الملك: الدورة البرلمانية الحالية استثنائية ومليئة بالتحديات
وصف الملك محمد السادس الدورة الأولى من الولاية التشريعية الخامسة للبرلمان، دورة استثنائية ومليئة بالتحديات، خاصة في ظل آثار الأزمة الصحية، التي يعرفها المغرب والعالم.
وقال عاهل البلاد، اليوم الجمعة، في خطابه الذي ألقاه بمناسبة افتتاح البرلمان في دورتة الأولى من السنة التشريعية الخامسة، إن افتتاح هذه السنة التشريعية يأتي في ظروف استثنائية وبصيغة مختلفة، مليئة بالتحديات، ومنها الأزمة الصحية، كما أنها السنة الأخيرة في الولاية التشريعية، منبها ممثلي الأمة إلى أنه لكل ما سبق مطلوب منهم المزيد من الجهود، لاستكمال مهامهم في أحسن الظروف، واستحضار حصيلة عملهم، التي ستقدمونها للناخبين.
وشدد الملك محمد السادس، على أن أزمة وباء “كورونا” لا زالت مستمرة بانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية والنفسية، مؤكدا أن المهم يبقى هو التحلي باليقظة ومواصلة دعم القطاع الصحي موازاة مع تنشيط الاقتصاد وتقوية الحماية الاجتماعية، مشددا على أن ” المسؤولية مشتركة، والنجاح إما أن يكون جماعيا، لصالح الوطن والمواطنين، أو لا يكون”، مردفا جلالته:” وإنني واثق بأننا سنرفع جميعا هذا التحدي، في إطار الوحدة الوطنية، والتضامن الاجتماعي”.
وأبرز العاهل المغربي، أن أزمة ” كورونا” أبانت عن مجموعة من الاختلالات ومظاهر العجز، مسجلا إطلاق خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد، ومشروعا كبيرا لتعميم التغطية الاجتماعية، بالاستاذ على مبادئ الحكامة الجيدة، وإصلاح مؤسسات القطاع العام.
وأوضح ملك البلاد، أنه من شأن هذه المشاريع الكبرى أن تساهم في تجاوز آثار الأزمة، وتوفير الشروط الملائمة لتنزيل النموذج التنموي، الذي بتطلع إليه المغاربة، مردفا:” وإننا نضع خطة إنعاش الاقتصاد، في مقدمة أسبقيات هذه المرحلة، تهدف لدعم القطاعات الإنتاجية، خاصة نسيج المقاولات الصغيرة والمتوسطة، والرفع من قدرتها على الاستثمار، وخلق فرص الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل”.
وأبرز الملك محمد السادس، أنه تم التشديد على ضرورة أن يتم تنزيل خطة انعاش الاقتصاد في إطار تعاقد وطني بناء، بين الدولة والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، من أجل ضمان شروط نجاحها، انطلاقا من تلازم الحقوق والواجبات، مسجلا جلالته أنه في إطار الجهود المبذولة لدعم المقاولات، من خلال آلية القروض المضمونة من طرف الدولة، فقد استفاد منها، إلى حدود الآن، ما يزيد عن 20 ألف مقاولة مغربية، بما يقارب 26 مليارا و100 مليون درهم، الأمر الذي مكن هذه المقاولات، من الصمود أمام هذه الأزمة، وتخفيف حدة آثارها، ومن الحفاظ على مناصب الشغل.
ودعا الملك إلى مواصلة الجهود في هذا المجال، سواء من طرف القطاع البنكي، وصندوق الضمان المركزي، أو من جانب المقاولات وجمعياتها المهنية.
وكشف الملك محمد السادس، أنه سيتم إطلاق إسم ” صندوق محمد السادس للاستثمار “ على صندوق الاستثمار الاستراتيجي، الذي كان جلالته دعا دعا لإحداثه، هذا الصندوق الذي الركيزة التي سترتكز عليه خطة إنعاش الاقتصاد، ٱملا جلالته أن ” يقوم بدور ريادي، في النهوض بالإستثمار، والرفع من قدرات الاقتصاد الوطني، من خلال دعم القطاعات الانتاجية، وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص”.
ولتوفير الظروف الملائمة لقيام هذا الصندوق بمهامه، على الوجه الأمثل، فقد وجه الملك أن يتم تخويله الشخصية المعنوية، وتمكينه من هيآت التدبير الملائمة، وأن يكون نموذجا من حيث الحكامة والنجاعة والشفافية، كما أمر جلالته بأن ترصد له 15 مليار درهم، من ميزانية الدولة، بما يشكل حافزا للشركاء المغاربة والدوليين، لمواكبة تدخلاته، والمساهمة في المشاريع الاستثمارية، دعما لخطة الانعاش، وتوسيع أثرها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
” وسيرتكز هذا الصندوق في تدخلاته على صناديق قطاعية متخصصة، تابعة له، حسب المجالات ذات الأولوية، التي تقتضيها كل مرحلة، وحسب حاجيات كل قطاع، ومن بين هذه المجالات، نذكر إعادة هيكلة الصناعة، والابتكار والقطاعات الواعدة، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، والبنيات التحتية، والفلاحة والسياحة” يوضح جلالته الذي شدد التأكيد على الأهمية التي يجب أن تعطى للفلاحة والتنمية القروية، ضمن عملية الإنعاش الاقتصادي ، ” ففي الظروف الحالية، يتعين دعم صمود هذا القطاع الوازن، وتسريع تنفيذ جميع البرامج الفلاحية، وهو ما سيساهم في تحفيز الاستثمار والتشغيل، وتثمين الإنتاج الفلاحي الوطني، وتسهيل الاندماج المهني بالعالم القروي، وفقا للاستراتيجية الفلاحية الجديدة”، مبرزا في ذات السياق أن عملية تعبئة مليون هكتار، من الأراضي الفلاحية الجماعية، لفائدة المستثمرين وذوي الحقوق، تشكل رافعة أساسية ضمن هذه الاستراتيجية، مسجلا ان حجم الاستثمارات المنتظرة، في إطار هذا المشروع، يقدر بما يقارب 38 مليار درهم، على المدى المتوسط ” وهو ما سيمكن من خلق قيمة مضافة، لتمثل حوالي نقطتين إضافيتين سنويا، من الناتج الداخلي الخام، وإحداث عدد هام من مناصب الشغل، خلال السنوات القادمة”.
لذا، يردف الملك ” يجب تعزيز التنسيق والتعاون بين القطاعات المعنية، مع العمل على تحفيز الشباب في العالم القروي، عن طريق خلق المقاولات، ودعم التكوين، لاسيما في المهن والخدمات، المرتبطة بالفلاحة”.
إلى ذلك، ذكر الملك محمد السادس بحرص جلالته الدائم على تلازم تحقيق التنمية الاقتصادية، بالنهوض بالمجال الاجتماعي، وتحسين ظروف عيش المواطنين ” لذلك، دعونا لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، وهو مشروع وطني كبير وغير مسبوق، يرتكز على أربعة مكونات أساسية:أ
أولا: تعميم التغطية الصحية الاجبارية، في أجل أقصاه نهاية 2022، لصالح 22 مليون مستفيد إضافي، من التأمين الأساسي على المرض، سواء ما يتعلق بمصاريف التطبيب والدواء، أو الاستشفاء والعلاج.
ثانيا: تعميم التعويضات العائلية، لتشمل ما يقارب سبعة ملايين طفل في سن الدراسة، تستفيد منها ثلاثة ملايين أسرة.ث
الثا: توسيع الانخراط في نظام التقاعد، لحوالي خمسة ملايين من المغاربة، الذين يمارسون عملا، ولا يستفيدون من معاش.
رابعا: تعميم الاستفادة من التأمين على التعويض على فقدان الشغل، بالنسبة للمغاربة الذين يتوفرون على عمل قار.
ولهذه الغاية، دعا عاهل البلاد للتشاور الواسع، مع جميع الشركاء، واعتماد قيادة مبتكرة وناجعة لهذا المشروع المجتمعي، في أفق إحداث هيأة موحدة للتنسيق والإشراف، على أنظمة الحماية الاجتماعية، مشددا جلالته على أن نجاح أي خطة أو مشروع، مهما كانت أهدافه، يبقى رهينا باعتماد مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة ” ويجب أن تعطي مؤسسات الدولة والمقاولات العمومية، المثال في هذا المجال، وأن تكون رافعة للتنمية، وليس عائقا لها”، مجددا الدعوة للقيام بمراجعة جوهرية ومتوازنة لهذا القطاع، بالنظر للأهمية الاستراتيجية لهذه المؤسسات.
وسجل الملك على أن نجاح خطة الإنعاش الاقتصادي، والتأسيس لعقد اجتماعي جديد، يقتضي تغييرا حقيقيا في العقليات، وفي مستوى أداء المؤسسات العمومية، ولهذه الغاية، دعا جلالته الحكومة للقيام بمراجعة عميقة لمعايير ومساطر التعيين، في المناصب العليا، بما يحفز الكفاءات الوطنية، على الانخراط في الوظيفة العمومية، وجعلها أكثر جاذبية.
وخلص عاهل البلاد إلى كون مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة، تتطلب تعبئة وطنية شاملة، وتضافر جهود الجميع، لرفع تحدياتها، داعيا جلالته كل المؤسسات والفعاليات الوطنية، وفي مقدمتها البرلمان، للارتقاء إلى مستوى تحديات هذه المرحلة، وتطلعات المواطنين.