلاً محورياً وأساسياً، وحيث أن هذا يعكس لجانب من مهامه، فلابد إذن التأكيد على أن تجربة الإحصاء أصبح فيها عون السلطة فاعلاً اجتماعياً لا سلطوياً، وهذا ما سيأتي في متن التفسيرات اللاحقة بعد كل هذه الأهمية المستشفة والمسترسلة وفق مقدور ومقاس أهمية وراهنية هذا الموضوع.
الباحث الإحصائي يحتفظ بتمثل معاكس لبعض التمثلات الأخرى الأكثر شيوعاً حول منهج عمل هذه الفئة والذي في أصله يهدف إلى خلق صلة وصل بين مؤسسة السلطة وبين أفراد المجتمع وهي نفسها الأداة التي تُعبّر عن فعل امتداد لمؤسسة السلطة. صلة وصل هذه التي يعكس أدوارها أعوان السلطة في النموذج المغربي هي الوسيلة الأقرب لتبسيط المعنى المبتغى لفائدة الأسر من عملية الإحصاء الأخيرة عبر توظيف خصائص تواصلية متجسدة في الإقناع والتوجيه والإرشاد المجتمعي، حيث لوحظ أن هذه الخصائص الثلاث أصبحت توظف بأدوات تواصلية معزولة كليا عن مفهوم السلطة أوعن سلوك السلطة إن صح المعنى في هذا الإطار.
حينما نتحدث عن عون السلطة فإننا لا نتحدث عن مخلوق مهني غريب عن المجتمع، أو مخلوق معزول عن الجماعة، بل هو فرد من الجماعة، لا يمكن تقدير انعزاله عنها أو إفتراض حتى ذلك، بالتالي اجتماعيته مغروسة فيه بالفطرة و لا يمكن أن يتجرد منها بحكم عمله المطبوع بنوع من السلطة الرمزية. على هذا الأساس تكون اجتماعية عون السلطة محتومة الوجود، ويتحتم معها ولادة السلوك الاجتماعي الصرف الذي يتوافق مع حجم خصوصية الجماعة، ويوحد فلسفة الإندماج فيها ويعزز من فرص التصالح مع مفهوم السلطة الجديد عبر تثبيت كل مقومات الذكاء الاجتماعي Social Intellligence في مشروع هذا الإندماج.
على ذكر خصوصية جماعة من الأسر أو قبيلة معينة، فإننا نرجح اجتماعية أعوان السلطة في التعامل مع هذه الخصوصية، الأمر الذي يفيد استبعاد خلفيات السلطة والتركيز على فلسفة حداثية جديدة توافق وتتوافق مع مسعى الحفاظ على قدر لابأس به من الرضى الاجتماعي من قبل الجماعة لأجل الخضوع الأمثل والسليم للقانون، وحيث أن الاتكال على الفرضية القائمة على السلوك السلطوي من شأنها أن تتسبب في ولادة أشكال من التمرد والعصيان.
تبرز اجتماعية الباحث الإحصائي وعون السلطة في طبيعة التفاعل مع موقف الأسر من الإحصاء، وتَحَمُّلِ أشكالاً من ردود الفعل الناتجة عن تأثر نسبة معينة من الأسر ببعض المواقف المُحَنَّطَة المسجلة بمواقع التواصل الاجتماعي والتي زرعت مخاوف في صفوف جموع من أفراد الجماعة، الأمر الذي يتحتم عليها التستر عن المعلومة وجعلها حبيسة الداخل انتقاما من الإقصاء الاجتماعي الذي يطالهم وفق تعبيرهم. هذه المسألة لا تشترط مجهوداً سلطوياً جافاً للتعامل معها بقدر ما تستدعي سلوكا اجتماعيا يُريح الغضب ويُضعف سلوك القلق المفترض والمعبر عنه في حالة من الحالات بسبب سياسة عمومية ترابية مصابة بالإخفاق، وكذلك توفير كل الظروف لأجل تفهم نسبة أو قدر من البوح الاجتماعي.
ثقافة سلطة الحلول التي يتشبع بها أعوان السلطة باتت أكثر وضوحا في التجربة الإحصائية الأخيرة، بحيث لعبو أدوارا مهمة على مستوى إقناع الأسر بالغرض من الإحصاء العام للسكان والسكنى تعبيرا منهم على التحلي بسلوك الإصغاء وجبر الخواطر و كانطباع على الانتفاح الاجتماعي الذي يُراد منه تصحيح المنظور الكلاسيكي المأخوذ على مهام أعوان السلطة والقائم على قاعدة التكريس الجاف لمفهوم السلطة على عمل هذه العينة المعنية بالدراسة وهو الأمر الذي يتناقض مع مخرجات التشخيص الميداني لسلوك هذه الفئة بالذات.
التحول هنا لا يطرأ فقط على السلوك من خلال التجرد من الفعل السلطوي الجامد، وإنما أصبح واقع الحال يبرز تمثلات جديدة يعبر عنها من قبل أفراد الجماعة وذلك باعتبار عون سلطة وسيطا…
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية