محمد صالح: لجُوء حزب الاستقلال إلى الفصل 103 مزايدة سياسية (حوار)

دعوة حزب الاستقلال رئيس الحكومة سعد العثماني إلى تفعيل مقتضيات الفصل 103 من الدستور، من خلال ربط طلب الموافقة على مشروع القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، لدى مجلس النواب بتصويت منح الثقة للحكومة حتى تواصل تحمل مسؤوليتها، فتحت النقاش حول الفصل السالف ذكره.

في هذا الصدد، أوضح الباحث في القانون الدستوري في حوار مع “سيت أنفو” بأنه “لو كان حزب الاستقلال ضمن مكونات الأغلبية الحكومية”، “كان من الممكن أن نستصيغ طلبه لرئيس الحكومة بتفعيل مقتضيات الفصل 103” مبرزا “لكن مادام حزب الاستقلال ينتمي للمعارضة فالأمر غير منطقي ولا يعدو أن يكون مزايدة سياسية”.

وشدد أن “هذه الآلية خطيرة وسيف ذو حدين، فإذا كان التصويت الإيجابي يجدد ثقة البرلمان في الحكومة وبالتالي تقويتها إبراز مدى إنسجامها كما تفضلتم بالقول، فيمكن أيضا أن يترتب عنه فقدان ثقة مجلس النواب وبالتالي الاستقالة التلقائية للحكومة، ولا أعتقد أن هناك حكومة يمكنها أن تخوض هذه المغامرة إلا أذا وجدت نفسها مضطرة”.

نص الحوار الكامل:

لأول مرة منذ المُصادقة على دستور 2011، تم الحديث على تفعيل الفصل 103، ما هي خلاصة هذا الفصل؟

دعنا أولا نتفق على أن الفصل 103 من دستور 2011، يتحدث عن إحدى الآليات الدستورية البالغة الأهمية، والمثيرة للمسؤولية السياسية للحكومة، بحيث ينص على أنه ” يمكن لرئيس الحكومة التقديم بطلب منح الثقة بشأن تصريح يدلى به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه، ويؤدي سحب الثقة إلى الاستقالة الجماعية للحكومة …” كما يتضح من منطوق الفصل، فهذه الآلية تحرك بمبادرة حكومة أي أنها مرتبطة بإرادة رئيس الحكومة الذي يمكنه أن يلجأ إليها أذا ما وجد صعوبة في تمرير نص معين يراه بالغ الأهمية  لتفعيل السياسات العمومية للحكومة، أو إذا أحست بضعف ثقة البرلمان في إحدى سياساتها العمومية أو في تدبير الحكومة لقطاع معين، فيتقدم رئيسها بتصريح يعقبه تصويت يحدد مصير الحكومة، إما الإستقالة أو الاستمرار بعد تجديد ثقة البرلمان، بمعنى أن تفعيل مقتضيات هذا الفصل يترتب عليه تلقائيا استقالة الحكومة، بعد تحقق الشروط المنصوص عليها.

تجدر الإشارة إلى أن هذا الإجراء، ليس جديدا في النظام الدستور المغربي، بل تم التنصيص عليه منذ أول دستور للمملكة سنة 1962 من خلال الفصل 80 ، أي أن جمود هذه الآلية لا يقتصر على الثمان سنوات لدخول دستور 2011 حيز التنفيذ، بل لم يسبق لأي حكومة منذ أول دستور أن أقدمت على تحريك هذه الآلية.

كيف تقرؤون دعوة حزب الإستقلال لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني بتفعيل الفصل 103 بدل 105؟ وهل خُطوة حزب الإستقلال سلمية من الناحية الدستورية؟.

كما أشرت سابقا، فالإجراء المنصوص عليه في الفصل 103 مرتبط بإرادة الحكومة ورئيسها، ولا دخل للفرق البرلمان أو الأحزاب في الموضوع خاصة المنتمية للمعارضة، زد على ذلك أن الحكومة تلجأ إلى هذا الفصل إذا ما تعلق الأمر بصعوبة في تمرير مشروع قانون نتيجة لوجود معارضة قوية له من قبل فرق المعارضة، والحال أننا في هذه الحالة أمام توافق جميع الفرق البرلمانية حول صيغة واحدة لقانون الإطار رقم 51,17، طبعا قبل تراجع فريق العدالة والتنمية وهو جزء من الأغلبية البرلمانية المفروض فيها دعم الحكومة وليس معارضتها.

وكما جاء في سؤالكم، للبرلمان أيضا الحق في تحريك المسؤولية السياسية للحكومة، عبر آلية ملتمس الرقابة المنصوص عليها وعلى شروطها في الفصل 105 من الدستور، إذ لو فعلا حزب الإستقلال كانت لديه رغبة صادقة في تحريك المسؤولية السياسية للحكومة، لإتجه إلى تفعيل الفصل 105، لكنه لعلمه المسبق بعصوبة تفعيل هذه الآلية بالنظر إلى عدم قدرته على جمع النصاب القانوني المطلوب لتقديم الملتمس المتمثل في خمس أعضاء مجلس النواب بمعنى 79 عضو، تم التصويت عليه بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس، خاصة في ظل توافق جميع الفرق البرلمانية حول قانون الإطار، بما فيهم فريق النيابي، لجأ إلى لعب هذه المناورة السياسية.

لو كان حزب الاستقلال ضمن مكونات الأغلبية الحكومية، والنص لقي صعوبة في المصادقة عليه من قبل البرلمان، بسبب معارضته من الفرق البرلمانية سواء المنتمية للمعارضة أو حتى للأغلبية، كان من الممكن أن نستصيغ طلبه لرئيس الحكومة بتفعيل مقتضيات الفصل 103، بحيث يمكن أن نعتبر الأمر اقتراح من أحد مكونات الأغلبية للخروج من هذه الأزمة عبر ربط مصير الحكومة بهذا النص القانونية لكونه شديد الأهمية، واخبار مدى تجانس مكونات الحكومة، لكن مادام حزب الاستقلال ينتمي للمعارضة فالأمر غير منطقي ولا يعدو أن يكون مزايدة سياسية.

على عكس فترة حميد شباط التي اتخذ فيها الحزب قراراً بالخروج من حكومة عبد الإله بنكيران رغم ما كلّفه ذلك سياسياً، هل بات اليوم حزب الاستقلال في حاجة إلى شباط ؟

إقدام شباط بعد انتخابه أمينا عاما لحزب الاستقلال على الخروج من التحالف الحكومي سنة 2013، كان قرارا سياسيا ذو وقع كبير، حيث خلق أزمة سياسية عميقة وادخل الحكومة في مرحلة فراغ سياسي دامت لأشهر، وربما كان سابقة من نوعها أن يقدم حزب سياسي على الخروج من الحكومة، لكنه كلف الحزب الشيء الكثير خاصة في ظل وجود شخصيات وازنة لم تكن راضية على قرار الخروج من الحكومة، وقد اتضح ذلك في الخلافات الحادة التي عاشها الحزب وانفجرت في مؤتمره الأخير.

هذا من جهة، من جهة أخرى لا أعتقد أن حزب الاستقلال الآن في حاجة إلى عودة شباط أو حتى إلى شباط أخر، ببساطة لأن الأمين العام الحالي رجل له وزنه داخل الحزب وشخصية ذات كفاءة علمية وسياسية عاليتين، وتقلد مناصب مهمة في البلاد على رأسها وزارة المالية والرئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وله القدرة على قيادة حزب من طينة الاستقلال

مُلتمسات الرقابة في التاريخ البرلماني للمغرب تُعد على رؤوس الأصابع، هل بسبب ضعف الجرأة لدى المعارضة أم أنها أدوات بدون فعالية؟

صحيح، فالتاريخ السياسي المغربي، لم يعرف إلا محاولتين لتقديم ملتمس الرقابة ضد الحكومة، كانت أولهما ضد أول حكومة دستورية برأسة السيد أحمد أبا حنيني، حيث تقدم فريق الإتحاد الوطني للقوات الشعبية في مجلس النواب بملتمس رقابة يوم 15 يونيو 1964، يهدف إلى مسائلة الحكومة وسحب الثقة منها ودفعها إلى تقديم الإستقالة الجماعية بحكم الدستور، وخاصة الفصل 81 (دستور 1962)، وهكذا أصبحت الحكومة المغربية موضع محاسبة لأول مرة أمام مجلس النواب، وذلك بعد أن أصبحت مظاهر التدهور تتجلى في سائر الميادين الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

إلا أنه بعد تدخل (26) ستة وعشرين نائبا في المداولة حول هذا الملتمس، حصل يوم 16 يونيو 1964 على ستين صوتا فقط، أي عدد الأصوات يقل بكثير عن الأغلبية المطلقة اللازمة لتفعيل أثار الملتمس، لكن هذا لم يخفي حقيقة أن المداولات بشأنه كانت جد مثيرة، عبرت عن صراع حاد بين النواب وأعضاء الحكومة، وكذلك عن عدم الانسجام الحاصل بين الطرفين حول معظم القضايا الوطنية، مما ترتب عن هذا الوضع السيئ أزمة حكومية اعتبرت إحدى بوادر الإعلان عن حالة الاستثناء التي عرفها المغرب في سنة 1965، وبالتالي تجميد المؤسسات الدستورية.

وفي مطلع التسعينيات من القرن الماضي تقدمت أحزاب المعارضة (الاتحاد الإشتراكي، الإستقلال، التقدم والإشتراكية، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي) في ماي 1990 بملتمس الرقابة، ضد حكومة السيد “عز الدين العراقي”، والذي وقع عليه 82 نائبا، إلا أن هذا الملتمس وكسابقه لم يحظى بالموافقة نظرا لعدم التصويت عليه بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، غير أنه ساهم في أزمة السياسية خانقة أدت إلى انتفاضة 14 دجنبر 1990.

ولماذا لم يلجأ رئيس الحكومة في وقت سابق إلى تفعيل فصل طلب الثقة مادام الأمر اختياريا، وسيبرز مدى تماسك الأغلبية الحكومية؟

سبق وأشرت أن اللجوء لهذه الآلية يكون في حالة صعوبة تمرير مشروع قانون ما، لكن في المغرب دائما ما كانت الحكومة مدعومة بأغلبيتها البرلمانية، فجميع الحكومة التي تعاقبة على تدبير الشأن العام دائما ما كانت مدعومة بأغلبيتها البرلمانية – بما في ذلك الحكومات التقنوقراطية – ولم يسبق أن فقدتها ، وبالتالي لم تضطر يما إلى ربط مصيرها نص ما أو تصريح، لهذا ظلت هذه الآلية مجمدة لسنة عقود.

زد على ذلك أن لجوء الحكومة إلى طلب ثقة مجلس النواب، هو بمثابة إشارة سياسية على أن الحكومة تشك في ثقة البرلمان وخاصة أغلبيتها البرلمانية، وهذا ما لن ترضى أي حكومة أن توحي إليه، فضلا عن أن هذه الآلية خطيرة وسيف ذو حدين، فإذا كان التصويت الإجابي يجدد ثقة البرلمان في الحكومة وبالتالي تقويتها إبراز مدى إنسجامها كما تفضلتم بالقول، فيمكن أيضا أن يترتب عنه فقدان ثقة مجلس النواب وبالتالي الاستقالة التلقائية للحكومة، ولا أعتقد أن هناك حكومة يمكنها أن تخوض هذه المغامرة إلا أذا وجدت نفسها مضطرة.


تساقطات ثلجية ورياح عاصفية تضرب هذه المدن المغربية

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى