ألهذا فكر « البيجيدي » في تقليص مشاركته في الانتخابات التشريعية؟

ليس هناك سبب واضح ومقنع يدفع حزب العدالة والتنمية للتفكير في تقليص مشاركته في الانتخابات التشريعية المقبلة.

إذا كانت قيادة الحزب تعاتب الأحزاب التي طالبت باعتماد الأصوات المعبر عنها بدل الأصوات الصحيحة في احتساب المقاعد في الانتخابات التشريعية المقبلة، باعتباره تراجعا عن المكتسبات الديمقراطية المحققة، فإن التفكير أيضا في تقليص المشاركة قد يعد بدوره مسا بالخيار الديمقراطي المؤكد دستوريا.

وليس هناك حزب يفكر في تقليص مشاركته في كل الاستحقاقات الانتخابية إلا لسببين: إذا كانت البلاد تمر من ظروف سياسية أو مجتمعية تستدعي ذلك، أو كانت له رسائل سياسية يريد إيصالها لمن يعنيه الأمر.

ومادامت الظروف العامة التي تمر منها البلاد لا تشبه إطلاقا ما حدث بعد الأحداث الأليمة للسادس عشر من ماي 2003، حينما قرر الحزب تقليص مشاركته للأسباب التي أصبحت معروفة، فإن السؤال ذاته سيظل بدون جواب، على الأقل بالنسبة للحزب ذاته.

وإذا كانت السياسة هي فن تدبير الممكن، فإنها أيضا إشارات ورسائل، والتفكير في تقليص المشاركة في الانتخابات التشريعية وليس في استحقاق عادي، لا بد أن تكون له أسبابه، مثل الدخان الذي لا يمكن أن يكون بدون نار.

وإذا زدنا على هذا التقدير الأولي، أن موضوع تقليص المشاركة ورد من طرف بعض القيادات، وإن بشكل محتشم ومحددو، وطُوي أيضا وبسرعة، فإن التفسير الذي قد يكون وراء هذا القرار، يكمن في وضعية الحزب بعد عقد من تدبير الشأن العام.

منذ عشر سنوات خلت، يحس حزب العدالة والتنمية أنه موضوع جدال بين الأحزاب السياسية، وحتى وإن قاد الحكومة لولايتين متتاليتين، فإنه ظل مثار نزاعات وخلافات بين أكثر من مكون من مكونات الأغلبية، فضلا عن اعتراض أحزاب المعارضة على طريقة تدبيره لعدد من القضايا الاستراتيجية.

والصورة التي ظهر بها الحزب خلال تسييره الحكومة، على الأقل في ولاية سعد الدين العثماني، تعطي الانطباع أنه حزب كباقي الأحزاب، ولربما أقلها تأثيرا في اتخاذ القرارات الكبرى، حتى وإن كان الحزب الأغلبي، ولذلك كانت سهام الانتقادات تخرج قوية من هذا الحزب أو ذاك، من الأغلبية ومن المعارضة، وحتى من عدد من الفاعلين في المجتمع المدني، وكل ذلك لا بد وأن يترك أثرا على وزنه السياسي وقوة شعبيته.

لا يبدو حزب العدالة والتنمية قائدا لأغلبية، وإنما قائدا لأغلبية بمكونات لا تسايره في كل أفكاره واستراتيجيته، ويبدو لعدد من قادة الحزب أن تكلفة إدارة الشأن العام أكثر من فوزه في الانتخابات وقيادة الحكومة، وليس اعتباطيا أن يعود الحزب بعد كل هذه الفترة ليوثق هذا الإحساس في آخر بلاغ للأمانة العامة للحزب، حينما طالبت باحترام المسار الديمقراطي، وانتخاب أغلبية متماسكة ومتضامنة.

وإذا أضيف إلى هذه التقديرات، خفوت صوت الحزب بالمقارنة مع الفترة التي كان يتولي فيها عبد الإله بنكيران الأمانة العامة للحزب ورئاسة الحكومة، حيث كان يلبس جلباب قائد للأغلبية من الاثنين إلى الجمعة، إلى معارض لها في نهاية الأسبوع، قد تكون مثل هاته المعطيات وراء فسح المجال إلى شرعيات سياسية أخرى للمشاركة الواضحة والعملية في تدبير الشأن العام.

ظهوره كحزب “مهيمن” وتعثر علاقاته مع الفاعلين السياسيين الأساسيين، على الأقل في الحكومة الحالية، فضلا عن تحميل المعارضة للحزب مسؤوليته في قرارات مصيرية، قد تكون وراء تفكيره في التراجع قليلا إلى الوراء.

ويمكن أن نعثر على مثل هاته العناصر في المذكرة التي طالب أصحابها بعقد مؤتمر وطني تمهيدا لعودة بنكيران إلى الأمانة العامة، على الرغم من أن هذا الأخير أسر لمقربين منه أنه غير معني بالمبادرة ولا يقف وراءها ولا أمامها، خاصة حينما تتحدث عن استنزاف الرصيد الوطني والنضالي للحزب في المرحلة الأخيرة، والمقصود بها مرحلة ما بعد عبد الإله بنكيران: «  … لقد كان ضروريا الدفع بهذه المبادرة في هذه المرحلة التي ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل الحزب، فالحذر كل الحذر من إدراجه في نادي الأحزاب الإدارية في حالة استمرار استنزاف ما تبقى من رصيده الوطني والنضالي، كما وقع لبقية الأحزاب الوطنية التي تم ابتلاعها من طرف إدارة الدولة مما أدى إلى فقدانها استقلاليتها ووطنيتها ».

وإذا جاز الاختلاف في التقدير السياسي لأصحاب المبادرة، حول ابتلاع الحزب من طرف إدارة الدولة، وفقدان استقلاليته ووطنيته، فإن الشعور باستمرار ظهور الحزب « حزبا مهيمنا »، يعطي الانطباع بعد ولايتين متتاليتين في قيادة الحكومة، من كونه يتحمل كل النتائج المحققة، السلبية منها قبل الإيجابية، على الأقل لدى القيادات التي فكرت في تقليص مشاركته في الانتخابات.

تقليص المشاركة إلى الحد الذي يضمن الحصول على المرتبة الأولى، حفاظا على كرسي رئاسة الحكومة، لا يعني والحالة هاته إلا فسح المجال لشرعيات حزبية في الانتخابات المقبلة، تتقاسم والحزب تدبير مرحلة الخمس سنوات المقبلة، المليئة بكثر من الرهانات والتحديات بسبب جائحة « كورونا » وبدونها.

Related Post