كيف تمكن لشكر من امتصاص غضب حسن نجمي ورفاقه

إذا كان لا بد من التوقف عند أهم قرارات وخلاصات اجتماع المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي الذي عقد مؤخرا على دورتين، فلا بد من التوقف عند كل البيان الذي صدر يوم أمس.

وإذا كان لا بد من الإشارة إلى أقوى خلاصات البيان ورمزياته، فلا بد من التوقف عند اعتماده، ولأول مرة، وبصفة أساسية وحاسمة، العرض الذي تقدم به الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، لدرجة اعتبره أعضاء المكتب السياسي وعضواته، وثيقة مرجعية من وثائق الأممية الاشتراكية!!

وتكفي الفقرة الموالية، ليتوضح أن إدريس لشكر تمكن من امتصاص الغضب الواضح لحسن نجمي ورفاقه في المكتب السياسي، ممن أعلنوا قبيل انعقاد المكتب السياسي، أن الكاتب الأول للحزب، هو” المسؤول الذي “بهدل” حزبنا ومرغ سمعته في الأوحال، ولايزال” …  وها هي الفقرة الدالة كاملة : « يثمن المكتب السياسي ما جاء في أرضية الأخ الكاتب الأول، ويعتز باعتمادها كوثيقة من وثائق الأممية الاشتراكية والتحالف التقدمي، ويعتبرها إضافة ذات قيمة عالية، تنضاف إلى مساهمات الاتحاد الاشتراكي في أي منعطف تعيشه البشرية، من داخل أسرته الفكرية والايديولوجية ذات البعد الإنساني، ويتبنى المكتب السياسي مضامينها بعد إغنائها بمساهمات من داخل الحزب ومن خارجه».

وهكذا تحول الانتقاد اللاذع بكون إدريس لشكر المسؤول الأول عن الوضعية التي آل إليها الاتحاد الاشتراكي، وهي وضعية متفردة وغير مسبوقة وغير مقبولة في نظر حسن نجمي ومن معه، ومن تجلياتها تعليق اجتماعات المكتب السياسي، والانفراد بقرارات سياسية دون العودة لقيادة الحزب، ومن أهمها الدعوة لحكومة إنقاذ وطني أو حكومة وحدة وطنية … هكذا تحول لشكر من المسؤول الأول عن الوضعية المزرية التي آل إليها الحزب في المشهد السياسي، إلى الموحد والجامع والقائد لسفينة الاتحاد الاشتراكي!!

إذا كانت الأمور تُعرف بسياقاتها، فإنها توزن بخلاصاتها، وأهم هذه الخلاصات وأقواها، أن حوالي نصف فقرات البيان السياسي عبارة عن تلخيص لأهم ما جاء في العرض السياسي الذي تقدم بها إدريس لشكر، من مقاربته لكيفية تدبير الوضع الخاص الذي تمر منه البلاد بسبب جائحة كورونا، وآثارها على الوضعيات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية … وكيفية تدبير هذه التطورات على المستوى المالي، والمطالبة بحمولة اجتماعية في القانون المالي التعديلي، واستصدار تدابير مستعجلة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي في الصحة والتربية والتكوين وحماية الفئات الهشة وأيضا النساء من ضحايا الحجر الصحي الذي طال أمده … وما إلى ذلك من التدابير  التي تسير في اتجاه تنزيل أعمدة الدولة الديمقراطية … فكيف تحول غضب حسن نجمي وعبد المقصود الراشدي ومن معهما، وهم تقريبا إحدى عشر عضوا من أعضاء المكتب السياسي، إلى توافق واتفاق على العرض السياسي للكاتب الأول؟ ما الذي حدث بالضبط؟

لا بد أولا من العودة قليلا إلى عصارة انتقادات حسن نجمي التي كال فيها لإدريس لشكر اتهامات واضحة، وقد تكون غير مسبوقة:

قال نجمي في تدوينته المطولة أن « رأي مجموعة من أعضاء المكتب السياسي كان أن نجتمع لنستمع إلى الأخ محمد بنعبد القادر بخصوص ما جعله يرتكب هذا الخطأ البليغ، وفي أي إطار، وأي ملابسات، ثم ليُتخَذ قرار عاجل بإيقاف الأخ محمد بنعبد القادر (وزير العدل) أو حمله على الاستقالة من مهامه، وذلك سعيا لإنقاذ سمعة الاتحاد الاشتراكي وتبرئة ذمته أمام الجماهير من هذا العبث، لكن الكاتب الأول كتب جملة واحدة على الواتساب يرفض فيها نهائيا فكرة الاستقالة المقترحة ».

وأضاف نجمي : «القاعدة الاتحادية داخل المغرب وخارجه، لا تعرف أي شيء عن نقاشات المكتب السياسي المحتدمة”، مؤكدا “أننا لسنا كلنا في القيادة الحزبية على توافق مع الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي ومع الأخ محمد بنعبد القادر، وأن المشروع المذكور لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية… »

وزاد نجمي في انتقاداته : «مسؤولية هذا الانحراف يتحملها أساسًا كلٌّ من الكاتب الأول والأخ محمد بنعبد القادر”، معتبرا “عدم الدعوة إلى عقد اجتماع للمكتب السياسي بل والرد (بالإيجاب أو حتى بالسلب) على رسائل ثلث أعضاء المكتب السياسي شَكّلَا تحقيرًا لنا، واستخفافًا بأخلاق المسؤولية»…
قبل أن يخلص : «الحزب ليس مقاولة خاصة أو ضيعة شخصية يتصرف فيها الكاتب الأول بمزاجه . ويكفي أنه “بهدل” حزبنا ومرغ سمعته في الأوحال، ولايزال» …

ولفهم التحول المثير في موقف حسن نجمي ومعه ثلث أعضاء المكتب السياسي على حد قوله، لا بد من الإنصات لعضو بالمكتب السياسي الذي فضل عدم الكشف عن هويته، حينما قال أن البيان الذي أصبح بين يدي الاتحاديين وعموم المواطنين، كان ثمرة نقاش امتد لساعات، تخللته لحظات دقيقة، وجه فيها عدد من القياديين انتقادات واضحة بشأن تدبير شؤون الحزب في الفترة الأخيرة، كما توقف عندها جل الأعضاء عند مشروع القانون الخاص بتقنين شبات التواصل الاجتماعي، ولم يخف هنا، يضيف نفس المصدر، الإخوة والأخوات عن رفضهم الواضح والحاسم للمشروع إياه، على الرغم من التوضيحات والشروحات التي قدمها محمد بن عبد القادر وزير العدل، والتي لم تتجاوز حدود استعراض مراحل إعداد المشروع، ومن أهمها إعادة إحالته على لجنة وزارية للمناقشة والتمحيص والتعديل، قبل إرجاءه إلى ما بعد انتهاء فترة الوباء، في إشارة إلى أن لا شيء حسم في هذا الصدد.

وإذا استمعنا بهدوء لنفس المصدر، والذي يعد من بين الغاضبين لكيفية تدبير الحزب في هذه الفترة الخاصة، فإنه يود أن يشير إلى أن العرض الذي قدمه إدريس لشكر، والذي جاء في صيغة برنامج استراتيجي للمرحلة الدقيقة التي يمر منها العالم والبلد وليس الحزب فقط، ساهم في امتصاص غضب بعد القياديين في المكتب السياسي.

وقد يكون في هذا الشرح والتوضيح جزء من الحقيقة، بالنظر إلى أن القارئ النبيه لبيان المكتب السياسي، سينتبه إلى أن البيان تضمن عشرات النقط الكبرى كلها من مداخلة إدريس لشكر (منها التي أشرنا إليها سابقا)، والتي اقترح بشأنها الكاتب الأول تصوره وتصور حزبه للمرحلة المقبلة، فضلا عن الحلول والبدائل، والتي وإن لم تتضمن كلها عناصر جديدة في برامج الحزب وتصوراته، إلا أنها أصبحت طارئة في جدول الأعمال الحزبي في مرحلة غير مسبوقة، وهكذا إلى ظهرت قضية مشروع تقين شبكات التواصل الاجتماعي، والتي كان يعتقد أنها ستفيض كأس الخلافات، واحدة من القضايا الشائكة التي على الحزب تدبيرها في المرحلة المقبلة، إلى جانب قضايا أخرى لا تقل حساسية، ولذلك جاءت الفقرة التالية من البيان أكثر تعبيرا عن ما حدث حتى بعد اللحظات الدقيقة التي مر فيها الاجتماع: “وفي مداخلاتهم، نوه أعضاء وعضوات المكتب السياسي بالأجواء الايجابية للاجتماع والنقاش الدائر بينهم، مستحضرين الفترة العصيبة التي تمر بها بلادنا، والبشرية جمعاء، والمسؤولية الملقاة علينا تاريخيا في التجند لخدمة بلادنا والتوجه الى المستقبل”.

من هنا تُفهم فلسفة الإعلان عن الموقف من مشروع القانون إياه، والذي لم يأتي إلا في الفقرات الأخيرة من نفس البيان.

لقد امتص المكتب السياسي غضب الاتحاديين، بعدما استعرض قائده حجم التحديات المطروحة على العالم وعلى البلاد وعلى الحزب، وتبين أن الاتحاد الاشتراكي كباقي القوى السياسية والمجتمعية أمامه مرحلة دقيقة، وبالتالي عليه الحفاظ على وحدة صفوفه، خاصة بعد أن أعاد الكاتب الأول التذكير في عرض السياسي بمسلسل المصالحة الداخلية، حتى وإن لم تعطي النتائج المرجوة منها، ولذلك أدرج المكتب السياسي الموقف من مشروع القانون إياه في سياق” الروح الحقوقية الأصيلة، في صفوف الاتحاديات والاتحاديين، فرادى وجماعات، وفي كل الهيئات التنظيمية والسياسية والجماهيرية، والتي تفجرت طاقاتها النضالية، بشكل رائع حمى  المكتسبات والتاريخ النضالي المجيد لحزب القوات الشعبية”، قبل أن يصل إلى الإعلان عن رفضه التام لأي مشروع لتقنين شبكات التواصل الاجتماعي يتضمن مقتضيات تنتهك حقوق الإنسان وتمس بحرية الرأي والتعبير، ويوصي الاتحاديين والاتحاديات في البرلمان بالانخراط بقوة في تصريف المرجعية الاتحادية أثناء مناقشة كل مشاريع ومقترحات القوانين …

 

 

 


بلاغ هام من بنك المغرب بمناسبة عيد الأضحى

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى