أهمية مصادرة الأصول الإجرامية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإٍرهاب

شدّد هشام بلاوي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة بالمملكة المغربية، على أهمية تعزيز التنسيق والتعاون الدولي في مجال تتبع وحجز ومصادرة واسترداد الأصول الإجرامية.
وفي هذا السياق، قال بلاوي، في كلمة له خلال افتتاح أشغال الورشة الإقليمية المنظمة حول موضوع ” تتبع وحجز ومصادرة الأصول الإجرامية”، المنعقدة بمدينة الرباط من 16 إلى 18 يونيو 2025، (قال) إن إن عملية تتبع وتجميد وحجز الأصول الإجرامية ومصادرتها واستردادها لم تعد مجرد إجراء قانوني، بل أصبحت مكونا استراتيجيا في مجال مكافحة جرائم الفساد المالي وجريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومؤشرا دالا على نجاعة إجراءات مكافحة الجرائم المذكورة، كما ترتبط ارتباطا وثيقا بمدى فعالية ونجاعة الأبحاث المالية وقدرتها على ربط المتحصلات المشتبه فيها بالجريمة الأصلية وجردها وحصرها.
وأضاف رئيس النيابة العامة أن هذا الأمر يقتضي تعزيز التنسيق بين مختلف أجهزة إنفاذ القانون ووحدات التحريات المالية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون القضائي الدولي في إطار المساعدة القانونية المتبادلة و التعاون غير الرسمي، باعتباره مكملا للتعاون الرسمي، بالنظر لما يوفره من سرعة ومرونة في تنسيق إجراءات استرداد الأصول والمساعدة في بناء جسور التعاون خاصة في القضايا العابرة للحدود، و ذلك من أجل تجاوز التحديات التي يطرحها التعامل مع الترتيبات المالية المعقدة لا سيما في ظل استخدام التكنولوجيا الرقمية والعملات المشفرة.
ووعيا منها بأهمية هذه الإجراءات في حرمان المجرمين من الاستفادة من متحصلات الجرائم وفي إرجاع الأموال المنهوبة لفائدة خزينة الدولة وتعويض الضحايا، فقد انخرطت رئاسة النيابة العامة ببلادنا في العديد من المبادرات الوطنية والدولية المرتبطة بموضوع تتبع و تجميد و حجز الأصول الاجرامية و مصادرتها و استردادها مما يعكس رؤيتها الاستراتيجية في هذا المجال ، و من بينها انخراطها في مشروع إنشاء الشبكة الإقليمية لاسترداد الأصول بشمال افريقيا والشرق الأوسط (مينا ارين MENA ARIN)، والمساهمة في مبادرة إحداث منتدى للممارسين في مجال استرداد الموجودات بإفريقيا التي أطلقها المجلس الاستشاري للاتحاد الإفريقي لمحاربة الفساد وقطاع الشؤون السياسية والسلام والأمن للاتحاد الافريقي بدعم من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي، بالإضافة إلى المساهمة في إطلاق المشروع التجريبي لإنشاء نشرة جديدة فضية مخصصة لتعقب واسترداد الأموال ذات الطبيعة الإجرامية من طرف المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (انتربول)، بحسب تعبير بلاوي.
وتابع المسؤول القضائي، أن رئاسة النيابة العامة انخرطت أيضا، في عملية تقييم المنظومة الوطنية لبلادنا من طرف مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية مجلس أوروبا بشأن غسل الأموال وتجميد وحجز ومصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة وبشأن تمويل الإرهاب عدد 198 التي صادقت عليها بلادنا سنة 2022.
وإلى جانب الانخراط في هذه المبادرات الدولية، فقد واصلت النيابات العامة لدى المحاكم المختصة بقضايا غسل الأموال و تمويل الإرهاب، بحسب بلاوي، انخراطها بكل حزم و جدية في تنفيذ السياسة الجنائية في شقها المتعلق بمحاربة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال توجيه اهتمامها نحو تفعيل المقتضيات القانونية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال في جميع الجرائم ذات المخاطر المرتفعة التي ترتبط بمتحصلات مالية غير مشروعة، لاسيما جرائم المخدرات و الجرائم المالية والجرائم المعلوماتية فضلا عن فتح أبحاث مالية بالموازاة مع البحث الجنائي التقليدي من أجل الكشف عن المتحصلات المالية للجريمة و تعقبها و حجزها تمهيدا لمصادرتها ، بالإضافة إلى العمل على إنهاء الأبحاث داخل أجل معقول والسهر على تجهيز الملفات لتقليص أمد البت في القضايا، فضلا عن تفعيل آليات التعاون الدولي والمساعدة التقنية المتبادلة لا سيما في مجال حجز و تجميد و مصادرة الأصول الاجرامية.
هذه الورشة الإقليمية التي عرفت مشاركة ممثلين عن مؤسسات وطنية ودولية، من ضمنها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والوكالة الألمانية للتعاون الدولي، ومجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قال رئيس النيابة العامة، إن تنظيمها يعكس الاهتمام المتزايد الذي يحظى به موضوع تتبع وتجميد وحجز الأصول الإجرامية ومصادرتها واستردادها، كما يعبر عن الالتزام المشترك من أجل مكافحة الجريمة المنظمة بكافة أشكالها وتعزيز قيم النزاهة والشفافية بالموازاة مع تنامي ارتفاع عائدات غسل الأموال، مشيرا إلى أن الجريمة المنظمة و العابرة للحدود لم تعد تقتصر على الجريمة العادية و البسيطة ، بل تمتد إلى شبكات معقدة تستثمر الأموال غير المشروعة في اقتصاديات الدول بما يهدد الأمن المالي والاستقرار الاجتماعي حيث تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن حجم الأموال المتحصلة من جريمة غسل الأموال تتجاوز في بعض الأحيان 02 تريليون دولار سنويا أي ما يعادل 2 إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي .
وأمام هذه المخاطر والتحديات فقد أصبحت الحاجة ملحة إلى فهمٍ دقيق للإطار التشريعي والآليات الإجرائية والعملية المتعلقة بتتبع الأموال غير المشروعة وحجزها وتجميدها في أفق مصادرتها، بالإضافة إلى كيفية استردادها في حالات غسل الأموال وجرائم الفساد المالي والجريمة المنظمة، باعتبارها آليات أساسية لتعزيز قيم الشفافية وتخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد وحماية الاقتصاد الوطني والدولي من التهديدات المالية المتزايدة، يقول بلاوي.
وبحسب المسؤول القضائي ذاته، فإن السياسة الجنائية ببلادنا في مجال مكافحة غسل الأموال، تقوم على مبدأي الاستمرارية والاستدامة، وفق نهج يروم الملاءمة مع المعايير والتوصيات الدولية ذات الصلة، وذلك انطلاقا من قناعتنا الراسخة بكون هذه العملية ليست عملية ظرفية مرتبطة بتنزيل خطة عمل أو تنفيذ توصيات معينة، بل هي استراتيجية وطنية مستدامة تقتضي تحصين المكتسبات وتطوير آليات ومناهج العمل بشكل مستمر لمواجهة التحديات المستجدة وفق مقاربة تشاركية مع كافة المؤسسات والهيئات الوطنية المعنية.
وبحسب المتحدث ذاته، فقد أسفرت هذه المجهودات مُجْتَمِعَةً عن خروج بلادنا من عملية المتابعة المُعزَّزة خلال سنة 2023، كما تميزت سنة 2024 باستكمال ملاءمة منظومتنا الوطنية مع توصيات مجموعة العمل المالي، وذلك عقب الإشادة بالمجهودات المبذولة من طرف المملكة المغربية في هذا الصدد، لاسيما فيما يتعلق بتنزيل التوصية الثامنة و الثلاثون (38) المتعلقة بالمساعدة القانونية المتبادلة التي سبق لرئاسة النيابة العامة أن أصدرت بشأنها الدورية عدد 15/ ر ن ع /س 2023 بتاريخ فاتح غشت 2023، حثت من خلالها النيابات العامة على وجوب التنفيذ الأمثل للتدابير والإجراءات ذات الصلة بالتعاون القضائي الدولي في مجال مكافحة غسل الأموال و الجرائم الأصلية و تمويل الإرهاب من خلال ضرورة تنسيق إجراءات الحجز و التجميد و المصادرة مع السلطات الأجنبية و التفاعل الفوري مع الطلبات المقدمة من طرفها بهذا الخصوص ، و السهر على التفاعل مع طلبات تبادل المعلومات بشأن المستفيدين الفعليين.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب


انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية