عبد اللطيف بروحو : هذه هي الصناديق السوداء

قال عبد اللطيف بروحو، متخصص في العلوم الإدارية والمالية العامة، إن الصناديق السوداء يقصد بها حسابات الخزينة التي قد تسجل عمليات بملايير الدراهم، مضيفا أن عدم إدراجها في قوانين المالية السنوية التي تعدها الحكومة وتخضع للدراسة والتصويت والمراقبة من قبل السلطة التشريعية، لا يعني أنها لا تخضع لأي مراقبة.
وأوضح بروحو أنه عادة ما يتم التداول إعلاميا لعدد من المفاهيم التي تخلط بين الحسابات الخصوصية للخزينة CST وحسابات الخزينة Comptes de trésorerie، ويتم بالتالي الحديث عن الصناديق السوداء في مجال المالية العمومية دون تحديد للمقصود منها ولا لسبب تسميتها.
وأضاف ” غير أنه يتعين التمييز بين هاتين الآليتين، فالحسابات الخصوصية للخزينة والصناديق الخاصة التي تتضمنها، هي عبارة عن حسابات واضحة يتم إحداثها وتحديد أنواع وقيمة مواردها ونفقاتها الإجمالية في القوانين المالية السنوية، ويتم التداول فيها ومناقشة حيثياتها خلال المناقشة البرلمانية للقطاعات الوزارية المعنية بها، مثل الصندوق الخاص بالطرق مثلا التابع لوزارة التجهيز وصندوق التنمية الصناعية، والصناديق المرتبطة بحصص الضرائب المخصصة للجماعات الترابية”.
في حين، يضف بروحو، حسابات الخزينة هي عمليات مالية ومحاسبية، لا يتم إدراجها في قوانين المالية ولا تظهر في عمومها في الوثائق المرافقة لها، ويتم تدبيرها من قبل عدد من الإدارات العمومية تحت إشراف الوزراء المعنيين، ” لذا قد يقصد بالصناديق السوداء حسابات الخزينة التي قد تسجل عمليات بملايير الدراهم، وهذا لا يعني عدم خضوعها لأية رقابة، وإنما عدم إدراجها في قوانين المالية السنوية التي تعدها الحكومة وتخضع للدراسة والتصويت والمراقبة من قبل السلطة التشريعية”.
وبخصوص الحجم الدقيق للأموال التي تتوفر عليها هذه الصناديق بالمغرب، ومن يتحكم فيها، أوضح المتخصص الاقتصادي أنه دائما ما يثار الجدل حول القيمة الحقيقية للحسابات الخصوصية وحسابات الخزينة، وهذا من طبيعة النقاش السياسي المرتبط بالمالية العمومية، لأن عدم الخضوع للمساطر العادية يثير الشبهات في العادة.
” وإذا كانت المبالغ الإجمالية للحسابات الخصوصية للخزينة التي تُدرج في قوانين المالية واضحة ومحددة سلفا ولا تثير أي إشكال، فإن التساؤلات تُركز حول حسابات الخزينة، وهو ما كان موضوع جدل واسع منذ سنة 2013 بحيث تم اقتراح الإدراج التدريجي لحسابات الخزينة ضمن قوانين المالية السنوية، وهو ما تحقق جزئيا ضمن أحكام القانون التنظيمي للمالية سنة 2015″.
وأضاف ” فالحسابات الخصوصية للخزينة أصبحت ميزانيتها السنوية الإجمالية تقارب 80 مليار درهم بما يفوق ثلث الموارد العمومية العادية، وهي ذات مساطر قانونية خاصة لضمان تخصيصها للنفقات المرتبطة بها وفق أحكام القانون التنظيمي للمالية، وهي في العادة كما سبق بيانه لا تثير أي إشكال، أما حسابات الخزينة، فنظرا لطبيعة العمليات المالية والمحاسبية المرتبطة بها، لا يمكن ضبط مجموع مواردها ونفقاتها الإجمالية أو التفصيلية، على اعتبار أن الإدارات العمومية هي من تتوصل بمواردها وتقوم بصرف نفقاتها، ولا يتم إدراجها في الميزانية العامة للدولة، وهذا ما يثير نقاشا كبيرا سواء خلال فترة الحكومات السابقة أو الحالية” يوضح بروحو الذي زاد “فوضعيتها هاته تجعلها أقرب لمفهوم الصناديق السوداء حقيقة، على الرغم من عدم قدرتنا على اعتبارها كذلك، فقد تكون عملياتها قانونية وسليمة ويتم استعمالها بشكل قانوني ومضبوط، لكنها غير شفافة ولا تخضع لمراقبة البرلمان الذي يعتبر صاحب الاختصاص الدستوري الأصلي على هذا المستوى”.
وعن كيفية صرف هذه الأموال التي تتوفر عليها حسابات الخزينة، أوضح بروحو ” لا يمكن لنا معرفة المبالغ الإجمالية لموارد حسابات الخزينة كما لا يمكن الاطلاع على نفقاتها المنجزة من قبل الإدارات العمومية المتصرفة فيها، ويُفترض بالمقابل أن يكون الوزراء مسؤولين بشكل مباشر عن تدبير هذه الحسابات وعن الأموال المتصرف فيها بهذا الخصوص”، مشددا على أنه ” إذا كانت الحسابات الخصوصية تخضع لنفس قواعد تدبير المالية العمومية بشكل عام، فإن حسابات الخزينة لا تخضع لرقابة البرلمان نظرا لاستحالة ذلك، وحاولنا منذ 2013 إدخال جزء من هذه الحسابات ضمن قوانين المالية السنوية وضمن ميزانية الدولة، إلا أن ما ورد في القانون التنظيمي للمالية سنة 2015 كان متواضعا ولم تكن له أية فائدة، مما أبقى هذه الحسابات خارج أية رقابة للمؤسسات الدستورية”.
وخلص بروحو أنه كان يُفترض بالمجلس الأعلى للحسابات أن يحرص على افتحاص وتدقيق العمليات المالية والمحاسبية المرتبطة بحسابات الخزينة “إلا أننا لا ندري سبب عدم فتحه لهذا الورش لمساعدة البرلمان على مراقبة هذه الحسابات التي يتم تدبيرها خارج ميزانية الدولة”.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب


انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية