النموذج التنموي الجديد والانفراج السياسي.. أية علاقة؟

وجه كل من محمد بوستة الأمين العام لحزب الاستقلال، وعبد الرحمان اليوسفي الكاتب الأول لحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، وعبد الله إبراهيم الأمين العام  لحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، وعلي يعتة الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ومحمد بنسعيد عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، مذكرة تُمثل “الكتلة الديمقراطية” تحمل نداء بـ”الإنفراج السياسي” يوم 19 يونيو 1992، هذا المصطلح العائد بقوة إلى الواجهة مع اقتراب ذكرى التاسعة لحراك 20 فبراير، وتزامنا مع بداية اشتغال اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي بقيادة وزير الداخلية السابق شكيب بنموسى.

حتى تكتمل الصورة، جاء في المذكرة بأن “من مستلزمات الدخول في العهد الجديد من الديمقراطية التي تتوق إليه البلاد، استتباب جو عام من الانفراج السياسي والاجتماعي، وذلك بالعمل على طي صفحة الماضي بكل مخلفاته، والتوجه نحو بناء المستقبل على أسس جديدة ومتينة تشيع روح الثقة والحماس والأمل، وتستجيب لطموحات ملايين الشباب الذين يتطلعون إلى غد أفضل في مغرب قوي بمؤسساته الديمقراطية تنفتح به الآفاق واسعة نحو التنمية والتقدم، وتتحقق في ظله الحياة الحرة الكريمة لكافة المواطنين والمواطنات في كنف مبادئ العدالة الاجتماعية وحماية حقوق الإنسان وبسط قواعد دولة القانون”.

إلا أن ارتفاع دعوات “الانفراج السياسي” من حقوقي المغرب بالموازاة مع بداية عمل اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، بأحد الأحياء الراقية في الرباط من أجل “خلق نفس جديد” لم تنعكس على مذكرات  أغلب الأحزاب  إلا  ما خطه حزب التقدم والاشتراكية، وفيدرالية اليسار الديمقراطي، في حين رفض حزب المغربي الحر لقاء اللجنة بدعوى ما أسماه “محاولات توحيد الفكر السياسي والتنموي في الأنظمة الشمولية كان مآلها الفشل “، فيما ربط حزب النهج الديمقراطي مشاركته في اللجنة بضرورة “إطلاق سراح معتقلي الريف والكشف عن حقيقة الاعتقالات والاختطاف، كبداية انفراج سياسي” حسب وصفه.

الانفراج السياسي شرط أي عملية إصلاح

في هذا الصدد، شدّد محمد مصباح، رئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات في تصريح لـ”سيت أنفو”  أن “تحقيق الانفراج السياسي شرط أساسي وسابق لنجاح أي عملية إصلاح سياسي أو اقتصادي، فهي تعطي جرعة من الأمل وتعزز من الثقة في مسار الإصلاح، في السنوات الاخيرة لا سيما بعد 2016 هناك ملاحظات سجلها باحثون وناشطون حول مسار تراجعي عن مكتسبات دستور 2011، وهو ما قد يفرغ من مضمون هذه المبادرة الجديدة التي تهدف إلى اقتراح مشروع نموذج تنموي جديد”.

وأكدت الناشطة الحقوقية سارة سوجار في تصريح للموقع، أن “سنة 2017 كانت سنة انتهاك الحقوق والحريات وذلك باعتراف كل الفاعلين بما فيهم المؤسسات الرسمية التي أقرت بفشل السياسات العمومية في مجالات الصحة والتعليم وفي علاقات الثقة بين مؤسسات الدولة والمواطن، كما أنها كانت سنة المتابعات والمحاكمات فيما يخص حرية التعبير والرأي، وبعد إقرار الملك فشل النموذج التنموي وتعيينه للجنة خاصة به أظن أن هناك شروطا يجب توفرها كي يستطيع المغاربة الثقة في شيء جديد تقترحه الدولة”.

وأبرز المحلل السياسي عادل بنحمزة بدوره أن “الأمر لا يتعلق بضرورة إحداث انفراج سياسي بشكل موازي لعملية إعداد نموذج تنموي جديد، بل الأمر يتطلب هذا الانفراج كشرط واقف، أي لا يمكن تصور إنجاح نموذج تنموي بغض النظر عن صيغة وضعه، في ظل استمرار اختناق المسار السياسي وتدهور غير مسبوق على مستوى الحريات، وذلك بشكل يتناقض تماما مع المسار الذي انخرط فيه المغرب مع تجربة الإنصاف والمصالحة، إذ المطلوب هو تثمين ذلك الرصيد وليس إهداره”.

لا تنمية بدون انفراج سياسي 

سارة سوجار،الوجه النسائي البارز في صفوف حركة “20 فبراير”، أشارت أن “الدولة ملزمة بضمان جو من الأمان وعدم الخوف من الاعتقال في حال التعبير عن الاستياء أو المطالبة بحق من الحقوق، وأول مدخل هو الإفراج على جميع المعتقلين السياسيين والحركات الإحتجاجية والرأي، المواطن بحاجة أن يعبر عن حاجياته ومطالبه في جو من الأمان والثقة والتبادل المحترم”.

وأضافت في حديثها أن “المغاربة في حاجة إلى جو من العدل والاطمئنان يعيد الثقة بين المواطن ومؤسسات العدالة وعلى رأسها القضاء، كما أن التنمية لا يمكن أن تتحقق في جو مطبوع بالقمع ومشحون بلغة الوعيد والتهديد بإعادة الترابي لكل من رفض أو انتقد أو تمرد على الظلم، كما أن مشروعا لنموذج تنموي لا يمكن أن يخرج وجُل المواطنين الذين طالبوا به وانتقدوا هذه السياسات التي أجمع الخطاب الرسمي على فشلها في السجن”.

وأوردت أن “الانفراج السياسي وتصفية الأجواء العامة والمصالحة مع مختلف المناطق المغربية تُعد الشرط الأساسي لبناء عدالة مجالية ضروري كي يتقبل المغاربة مشروع النموذج التنموي الجديد، ولن يتم إلا في حالة احترام الحقوق والحريات، أما فرضه في جو مطبوع بالترهيب والتخويف لن يضيف شيئا لحالة الاستياء العامة ولن يعيد ثقة المغاربة في مؤسساتهم مرة أخرى”، أظن أن اللحظة مهمة لترميم العلاقة بين مؤسسات الدولة، وبناء نموذج تنموي وخلق مصالحة حقيقية كي نطوي كل الصفحات السوداء ونحقق أسس بناء مغرب الحرية والكرامة والتنمية”.

التنمية ليست عملية تقنية

وأكد الدكتور عادل بنحمزة أن “عملية التنمية هي عملية سياسية في العمق وليست تقنية على كل حال، ولا يمكن أن تقوم سوى على أرضية ديمقراطية حيث نفاذ القانون والمساواة أمامه وإعمال مبدأ المحاسبة في مقابل المسؤولية، ووجود مؤسسات وهذا أمر أساسي في أي نظام ديمقراطي، لهذا ليس من المفيد أن نضيع على بلادنا مزيدا من الوقت، تحقيق انفراج سياسي هو مدخل رئيسي لبداية أي مسار جديد وأساسا إعادة بناء الثقة في المؤسسات والأشخاص والسياسية، فنقص الثقة له انعكاسات سلبية كبيرة بالنسبة لأي مجتمع يحاول الإقلاع أو النهوض من جديد وهو يستهدف المستقبل”.

من جهة أخرى، دعت سارة سوجار أن “يعكس هذا النموذج  التنموي انتظارات المغاربة فيما يخص القضايا التي ترتبط بمعاشهم اليومي وخصوصا البطالة والتعليم والصحة والولوج للخدمات الأساسية، وأيضا لابد من رفع التجريم عن اختيارات المغاربة في حياتهم الخاصة الدينية والجنسية والثقافية، وأن ترفع الدولة وصايتها عن هذه الاختيارات سواء باسم القانون أو باسم الملاحقات والمتابعات القضائية”.

وربطت بين عودة “الثقة بين المواطن والمؤسسات”  إلا “عبر خلق جو وطني ديمقراطي ينبني على فتح حوار عمومي بين مختلف الفاعلين في مختلف القضايا كي يحس المواطن أنه في قلب صناعة السياسات العمومية وليس فقط منفدا وخاضعا لها، أن يتم النهوض بالعدالة والقضاء وتكريس استقلالية هذه السلطة التي اعتبرنا أن ترسيخها في دستور 2011 مكتسبا ديمقراطيا لاحترام الحريات والحقوق. لأن العدالة والقضاء هما الضامن الأساسي لإنصاف وحماية حقوق كل المظلومين حتى لو كان الخصم أجهزة الدولة ومؤسساتها”.

ونادت بـ”إنهاء المقاربة الأمنية ووتقوية العدالة وتصفية الأجواء السياسية وصياغة مشروع نموذج تنموي يستجيب لتطلعات المغاربة في حدودها الدنيا سيجعلنا نحقق مرحلة جديدة في حياة المغرب داخليا وحتى خارجيا بكل الإكراهات والتحديات التي تحيط بنا عالميا، والأوطان تبنيها القيم الديمقراطية واحترام الحقوق والحريات وما دونها تبقى واجهات زينة  لفترات موسمية لا تستمر لا في الزمان ولا في المكان”.

إحداث زلزال سياسي

فتح الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية يوم الجمعة 13 أكتوبر 2017 الباب أمام جميع الاحتمالات بالقول: “إننا نتطلع لبلورة رؤية مندمجة لهذا النموذج، كفيلة بإعطائه نفسا جديدا، وتجاوز العراقيل التي تعيق تطوره، ومعالجة نقط الضعف والاختلالات، التي أبانت عنها التجربة، وسيرا على المقاربة التشاركية، التي نعتمدها في القضايا الكبرى، كمراجعة الدستور، والجهوية الموسعة، فإننا ندعو إلى إشراك كل الكفاءات الوطنية، والفعاليات الجادة، وجميع القوى الحية للأمة، كما ندعو للتحلي بالموضوعية، وتسمية الأمور بمسمياتها، دون مجاملة أو تنميق، واعتماد حلول مبتكرة وشجاعة، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة أو إحداث زلزال سياسي”.

في ذات الخطاب، أفاد بأنه “نريدها وقفة وطنية جماعية، قصد الانكباب على القضايا والمشاكل، التي تشغل المغاربة، والمساهمة في نشر الوعي بضرورة تغيير العقليات التي تقف حاجزا أمام تحقيق التقدم الشامل الذي نطمح إليه، وإذ نؤكد حرصنا على متابعة هذا الموضوع، فإننا ننتظر الاطلاع عن كثب، على المقترحات، والتدابير التي سيتم اتخاذها، من أجل بلورة مشروع نموذج تنموي جديد، وإن النموذج التنموي مهما بلغ من نضج سيظل محدود الجدوى، ما لم يرتكز على آليات فعالة للتطور، محليا وجهويا”.


انخفاض أسعار اللحوم الحمراء المستوردة ومهني يوضح لـ “سيت أنفو”

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى