لاعبان أضاعا المسار وعادا لاغتنام فرصتهما الثانية

أحيانا تهديك الأقدار فرصة ثانية لتكفر عن خطاياك، لتحاول إنقاذ ما تبقى لديك واسترداد جزء من ما ضاع، الأبطال هم من ينجحون في هذا الاختبار، هو فرصة مصيرية إما أن تستغلها أم تهدرها، الألم والحسرة يكونان شعلة تأبى الخفوت لكل من اشتاق لماضي مخالف لحاضر مُدمر، يقاتل لإزاحة عتمة الإخفاق والضياع التي التهمت مستقبله، كذلك الأمر بلاعبين تجرعا مرارة الفشل بعد نجاح اشتاقوا إليه، المغربيان عادل تاعرابت وأمين حارين، اللذان يقاتلان لاستعادة نفسيهما وإعادة إثبات إمكانيتهما بعدما انزاحا عن المسار ووقعا في فوهة الضياع والإقصاء.

عادل تاعرابت

عادل تاعرابت، اللاعب الذي بدأ نجما، سطع لفترة وانغمس بعدها في ظلام الإخفاق، كل من تابع بداياته تنبأ بمستقبل استثنائي عن مواطنه، موهبة فذة ومؤهلات فنية كبيرة ليصبح أحد أبرز اللاعبين الواعدين الذين يُمكن أن تكون لهم كلمتهم في القادم، قص شريط انطلاقه مع نادي لانس الفرنسي الذي لعب له لموسم واحد فقط 2006-2007، بالرغم من جلوسه المتكرر في مقاعد بدلاء الفريق، إلا أن استطاع لفت انتباه نادي توتنهام هوتسبور الذي جلبه سنة 2007، شارك مع “لسبورس” في 15 مباراة فقط دون أن يتمكن من تسجيل أي هدف.

سنة 2009، تمت إعارته إلى نادي كوينز بارك رينجرز الذي كان الملاذ الذي توهج فيه وأطلق العنان لموهبته، في موسم فقط لعب 51 مباراة وسجل 8 أهداف، ليصبح كوينز بارك رينجرز مجبرا على شراء عقد النجم المغربي، الذي تألق خلال السنوات التي لعبها للفريق، إذ منذ سنة 2010 ظهر في 113 مباراة وسجل 26 هدف.

أعير تاعرابت إلى نادي فولهام سنة 2013 لعب 16 مباراة وسجل هدفا واحدا فقط، لينتقل الى نادي ميلان الايطالي سنة 2014 على سبيل الإعارة أيضا، لعب 16مباراة وسجل 4 أهداف، ناهيك عن المستويات الملفتة التي قدمها آنذاك، حينها ظن الجميع أن ميلان سيشتري عقد اللاعب إلا أن مدرب الفريق والمسؤولين قرروا الاستغناء عنه، انتقل سنة 2015 إلى نادي بنفيكا البرتغالي بعقد يمتد لخمس سنوات، منذ ذلك الوقت بدأ اللاعب في الانهيار، نجمه يخفت وبروزه يقل، تراجع مستواه تدريجيا مقابل حرصه على ارتداد الحانات وإحياء السهرات الليلية، يتخلف عن تدريبات فريقه وازداد وزنه بشكل واضح، لتكتفي إدارة الفريق من تصرفاته غير المسؤولة، وتقرر استبعاده بإعارته إلى أحد الأندية على أمل بيعه والتخلص من راتبه المرتفع.

سنة 2017 عاد اللاعب إلى إيطاليا من بوابة نادي جنوى ظهر متذبذب المستوى تارة يقدم مردودا طيبا وتارة أخرى يكون سيئا، إضافة إلى غيابه الطويل عن الميادين سبب الإصابة، شارك مع جنوى في 29 مباراة وسجل هدفين فقط، عاد تاعرابت الى بنفيكا بعدما رفضت انتداب لاعب يحتضر كرويا، لا يتمتع بحس الانضباط والمسؤولية ليتم نفيه من قبل بنفيكا وتصبح حياته مقتصرة على التدرب في الصالة الرياضية فقط.

في تلك المدة جالس تاعرابت نفسه، وألقى نظرة على حاضره وقارنه بماضيه وما كان يصبو إليه، علم أنه كان مخطئا، ضيع نفسه وهو الذي كان يعد أحد أبرز المواهب المغربية، أدرك أنه يسلك دربا مظلما لا نور يشقه، حاسب نفسه عن كل السنوات التي ضيعها، وقطع وعدا مع نفسه، أن ينبعث من رماده وينقذ موهبته التي طمرت في مستنقع الفشل والإخفاق، اجتهد وقاتل دون يأس، عمل بجد وخصص حياته لكرة القدم ولا شيء آخر، وفي شتاء سنة 2019 انتبه مدرب الفريق برونو لاج، لرغبة تاعرابت الكبيرة في العودة الميادين، منحه فرصته وتم تصعيده من جديد إلى الفريق الأول، وفي أولى مبارياته شارك اللاعب كبديل في آخر دقائق اللقاء، ظهر تاعرابت مغايرا عن الذي كان في السنوات الأخيرة، نحيف البنية وسريع الحركة، أعطى مؤشرات جيدة، واستمر ظهوره مع بنفيكا إلى أن أصبح من الأوراق التي يعتمد عليها المدرب، كما أنه يطرق باب الرسمية بقبضة قوية، واصل توهجه حتى في المباريات الإعدادية للفريق تأهبا لموسم 2019-2020، والآن إدارة الفريق البرتغالي تتجه إلى تجديد عقد تاعرابت كجزاء لعمله وعزمه على استعادة نفسه التي افتقدها لسنوات.

أمين حاريت، الشاب صاحب ال22 سنة، الذي اختزل الأشواط وفرض نفسه  في برهة زمن، فاجأ الجميع بموهبته وسرعان ما ارتدى قميص المنتخب المغربي الأول وهو في سن صغير، حاريت الموهبة التي كادت أن تقع في براثن الضياع، حكايته مشابهة للخاصة بتاعرابت، ولكن بصفحات أقل وأحداث لم تشغل زمنا طويلا، هي سنة فقط، استنتج فيها اللاعب وضعيته التي تدنو من التأزم، ليقرر عقد العزم وتصحيح المسار.

التتمة في الصفحة الموالية

أمين حاريت

صاحب الـ22 سنة الذي كانت بدايته كلاعب محترف موسم 2016-2017 مع نانت الفرنسي، تألق وأظهر ما يمتلكه من موهبة تسمح له أن يجاور أندية أكبر وأقوى، أثار انتباه مسؤولي نادي شالكه الألماني سنة 2017، بعدما انتبهوا لموهبته وأدركوا أنه لاعب يحتمل أن يكون ذا شأن كبير مستقبلا، خاض الموسم الأول مع الأزرق، تألق ولعب مباريات ستبقى راسخة في ذهنه، ولعل أبرزها ديربي “الرور” أمام بروسيا دورتموند، إذ في الدقيقة 25 كان شالكه منهزما أمام “أسود الفيستيفاليا” بـ4-0، ليدخل حاريت في الدقيقة 33 ويغير مجرى المباراة ويقود فريقه لتحقيق تعادل ثمين بعدما كان الفريق في طريقه لخسارة الديربي بفضيحة مدوية، هناك أصبح حاريت بطل الكبار قبل صغار ونجما يعتز به أنصار شالكه.

في الموسم الموالي، وبعد مشاركته في نهائيات كأس العالم روسيا مع المنتخب الوطني المغربي، ظهر حاريت مع شالكه في صورة مغايرة لما كان عليه من قبل، لاعب غير منضبط يهوى السهرات الليلية ويتخلف عن تدريبات الفريق، نبهه مدربه وكذا إدارة فريقه أكثر من مرة، إلا أن اللاعب فقد ما كان يهدف إليه وأصبح لاعب بدون طموح ورغبة، شاب طائش يشكل عبئا على الآخرين، لتستنزف الأيام صبر المدرب والمسؤولين الذين قرروا وضعه على قائمة اللاعبين المعروضين للبيع، من أجل التخلص منه والنجاة من سلوكه وعدم انضباط خوفا من أن يؤثر على المجموعة.

لعله حاريت استفاق من سباته وأنقد نفسه قبل أن تخرب مسيرته التي بدأت للتو، لعله انتبه لما مر منه تاعرابت وعلم المصير الذي ينتظره ما إن استمر في درب نهايته لن ترضي لاعبا موهوب أفشى حلمه بالتطور وإبراز اسمه للعالم.

 

Related Post