ما قالته بوعياش عن اليوسفي في كتاب التكريم

استقال السي عبد الرحمان اليوسفي من مسؤوليته الحزبية بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 1993، احتجاجا على ما شابها من مساس بالنزاهة المنتظرة، تقول آمنة بوعياش في شهادتها على الراحل عبد الرحمان اليوسفي، ثم تضيف في الكتاب الذي أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان تكريما لليوسفي:” وفي استرجاعه لتلك اللحظات يقول: «اتضح كأن شيئا لم يتغير، وعادت حليمة إلى عادتها القديمة، فتصرفت كل السلطات، بما فيها أم الوزارات بتجاهل التوجيهات الملكية، ولم يعد أمامي إلا أن أعبر عن غضبي وسخطي، وأعلن نفاد صبري، أمام هذا المشهد الغريب واللامسؤول، وغير العابئ بمستقبل البلاد والعباد، فقررت حينئذ تقديم استقالتي من الكتابة العامة للاتحاد الاشتراكي»، ثم غادر المغرب طوعا.

في النادر من الأحيان، تضيف بوعياش في الكتاب الذي يتضمن شهادات شخصيات وطنية ودولية حول عبد الرحمان اليوسفي، تكون القرارات الصادقة، رغم بساطتها، بداية منعطفات تاريخية. فقد كان لتلك الاستقالة ما يشبه خلخلة المياه الآسنة منذ عقود. وبات معها المشهد السياسي المغربي مستعدا لتغيير الأسس في اتجاه اعتماد التداول السياسي.

وبعد انتخابات سابقة لأوانها، تسترسل بوعياش، عاد السي عبد الرحمان اليوسفي إلى أرض الوطن من جراء الرغبة التي أبداها جلالة الملك الحسن الثاني، آنذاك، لتدشين مسلسل التناوب التوافقي. وفي 4 فبراير 1998، تم تعيينه وزيرا أول لحكومة التناوب، حيث خاطبه جلالة الملك الحسن الثاني بقوله: «إنني أقدر فيك كفاءتك وإخلاصك، وأعرف جيدا أنك منذ الاستقلال، لا تركض وراء المناصب بل تنفر منها باستمرار. ولكننا مقبلون جميعا على مرحلة تتطلب الكثير من الجهد والعطاء من أجل الدفع ببلادنا إلى الأمام، حتى نكون مستعدين لولوج القرن الواحد والعشرين.»

وقد تجلت الكفاءة والإخلاص في سلاسة انتقال السلطة بين الملكين الحسن الثاني ومحمد السادس. وعندما يتذكر السي اليوسفي ذلك، يتذكره بالكثير من التقدير المتفرد، إذ يقول: «أنا شخصيا عشت لحظة اعتزاز تاريخية، لأنه كان لي الشرف أن أكون على رأس الموقعين على مرسوم البيعة بعد الأسرة الملكية، فهذه مفخرة لي ولحزبي ولحركتي. لقد كانت لحظة تاريخية أخرى.»

وتواصل بوعياش شهادتها في موضوع المنهجية الديمقراطية وتقول أنه مفهوم ارتبط بتقييم عبد الرحمان اليوسفي لتجربة التناوب التوافقي، وفي ممارستها حيث تجلت، في اعتقاده الراسخ، في ضرورة الانتقال من «التناوب التوافقي» إلى «التناوب الديمقراطي». فلم يكن التناوب التوافقي، في نظر الوزير الأول، إلا تمرينا على التناوب الديمقراطي. لكن «في الوقت الذي كنا ننتظر الانتقال من “التناوب التوافقي” إلى “التناوب الديمقراطي” أعلن بلاغ صادر عن الديوان الملكي،يوم9أكتوبر2002،أن السيد ادريس جطو،وزير الداخلية في الحكومة السابقة،قد ُعّنِين من طرف جلالة الملك وزيرا أول».

لقد كانت لحظة «المنهجية الديمقراطية» دفعة رصينة في اتجاه ملحاحية التناوب الديمقراطي، تجمعت فيها صلابة الموقف وأريحية النظر السياسي. فجاء الموقف صريحا ومتناغما بين مقتضيات الدستور الصريحة إذ «عبرُتله[جلالةالملك]أن الدستورالحالي(1996) يمنحه حق تعيين من يشاءكوزيرأول،ولكن المنهجية  الديمقراطية تقضي بتعيين الوزير الأول من الحزب الذي احتل المرتبة الأولى في عدد المقاعد البرلمانية ».

وفي غشت 2003، ومن بروكسيل، وهو يمارس التقييم في إطار مفهوم الوطن والمصلحة العليا للبلاد، تقول بوعياش، لخص تجربة التناوب التوافقي، وهو يراها في المرآة العاكسة ترسم تكونها والعراقيل التي واجهتها والإنجازات التي حققتها، ولكن النظر كان يركز على شساعة سيرورة الانتقال التي تم تدشينها والتي تتجلى أمام أنظاره لا خلف ظهره. فأمامه كان الحلم يجدد نفسه بمجرد ما تحققت فكرة التناوب غير المسبوق في دلالاتها الوطنية، يقول: «اخترنا تحمل مسؤوليتنا الوطنية وفضلنا مصلحة البلاد من أجل المشاركة في انتقال هاديء والتجاوب في نهاية الأمر مع نداء ملكنا الذي كان يدعونا – نحن المغاربة قاطبة – إلى إنقاذ البلاد من “السكتة القلبية” التي تتهددها بالنظر الى الوضعية الاقتصادية والاجتماعية
والسياسية السائدة.»

إن بسط الموضوع بهذا الشكل، يعكس درجة عالية من الحس الوطني جعل السيد اليوسفي، على غرار النادر جدا من القادة، قادرا على إعمال التحليل الموضوعي والنظر الاستراتيجي. فهو لم يطرح موقفه من خلال نزعة ذاتية وتبسيطيه، بل أطره في سيرورة الفعل السياسي كنشوء (genèse) تاريخي وكمآل مستقبلي للديمقراطية وحقوق الإنسان في المغرب.

إن رجل الدولة – تضيف بوعياش – لا تستهلكه ردود الأفعال اللحظية، لأنه يفترض فيه القدرة على ردها إلى سياقها السياسي والمجتمعي، فالاعتبار يظل دائما يعطى لنفس الأولويات الموضوعية. ولا يحتسب الذاتي إلا بقدرته على المساهمة في تحقيق المزيد من التراكمات ودعم سيرورة البناء الديمقراطي. وكان المستعصي أن يحمل التعبير المؤدب الموقف الحضاري. ليس لأن الإنسان هو الأسلوب فقط، بل لأن عبد الرحمان اليوسفي جمع بين  الأسلوب والمحتوى.

لم يكن التمازج بين الذاتي والموضوعي، عند السيد عبد الرحمان اليوسفي، حسب آمنة بوعياش دائما، ليخل بأحدهما لصالح الآخر، ولا ليتوارى أحدهما أمام جموح الآخر. فقد كان الذاتي لا يفرط في حجم المسؤولية الموضوعية كما كانت المسؤولية العمومية لا تكلف المواقف الذاتية أية مواربة. لأن لسان حاله كان دائما يقول: «نتمنى أن لا نفقد في المستقبل القريب ملكة الحلم والقدرة عليه.»


ظهور “نمر” يثير الاستنفار بطنجة ومصدر يوضح ويكشف معطيات جديدة

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى