هل يتجهُ المغرب نحو انتخابات سابقة لأوانها؟
يعرفُ المغرب في السنوات الآخيرة احتقانا اجتماعيا وسياسيا، بداية من احتجاجات الحسيمة بعد مقتل محسن فكري إلى جرادة التي يعيش أبنائها بين الحياة والموت في خنادق السندريات للبحث عن لُقمة العيش، واحتجاجات زاكورة بسبب قلة الماء، والصراع المحموم بين الأغلبية الحكومية باعتراف رئيس الحكومة نفسه، مما جعل سيناريو تنظيم انتخابات سابقة لأوانها مطروح داخل صالونات الرباط، في حين يرى البعض أن الوضعية عادية ولا تحتاج لإنتخابات سابقة لأوانها ولابد من الاستقرار الحكومي لتحقيق الإنجازات.
في هذا الصدد، أكد الباحث في العلوم السياسية، عبد الحكيم كرمان، بأن “الدفع بوجاهة فرضية الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها علينا استحضار خمسة محددات بأبعاد بينة يتداخل فيها، بداية الفشل التدبيري الذاتي والموضوعي بالنسبة للتحالف الحكومي، وأيضا ضغط الأزمة الاقتصادية وارتفاع منسوب الحركات الاحتجاجية وتوسعها فئويا ومجاليا، وحالة الاحتقان والشجن المجتمعي العام نتيجة ضبابية الأفق وضمور الثقة في المؤسسات، والمتغيرات والإكراهات متعلقة بالسياقين العالمي والإقليمي في ارتباط بقضية الوحدة الترابية للمغرب، وأخيرا تحديات الظرفية الاقتصادية، السياسية والمجتمعية الراهنة في أفق بلورة مشروع تنموي بديل.
وشدد المحلل السياسي، بأن “حالة الاحتقان والغضب والاستياء المتعاظم لغالبية فئات ومكونات المجتمع المغربي، وما وصلت إليه حالة البلاد وأحوال العباد من ترد وضعف الخدمات وانهيار القيم و اختلال في الموازين، واكتساح لمختلف مظاهر المحسوبية والريع والفساد والاستبداد، كلها إشارات ورسائل موجهة لمن يهمهم الأمر من أهل الحل والعقد كي يتم إنهاء تجربة حكومية فاشلة، قد تتسبب في إفشال الدولة برمتها وتعمق من إحباطات وهموم المجتمع وتهدد أمنه واستقراره، إن استمرت الأمور على منوالها الحالي، وبنفس الفاعلين الذين أوصلوا البلاد إلى ما وصلت إليه”.
سيناريو احتجاجات عارمة
وأفاد المحلل السياسي في سياق حديثه عن السيناريوهات الممكنة، بأن “حالة تنامي وتوسع الحركات الاحتجاجية وتطورها التنظيمي وتأطيرها بتبني مطالبها من طرف الوسطاء السياسيين والنقابيين، قد يدفع الفاعلين الرئيسيين في النسق السياسي العام، المتمثلين في المؤسسة الملكية، ومكونات التحالف الحكومي، إلى الإقرار ضمنيا أو بشكل صريح بفشل التجربة الحكومية الراهنة في قدرتها على تدبير شؤون البلاد بالشكل الذي يضمن الحفاظ على السلم الاجتماعي ويحقق الحد الأدنى من التجاوب مع المطالب الاجتماعية المتنامية”.
وأضاف الباحث في جامعة محمد الخامس بالرباط، بأنه “سنكون أمام سيناريوهين اثنين؛ إما استقالة الحكومة من تلقاء نفسها أو إعفائها من مهامها من طرف رئيس الدولة كتعبير عن التجاوب مع مطالب الحراك الاجتماعي لامتصاص غضب وقلق الفئات العريضة من المجتمع، ترسيخا لمبدأ الديمقراطية التشاركية وربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليهما في الدستور”.
حُكومة إئتلاف وطني أم كفاءات
وأبرز المُحلل السياسي بأن “إجراء انتخابات سابقة لأوانها سنكون أمام خيارين لتدبير الفترة الانتقالية بين نقطة الإعفاء أو الاستقالة إلى أن يتم إفراز تشكيلة حكومية أخرى عبر انتخابات جديدة، قد يكون لها مغزى سياسي ودستوري بالغ الأهمية، قد تشكل بدورها سابقة أو حالة خاصة أو تأويلية للدستور، قد تشكل عرفا جديدا في الحياة السياسية الوطنية”.
وتابع بالقول: “وهنا نقصد أحد الأمرين، هل سيتم حينها تكليف حكومة ائتلاف وطني تضم أغلب مكونات الطيف الحزبي والسياسي بالبلاد، كمرحلة انتقالية من جهة، و أخذا بعين الاعتبار ضرورة تنصيب حكومة تحظى بتمثيلية واسعة لمختلف الحساسيات الحزبية حفاظا على السلم الاجتماعي والاستقرار المؤسساتي بالنظر للتحديات المجتمعية الداخلية الكبيرة وكذا المتغيرات والإكراهات الجيوسياسية الدولية والقارية والإقليمية للمملكة، خصوصا في ظل التطورات التي بلغها وسيعرفها ملف استكمال الوحدة الترابية للمغرب”.
وأبرز كرمان في نفس السياق، هل “سيتم تنصيب حكومة كفاءات وطنية لكي تقوم بالمهام الاستعجالية في تدبير بعض الملفات والقضايا والملفات الضاغطة بعيدا عن التقاطبات السياسية والرهانات الانتخابية والتدافعات الحزبية، ومنها السهر على تدبير الشؤون العامة للبلاد في محاولة لتهدئة ومعالجة الاختلالات التي أدت إلى اندلاع الحركات الاحتجاجية في العديد من القطاعات والمناطق المغربية، كما ستكون الفرصة مواتية في هذه الحالة للهيئات السياسية والحزبية للاعتكاف على معالجة ما بها من مشاكل وما لحقها من شوائب، وأعطاب بالتالي خلق شروط مناسبة لتهيئ الانتخابات المقبلة”.
استمرار الحكومة
اعتبر الباحث في العلوم السياسية، أن “الحزب الأغلبي قائد التحالف الحكومي ممثلا في شخص زعيم البيجيدي، متشبث إلى النخاع بسيناريو استمرار الحكومة رغم أنها محفوفة بالمطبات والمنعرجات وشتى أنواع المخاطر، ووسط الاستياء الشعبي العام والمتزايد ناهيك عن ضغط الظرفية الاجتماعية المقلقة، ضمور مؤشرات النمو، وصعوبة المواءمة بين التوازنات الماكرو- اقتصادية وتلبية التطلعات الاجتماعية المشروعة لأغلب شرائح المجتمع، وتعثر الحوار الاجتماعي مع الفرقاء الاجتماعيين”.
وأشار المُتحدث ذاته، بأنه “بغض النظر عن الحسابات والقراءات المختلفة في تقديرات الربح والخسارة من زاوية التموقعات الحزبية والمصلحية لدى البعض، فإن حساب ؛ “الوطن أولا وأخيرا” وبعد ذلك تأتي باقي الأولويات،وأن تحصين الوطن المشترك وتأمينه وإصلاح اختلالاته ترقية أحوال أبنائه، هو المنطلق والغاية والسبيل القويم الذي يمكن أن يكون البديل الأساس في كل السيناريوهات المحتملة”.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية