لماذا يجب تحصين المقررات من الدارجة؟
ليس من العقل إدراج العامية (الدارجة) في المقررات التعليمية، لأنها ببساطة لغة مختزلة في عدد يسير من الكلمات لتيسيير التواصل اليومي بين جميع فئات المجتمع. فالدارجة أخذت وماتزال تأخذ من الفصحى كلمات دون اشتقاقاتها الكثيرة، على سبيل المثال «نشَر» التي تستعمل فقط للإشارة الى نشر الغسيل دون باقي السياقات مثل نشر الخشب، نشر الكتاب، نشر الخبر، نشر الرائحة، نشرت الريح…
وبقدر ما نهلت الدارجة من معين الفصحى، فإنها أيضا حرفت الكثير من المعاني، مثل كلمة «خسر» التي تستعمل في غير محلها، فيقال مثلا «لبن خسر» بدل «فسد اللبن»، و«خسر500 درهم ف السوق» عوض «صرف 500 درهم في السوق». وهناك أيضا كلمة «لاح» التي تعني في الدارجة رمى بينما في الأصل الفصيح فيراد بها «بدا» و«ظهر»، وكذلك «ناشط» التي تعني في العامية «مسرور» وفي الفصحى «حيوي» (نشيط)…
وتأتي الدارجة أيضا بمصطلحات ذات علاقة مبهمة بين الدال والمدلول، ومثال ذلك كلمة «قادوس» (مصطلح فصيح) عوض «بالوعة» وهي صيغة مبالغة من «بلع» بمعنى كثيرة البلع، بؤرة تبلع الماء باستمرار، وبالتالي نقف هنا على معطى مهم في بناء فكر الطفل الذي يستوعب بسهولة وبوضوح المصطلحات التي يرتبط فيها الدال والمدلول بعلاقة منطقية واضحة وصريحة.
ومن عوائق استعمال الدارجة في التدريس أيضا تبنيها لمصطلحات كثيرة من الفصحى تستعمل في سياق محدد ودقيق واعتمادها لتعميم المفهوم الذي يكون جزئيا في الأصل. فكلمة «شارف» تعني في الدارجة «المُسِن» وفي أصلها الفصيح تقتصر من هذا المعنى على وصف الناقة الهرِمة. وهذه مناسبة لإبراز الثراء الكبير الذي يميز الفصحى، حيث نقول «رجل هرم أو عجوز أو مُسن»، «سيارة قديمة»، «مدينة أو خمر عتيقة»، «ناقة شارفة»، «قميص بالي»، «عهد غابر أو بائد»، بينما يقال في الانجليزية مثلا: “old car” ،”old/aged man” ،”ancient times”.
هذه إذا بعض الأمثلة على صلاحية الدارجة للتواصل اليومي بين العامل البسيط والمثقف والطفل وأهله… وذلك على الرغم من افتقارها إلى المفاهيم الدقيقة والقواعد الرصينة. إلا أن استعمالها في التدريس هو بمثابة مشروع لهدم الفكر والبحث العلمي خاصة في سياق بات فيه التحصيل العلمي مُعرضا لمنافسة شديدة من الاستعمال المفرط لوسائل التكنولوجيا الحديثة. فهل من المنطقي مثلا أن نلقن الطفل كلمة «شارف» بمعنى «مُسِن» ونترك كل تلك المصطلحات الدقيقة التي تسعفه لفهم السياقات المختلفة بشكل أوضح وتمكنه من تفادي الوقوع في التكرار، وهي كما سلف: «هَرِم»، «عجوز»، «مُسِن»، «قديم»، «بالي»، «عتيق»، «غابر»، «بائد»…
ولعل التفكير في تحديث الدارجة وتدعيمها وإصلاح بعض مصطلحاتها يكون أكثر إفادة من الجدل العقيم بخصوص اعتماد الدارجة في التدريس. وهذا التحديث والإثراء للعامية من الفصحى من أجل سد ثغرات اصطلاحية كثيرة مرده إلى تقلص الأمية منذ الاستقلال، كما يرجع الفضل فيه أيضا إلى الدور الفاعل للإعلام في تعميم مصطلحات فصيحة مثل استثمر، احتكر، اجتهد، تفاعل، تقمص، اعتمد، استنتج… وليس من العيب في شيء آن يُعمَدَ إلى تحسين بعض الألفاظ مثل «ونامس» وأصلها «أول أمس»، «لاروب» وأصلها «إلا ربع»، «عقوبة» وأصلها «العُقبى»… وهذا المنهج دأبت عليه معظم اللغات الحية، وأبرزها الإنجليزية والفرنسية اللتين خضعتا لعملية تنقيح وتحديث هامتين خلال القرون الماضية.
حسن منياني