عندما تطبع المحكمة الدستورية مع “خطأ” وقع عليه إجماع

صحيح أن قرارات القضاء الدستوري غير قابلة للطعن، غير أنها تبقى مفتوحة أمام النقاش العمومي والتفاعل، من مبدأ ممارسة حرية الرأي والتعبير المكفولة دستوريا، وهذه المحكمة تعتبر دركي الدستور القانون الأسمى في البلاد.

سياق هذا الحديث، يأتي بعد أخر قرارات المحكمة الدستورية، والمسجل برقم 106/20 والقاضي بتصريح المحكمة بأن مسطرة إقرار القانون رقم 26.20 يقضى بالمصادقة على المرسوم بقانون رقم 2.20.320 الصادر في 13 من شعبان 1441 (7 أبريل 2020) المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الحارجية، ليس فيها ما يخالف الدستور، وذلك في رد على الطعن المسجل بأمانتها والذي يقول فيه 81 برلماني ينتمون لحزب الأصالة والمعاصرة بأن مسطرة التصويت جاءت مخالفة لأحكام الفصل 60 من الدستور كون أن أن عملية التصويت على القانون المعروض،  تمت مخالفة لأحكام الفصلين العاشر والستين من الدستور، ولأحكام أخرى منه، ولمقتضيات المادة 156 من النظام الداخلي لمجلس النواب، إذ لم يتم الإعلان عن عدد أعضاء المجلس الحاضرين للجلسة العامة المخصصة للتصويت على القانون المذكور، ولا احتساب عدد المصوتين عليه، ولا بيان تصويتهم بالموافقة أو الرفض أو الامتناع، وأن محضر الجلسة العامة أتى خاليا من هذه البيانات، وأنه، فضلا عن ذلك، تم احتساب أصوات أعضاء متغيبين، مما يشكل إخلالا بالحقوق التي ضمنها الدستور للمعارضة البرلمانية، وتفويضا محظورا بنص الدستور، للحق الشخصي لأعضاء مجلس النواب في التصويت.

وبالعودة إلى التفاعل مع هذا القرار، يتبين أن المحكمة قامت بالتطبيع مع خرق دستوري كان بشأنه إجماع بين مكونات مكتب مجلس النواب، من خلال قولها في تعليل القرار، إن التفاوت المعلن، على فرض حدوثه، بين عدد الأعضاء المصوتين بالموافقة على نص تشريعي، وبين عدد الأعضاء الحاضرين بصفة فعلية أثناء عملية الاقتراع، لا يقوم وحده، سببا للتصريح بعدم دستورية مسطرة المصادقة على النص المذكور، ما عدا في حال منازعة نائب أو أكثر من النواب الحاضرين، عند إعلان نتيجة الاقتراع، في صحة تسجيل تصويتهم بالموافقة أو الرفض أو الامتناع، وأن يؤدي مجموع هذه المنازعات إلى تغيير في نتيجة التصويت على النص السالف ذكره، وهو ما لا يبين، فيما يخص القانون المحال، من  الوثائق المدرجة بالملف، ولم يثبته الطالبون  بأي وسيلة.

هذا القرار،بين بالملموس، أن عمل مجلس النواب يحتاج لتحيين، وتعديل في نظامه  الداخلي، ذلك أن أمناء المجلس يقتصر دورهم الآن في تلاوة المراسلات الواردة عليه، في حين أن المحكمة الدستورية، جاءت بمقتضى يمكن اعتباره مستجدا في العمل البرلماني، ذلك أنه يتوجب ومن جلسة الأسئلة الشفهية المقبلة، أن أمناء المجلس عليهم وجوبا تدوين محاضر المجلسات بالتفصيل، وتوزيعها على النواب، والانتظار للموافقة عليها وعدم التعرض، وذلك تماشيا مع يقوله القضاء الدستوري.

كما يتبين، أن المحكمة الدستورية بدورها عليها تحيين عملها، بعدم الاعتماد على حجية المحاضر الكتابية في المقام الأول، والامتداد للوسائل التكنولوجية، فتعليلها بكون أن الوسائل التكنولوجية والسمعية البصرية المستعان بها لإعداد المحاضر، باعتبارها مجرد وسائل تقنية وتوثيقية مساعدة، لا تعادل، من حيث حجيتها وقيمتها الإثباتية، محاضر الجلسات العامة المعدة بكيفية صحيحة، أصبح متجاوزا في زمن التكنولوجيا، وفي زمن الرقمنة، ذلك أن القضاء الدستوري ليس معزولا عن الأوراش التي يعرفها العالم في المجال، والتحول الرقمي، ذلك أن التطور التكنولوجي يجب أن يكون في أولوية عمل المؤسسات السياسية والدستورية.

وإن كانت هذه الممارسة البرلمانية، قد عرفت اجماع أعضاء مكتب مجلس النواب، فقد خرقت قاعدة دستورية تعتبر الأصل، وإن قرار المحكمة الدستورية طبع مع هذا الخرق بدعوى غير صريحة لوجود فراغ دستوري وقانوني، معتبرة إياه خطأ يمكنه أن لا يؤثر على نتيجة تصويت وليس فيه ما يخالف الدستور، وهذا اجتهاد يصعب قبوله، ذلك أنه يشجع على ممارسة يمكن أن تتكرر في مؤسسات سياسية ودستورية تشتغل بنظام الآلية الديموقراطية، وهناك وقع على الرأي العام عندما يصرح مثلا مجلس النواب بأن قانونا صوت له عدد محدد دون الكشف عليه في المحاضر، استنادا للدستور والنظام الداخلي، في حين أنه عندما يكشف عن تفاصيل التصويت فهذا القانون يمكن أن يأخذ أبعادا أخرى لدى الرأي العام من باب حقه في الوصول للمعلومة الصحيحة.

خلاصة القول أن المحكمة الدستورية اعترفت بوجود “خطأ”، غير أنه ليس له تأثير ولا يعتبر خرقا دستوريا، ولكن أسقطت بالملموس دور التكنولوجيا في زمن الرقمنة، متعمدة على وسائل تقليدية، كما قامت بغض البصر عن ما اعتبرته “خطأ” في الأصل هو مصادرة لحق نائب برلماني يمنحه له الدستور بموجب الفصل 60، غير أن هذا “الخطأ” شهد اجماعا داخل مكتب مجلس النواب، وخلال جلسة عمومية، وذلك بوجود فراغ قانوني أصبح إستدراكه، من أولوية أولويات العمل البرلماني والتشريعي ما بعد زمن كورونا.


الرجاء يرد على خبر رحيل لاعبيه الجزائريين

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى