العربي بن مبارك .. أسطورة الجوهرة السوداء

نستمتع باستحضار حكايات الماضي، نسردها بحب وشغف نغوص في رحابها ونستلهم من مواقفها، حكاية أسطورية نسمعها وكلنا أذان صاغية، تتغلغل في قلوبنا وتحرك وجداننا، حكاية بطلها لاعب صنع المجد في القارة العجوز، ليث عات بين فرنسا واسبانيا، أذهل من عاصروه ولقبوه بالجوهرة السوداء قبل أن تنسب لنجم الكرة البرازيلية بيليه، اسم يعد الأب الروحي للاعبين المغاربة، إذ كان أول لاعب مغربي وعربي وطأت قدماه الدوريات الأوروبية، العربي بن مبارك، أسطورة الجوهرة السوداء.

رأي بن مبارك النور في 16 يونيو 1917 بمدينة الدار البيضاء، عاش طفولته يتيما وتولت جدته تربيته، هجر مدرسته الابتدائية لعشقه كرة القدم، مستعدا أن يفني نفسه للجلد المدور مقابل رغبته وسعادته، امتهن النجارة بالإضافة لمهن أخرى بسبب الوضعية الاقتصادية الصعبة التي كانت عليها أسرته، صال وجال بن مبارك بين دروب وأحياء الدار البيضاء، لعب هنا وهناك وذاع صيته إلى أن وصل لمسؤولي الأندية، لينتقل إلى نادي اليسام الرياضي وهي الخطوة التي مهدت طريقه نحو العالمية.

رصد منقبون عن المواهب أجانب موهبة بن مبارك وجدوا فيه المواصفات المرجوة، هداف، قوي، سريع، مهاري، سرعان ما انجذبوا للاعب لينتقل سنة 1938 إلى نادي أولمبيك مارسيليا الفرنسي، قدم بن مبارك موسما جيدا وتوج كهداف لفريقه، ولكنه لعب موسما واحدا فقط وعاد لأرض الوطن بسبب الحرب العالمية الثانية آنذاك، انضم إلى فريق الاتحاد الرياضي ولعب له ستة مواسم وعاد بعد ذلك إلى دوري الفرنسي من بوابة ستاد فرانس، كان نجم الفريق الأول ومن أبرز نجوم الدوري مسجلا 50 في 90 مباراة، كان محبوب جماهير فريقه ونجمهم الأول، ليطلقوا عليه لقب الجوهرة السوداء.

بات بن مبارك اسما متداولا بين الأندية العالمية، انتقل سنة 1948 إلى نادي اتليتيكو مدريد بمبلغ كان يعد قياسيا في تلك الفترة، شكل رفقة نجم الكرة السويدية السابق كارلسون أفضل ثنائي هجومي في الدوري الإسباني وقادا فريقهما إلى التتويج بلقب الدوري موسمي 1951 و1952، وكأس ملك اسبانيا موسم 1951، وبعد 5 سنوات قضاها مع اتليتيكو مدريد، عاد إلى فريق مرسيليا وهو في عمر 36 سنة، ليلعب معه سنة واحدة ويقرر بعدها العودة إلى المغرب وإسدال الستار عن مسار عربي مغربي استثنائي.

في مشواره الدولي، كان قد أرغم على حمل قميص منتخب فرنسا سنة 1938، أمام المنتخب الايطالي، واستمر في الدفاع عن ألوانهم إلى سنة 1954، وكان هو أول مدرب يتولى الإشراف على قيادة المنتخب الوطني المغربي سنة 1955. عديدون ممن اعترفوا بإمكانيات بن مبارك وبما قدمه لكرة القدم العالمية، يعتبرونه مسؤولو الكرة في فرنسا رابع أفضل لاعب من حمل قميص فرنسا بعد زيدان وكوبالا وبلاتيني، كما أن بيليه اعترف ببن مبارك كونه هو الجوهرة السوداء بقوله: “لست أنا الجوهرة السوداء بل العربي بن مبارك لاعب اتليتيكو مدريد”، رحل العربي بن مبارك إلى دار البقاء في 10 شتنبر سنة 1992، وتوفي في منزله بالدار البيضاء، بالمكان الذي شهد لانطلاقته نحو المجد، مدونا حكاية أسطورية ستبقى خالدة مع خلود كرة القدم.

حكاية العربي بن مبارك الأسطورية التي طالما كنا نتلهف لسماعها صغارا لا يهدأ لنا بال إلى بوصولها لآذاننا، حكاية نجاح وكفاح، من بدأ من رحم المعاناة وفي عز الحاجة تسلق المراحل حتى وصل للعالمية، ستبقى حكايته خالدة دائما وأبدا، سنسردها وسنعرفها بافتخار لجاهليها بقولنا: “كان يا مكان.. كان هناك لاعب مغربي لقب بالجوهرة السوداء..”

Related Post