هل احترمت الحكومة المغربية الدستور والنشر الاستباقي في مشروع قانون “تكميم الأفواه”؟
أصبح مشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، والذي يعرف باسم بـ”قانون تكميم الأفواه” الذي “صادق عليه مجلس الحكومة بتاريخ 19 مارس 2020 مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في شأنه بعد دراستها من طرف اللجنة التقنية ثم اللجنة الوزارية المحددة لهذا الغرض” منبوذا ولم يجد من يدافع عنه، في مقابل دعوات صريحة بسحبه نهائيا من طاولة مسطرة التشريع، هذا الوضع يضعنا أمام سؤالين، ما مدى احترام مشروع القانون للدستور؟، وهل الحكومة خرقت مبدأ النشر الاستباقي؟.
اعتداء صريح على أحكام الدستور
في هذا الصدد، أوضح عبد الرحمان علال باحث في القانون العام، أن “الطريقة التي دبّرت بها الحكومة قضية القانون رقم 22.20 فيها اعتداء صريح على أحكام الدستور، فمن المعلوم أن دستور 2011 قد خصص فصولا عديدة لتأطير إشراك المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد وتتبع وتقييم السياسات العمومية والترابية، والتأثير في قرارات صنّاع القرار”.
وأضاف عبد الرحمان علال في تصريح لـ”سيت أنفو” أن “الحكومة لـم تُشرك أحداً في إعداد مشروع القانون رقم 22.20 (وهو يندرج في باب السياسة التشريعية) رغم أن مجرد تفكير الحكومة في تقنين هذا المجال، بالشكل المتداول في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، يعتبر في حد ذاته تعدّياً على حقوق الناس وتضييقاً على حرياتهم، لقد كان من باب أولـى، إن أصرّت الحكومة على تقنين هذا المجال، أن تضع مسودة قانون، تحترم الدستور وتنسجم والتزامات المغرب الدولية ذات الصلة بالحقوق والحريات، وتفتح حولها نقاشاً عمومياً واسعاً وتلتزم بمخرجاته”.
خرقت مبادئ النشر الاستباقي
وشدد المتحدث ذاته، بأنه “لـم تكتفِ الحكومة بتجاوز الأحكام الدستورية ذات الصلة بالديمقراطية التشاركية، بل أيضاً – وهو أمرٌ لا يقلّ أهميةً – حرمت المواطنات والمواطنين من حقهم الدستوري في المعلومات المؤطرة بأحكام الفصل 27 من الدستور، وأيضا بمقتضيات المادة 10 من القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، التي نصّت على مسألة في غاية الأهمية، تهم تدابير النشر الاستباقي”.
وأبرز أن “المادة المذكورة وردت في صيغة الوجوب (يجب على المؤسسات والهيئات المعنية)، نشر الحد الأقصى من المعلومات التي في حوزتها، عن طريق جميع وسائل النشر المتاحة، وخصّت المـادة 10 البوابات الوطنية للبيانات العمومية بالذكر والتحديد، نظراً لطابعها الـمفتوح على الجمهور الواسع، وإمكانية الولوج الآني والسريع إليها، وقد خصت المادة 10 مشاريع القوانين بصريح العبارة وجعلتها من مشمولات تدابير النشر الاستباقي”.
وأوضح أن “مشروع القانون رقم 22.20 لا أثر له، لأنه غير منشور في أيٍّ من البوابات الوطنية للبيانات العمومية، وعلى وجه التخصيص، مشروع القانون رقم 22.20 غير منشور في خانة “مشاريع القوانين” في البوابة الإلكترونية لمجلس النواب، الأمر الذي يفيد أنه لـم تتم إحالته بعدُ على مجلس النواب بالأسبقية، كما تنص على ذلك أحكام الفقرة الثانية من الفصل 78 من الدستور، كما أن الـمـشروع المذكور غير منشور في البوابة الإلكترونية لوزارة العدل، سواء في خانة “البوابة القانونية والقضائية”، أو خانة “منتدى التشريع”، باعتبارها السلطة الحكومية التي أعدت مشروع القانون”.
وأشار إلى أن “المشروع غير منشور في خانة “مشاريع النصوص الموزعة على أعضاء الحكومة”، في البوابة الإلكترونية للأمانة العامة للحكومة، التي دأبت على نشر عددٍ من مشاريع النصوص القانونية بالصيغة التي عرضت على أعضاء الحكومة، من باب حق العموم في تتبع العملية التشريعية، بل الأكثر من ذلك فإن الأمانة العامة للحكومة تنشر مسودات مشاريع النصوص، وتجعلها مفتوحة أمام تعليقات الجمهور، تفعيلاً للمرسوم رقم 2.08.229 (ج.ر عدد 18 يونيو 2009) المتعلق بإحداث مسطرة لنشر مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية (يهم هذا الباب النصوص القانونية المرتبطة باتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وتشمل حصرا مجالات تجارة البضائع وتجارة الخدمات وجميع الإجراءات التجارية، والصفقات العمومية والاستثمار والبيئة والتجارة الإلكترونية والبيئة وقانون الشغل وغيرها)”.
فرضيات عديدة
وأكد أن “عدم احترام الحكومة لأحكام الدستور ومقتضيات القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة، جعلت الرأي العام فريسةً أمام روايات متضاربة، من بينها وجود مقتطفات من مشروع القانون أثارت الكثير من الجدل، خصوصاً تجريـم الدعوة إلى “مقاطعة بعض الـمنتوجات أو البضائع أو الخدمات”، ثـم وجود نص قانوني مكون من 25 مادة، لكن هذين النصين لـم يُنشرا في الـمواقع الرسمية المشار إليها سابقا”.
واعتبر بأن الوضع “يجعلنا أمام فرضيات عديدة، حدّ التناقض، كأن يتعلق الأمر بخلاف حكومي حول مضامين مشروع القانون، وتسريب مضامينه رغبةً في حسم الموضوع أمام الملأ على صفحات الفضاء الأزرق، أو فرضية وجود خلاف حكومي حول توقيت مشروع القانون؛ أو أن يكون قد تـم تسريبه لهذا الشخص أو ذاك دون نيةٍ في تعميمه، أو أن يكونَ بالون اختبار لجس النبض، فكان بذلك بمثابة الشرارة التي أحرقت النص القانونـي ومعدّيه على السواء، أو فرضية أخرى علمها عند الله وعند الـماسكين بأمر هذا الـموضوع”.