وديع تاويل يكتب: ملف الصحراء.. المسؤولية الأممية ثابثة والخيار العسكري ليس ضروريا

 

تعرف قضية الصحراء، تطورات مثيرة، مع إقتراب موعد أبريل السنوي، والذي يعرف تقديم تقريرا من قبل الأمين العام للأمم المتحدة أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، حيث يتم تقييم الوضع بالمنطقة على أساس إحاطات مرفوعة من قبل المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي للصحراء. هذا الموعد السنوي يجعل أطراف النزاع الإقليمي المفتعل في حالة إستنفار دبلوماسية قصوى، خصوصا وأن كل من جانبه يحاول أن يكسب ود التقرير السنوي، لكن في الآونة الأخيرة وخصوصا بعد تاريخ 13 أبريل 2007 أصبحنا نعيش على وقع تطورات مثيرة خلال شهري فبراير ومارس، لاسيما ميدانيا، وهو ما قد يؤثر على مسلسل الحل السياسي للنزاع، والذي يفرض نفسه بقوة.

– إستفزازات البوليساريو المتكررة

منذ تقديم المقترح المغربي للحكم الذاتي، والذي يعتبره المغرب وكذلك المنتظم الدولي، حلا معقولا وجديا للنزاع، تحركت الآلة الإنفصالية، حيث تحاول إستفزاز المغربي ميدانيا، في ظل صمت الجار الجزائر، والتي تعد طرفا في النزاع رغم عدم إعترافها بذلك، لكن والواضح، أنها الممول والداعم الرسمي لجبهة البوليساريو الإنفصالية. فجميعنا نتذكر، زيارة الأمين العام السابق بانكيمون إلى منطقة بير لحلو العازلة، والتي كانت سابقة، وما خلفته من تداعيات كبيرة، وليست المرة الأولى التي تعرف القضية تطورات مثيرة، بل نتذكر أيضا محاولة توسيع صلاحيات المينورسو حتى تشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، وهذا ما يشكل بالأساس إعتداء على السيادة المغربية، كل هذه المحاولات والتي باءت بالفشل، كانت صنيعة البوليساريو، حيث عبر المغرب رسميا وفِي مرات متعددة، انحياز المبعوث الأممي السابق كريستوف روس، في تنافي مع مهامه التي يفترض أن يكون الحياد أساس لها في نزاع يعود إلى سنة 1975.

هذه المرة، وعلى خلاف السابق، وصلت حدة الإستفزازات إلى درجة أكبر، حيث حاولت البوليساريو إقتحام المنطقة العازلة سواء بالمحبس، تفاريتي وبير لحلو، حيث تبين صور الأقمار الإصطناعية، بنايات كانت معدة لتشييد مناطق إدارية وعسكرية، بل نية الجبهة كانت تتجه نحو إعلان المنطقة العازلة، مناطق محررة، وبالتالي إقامة دولة وهمية، والصواب، أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أو حال من الأحوال، تغيير الوضع التاريخي والقانوني لتلك المناطق والتي كانت جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي، إلا أنه وفِي إطار سعي المغرب إلى المشاركة الإيجابية في مسلسل السلام، قامت بتسليم تلك المناطق إلى الأمم المتحدة، لتعلنها مناطق عازلة تحت إدارة أممية، من أجل تدبير مرحلة ما يعرف بوقف إطلاق النار، بعد قرار مجلس الأمن الدولي في بداية التسعينيات من القرن الماضي.

وتعد هذه التحركات بالمنطقة، إستفزازات خطيرة ومشينة، منافية لمبادئ القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة، مما وجب تحرك الآلة الدبلوماسية المغربية، وتحذير الأمم المتحدة بصفتها المشرف الوحيد على مسلسل حل النزاع الإقليمي.

– مسؤولية الأمم المتحدة

تعتبر هيئة الأمم المتحدة، المسؤول الوحيد عن هذا النزاع الإقليمي المفتعل، حيث وعبر مبعوث أمينها العام الشخصي، وكذلك بعثة المينورسو، تتحمل الهيئة الأممية، مسؤوليتها في الحرص على وقف إطلاق النار، تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي، وكذلك مختلف القرارات المتعاقبة، والتي تخص ملف الصحراء. ورغم أن التقارير السنوية الصادرة عن الأمانة العامة للأمم المتحدة، تشيد بدور المغرب الفعّال، وتؤكد على ضرورة وجود حل سياسي، إلا أنها تتجاوز مبادئ اللباقة الدبلوماسية، من خلال تصرفات مشينة، فبعد ما كانت تعانيه المملكة المغربية، جراء تصرفات الأمين العام السابق، ومبعوثه الشخصي، والذي أبان عن ضعف منهجيته وغياب خريطة طريق واضحة، في مسلسل حل النزاع، أصبحت اليوم الأمم المتحدة، عاجزة عن تحمل مسؤولياتها السياسية والدبلوماسية، في هذا الملف، حيث أكدت عبر مسؤول لها، عدم وجود أي تحركات للبوليساريو، وهذا يعتبر طمس للحقائق لغرض في نفس يعقوب، فالأمم المتحدة لا تتحمل مسؤوليتها سواء بتدخلها الميداني لمنع أي ولوج للمنطقة العازلة والتي تعتبر تحت تصرفها، وكذلك بتصريحات بعيدة عن المنطق والواقع، وهو ما يطرح دائما إشكالية مدى حياد الأمم المتحدة في الملف، كما أنها لا تتحمل المسؤولية اللازمة، في مسألة كونها المشرف الوحيد عن الملف، وتترك هيئات إقليمية وجهوية مثل الإتحاد الإفريقي والبرلمان الأوروبي يتدخلان على حد سواء، في الموضوع، وكلنا نعرف اللوبيات التي تشغل بالجهازين ومدى تأثيرهما على مسلسل حل هذا النزاع الإقليمي.

– التقرير الأممي الأخير

من بين النقط التي ربحها المغرب في نزاعه هي تقرير الأمين العام للأمم المتحدة والذي صدر مؤخرا، في إنتظار عرضه أمام أنظار مجلس الأمن الدولي أواخر الشهر الحالي، حيث أن التقرير ذكر بدور المغرب الفعّال في إحياء مسلسل حل النزاع من جديد، وهو ما يفند الأطروحات الداعية برفض المغرب لهذا المنطق، على إعتبار أن المغرب ألح على عقد إجتماع مع كوهلر بمدينة لشبونة، وهذا في نظري الصواب، حيث أن المفاوضات الغير مباشرة والتي كانت تدفع بعقدها البوليساريو، لم تنجح سابقا بمجرد تذكرنا المفاوضات واللقاءات الطويلة التي كانت تعقد بمانهاطن ضواحي نيويورك. حيث أن مختلف التقارير الأممية الصادرة، كانت تؤكد على الإستفادة الإجابية من التجارب السابقة، وهو ما حاول القيام به المغرب. كما أن هذا التقرير لم يشير إلى قرار محكمة العدل للإتحاد الأوروبي، ولم يتحدث عن الثروات الطبيعية بالمنطقة بل أكد على وجود مشاريع تنموية في إشارة منه لبرنامج تنمية أقاليم الجنوب والذي أطلق سنة 2015 وكذلك مخطط تنمية جهة الداخلة وادي الذهب والذي أطلق سنة 2016، وكذلك ورش الجهوية الموسعة من خلال إقامة إنتخابات جماعية وجهوية سنة 2015 في ظل دستور جديد وقوانين تنظيمية تعطي لمجالس الجماعات الترابية صلاحيات واسعة في التدبير الجماعي، وتؤطر علاقة السلطة المركزية (الوالي أو العامل) برؤساء مجالس الجماعات الترابية، في تمهيد لمخطط الحكم الذاتي والذي يدافع عنه المغرب، ويعتبره حلا وحيدا للنزاع الإقليمي. وفِي هذا الصدد، أشار التقرير الأممي إلى أن الحل السياسي هو المطروح بحدة، وفِي ظل سيادة كاملة للمغرب وهو ما يتماشى مع خطاب الملك بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، هذا يشكل محطة جديدة في علاقة المغرب بالأمانة العامة للأمم المتحدة، والتي ستعرف لا محال مراحل متميزة، بخلاف السابق، في عهد بانكيمون ومبعوثه روس.

التقرير الأممي، كان في صالح المغرب، وكذب روايات تدفع بها جبهة البوليساريو من أجل التأثير على مسار حل النزاع، بمساعدة الجزائر، والتي أكد بخصوصها التقرير على كونها طرف أساسي، رغم رفضها لهذا الوصف، لكن التقرير والذي أوصى بتمديد مدة إقامة المينورسو سنة واحدة في توصية إعتدنا عليها، لم يشير إلى ضرورة إحصاء ساكنة مخيمات تندوف، فضلا عن موضوع المساعدات الإنسانية، المقدمة من قبل المفوضية السامية للاجئين والتي تعرف تلاعبات مثيرة.

– الحل السياسي أم الحل العسكري

خلال الإجتماع البرلماني الذي عقد يوم الأحد الماضي، بحضور وزير الخارجية وكذلك الداخلية، تمت الإشارة إلى كون جميع الحلول والخيارات ممكنة، بما فيها الحل العسكري، وفِي الوقت الذي كان أعضاء البرلمان يناقشون بحشو وإطناب القضية الوطنية، في أول تحرك دبلوماسي بعد إعلان هذه الإستفزازات الميدانية، أكدت مصادر بأن هناك تحركات أمنية وعسكرية بالمنطقة، وهذا ما يفسر كذلك حضور وزير الداخلية والذي كان عادة يغيب عن مثل هذه الإجتماعات البرلمانية، بل حضر كذلك خلال لقاء أمناء الأحزاب السياسية، وحضر وزيره المنتدب في لقاء زعماء الأحزاب السياسية الغير ممثلة بالبرلمان والمركزيات النقابية.

إذا كان المغرب يحاول الدفع في أطروحته بالحل السياسي (مقترح الحكم الذاتي) ويدعم مسلسل هذا الحل في إطار السيادة المغربية الكاملة، وهو من قدم هذا المقترح، والذي حصل على الإجماع والإشادة بما فيها مصر (خلال لقاء الرئيس السيسي برئيس مجلس النواب) والتي كان موقفها يعرف ضبابية، فإن إدعاء الحل العسكري من قبل المغرب في حال جمود أممي، يبقى إرهاصات دبلوماسية، ومجرد تهديد فقط، فالحرب العسكرية لا يمكن أن يرحب بها المغرب ولو وصلت الإستفزازات إلى حدها الأقصى، حيث أن المغرب والذي تبنى خيار العمق الإفريقي في شق أساسي من سياسته الخارجية، وإحتضن مسلسل حل النزاع الليبي بالصخيرات، ورئاسته للجنة القدس داخل منظمة التعاون الإسلامي، وظل دائما الوسيط في عدد من النزاعات سواء في مرحلة حكم الراحل الحسن الثاني، أو حاليا، لا يمكنه أن يلجأ إلى الحرب من أجل إعادة الأمور لنصابها، فالمغرب الذي مكن أرضا من ترابه الوطني للأمم المتحدة سنة 1991 من أجل السهر على تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي، لا يمكنه أن يكون متناقضا مع توجهه الدبلوماسي والسياسي والذي يَصب إلى السلم، سواء من خلال إقتراحه لحل سياسي عِوَض عسكري في بداية الأمر، أو مختلف مواقفه الرسمية والشبه رسمية والتي تؤكد في جميع مضامينها على ضرورة حل النزاع المفتعل سياسيا وليس عسكريا، رغم توفره وتوفر حلفائه الإستراتيجيين والشركاء على عتاد عسكري قوي.

– الحلول الراهنة والوضع ما بعد 28 أبريل

إذا كان خيار اللجوء إلى التدخل العسكري إلى «تحرير» إن صح التعبير، المنطقة العازلة والتي لا يمكن أن يتغير وضعها القانوني والتاريخي، خيارا مستبعدا، فإن هناك عدد من الحلول والتي تبقى سياسية، حيث أنه ومن المفروض أولا إحاطة المنتظم الدولي والأمم المتحدة بكل الوقائع والحقائق من خلال ما يفيد بذلك، وحشد دعم الشركاء والدول الصديقة والتي عبرت في كل المناسبات الرسمية والغير رسمية، عن موقفها الواضح تجاه الصحراء، حتى تكون الصورة واضحة بشأن الملف، وعدم الإكتفاء بروباغاندا الخصوم. كما أن هذه الأزمة لها علاقة بقرار وقف إطلاق النار لسنة 1991، حيث أنه يجب الإتصال بالدبلوماسيتين الفرنسية والأمريكية، باعتبارهما صناع أساسيين لهذا القرار بين سنتي 1985 و 1991. كل هذه الإجراءات الدبلوماسية الأولية، كانت هي الخطوات التي إتخدتها الخارجية المغربية، لكن تبقى تقوية الجبهة الداخلية، من خلال التعبير عن موقع واحد تجاه ما يقع، سواء من طرف التعبيرات السياسية والمدنية، أو عموم المواطنات والمواطنين، لأن هناك دبلوماسية رسمية، وأخرى عمومية، يمكن لأي مواطنة ومواطن ومن مختلف المواقع، أن يعبروا عن موقفهم من كل تطورات القضية الوطنية، وهذا يدخل ضمن حس المواطنة الفعالة، كما عاهدنا ذلك في الشعب المغربي خلال أزمات سابقة لها علاقة بملف الصحراء.

إذا كان التقرير الأممي يَصب بشكل ضمني في صالح المغرب، فإن تقوية العلاقات مع الدول الأعضاء الغير دائمة بمجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة، يبقى خيارا أساسيا، خصوصا دول أمريكا اللاتينية، والمعروفة بمواقفها تجاه الملف، فالدبلوماسية المغربية الرسمية وكذلك البرلمانية مطالبة بعد موعد 28 أبريل بتقوية علاقاتها مع الدول أعضاء مجلس الأمن الدولي، ومدها بمختلف المعلومات والمعطيات وشرح المواقف سواء من خلال زيارات متبادلة أو ندوات علمية وأكاديمية كما حدث مؤخرا بالأرجنتين، لأن صداقة وشراكة مع الدول الأعضاء الغير دائمة، ستعطي أكلها، وربما تؤثر على الأقل في عدد من الأمور داخل طاولة مجلس الأمن الدولي، في ظل تشبث الدول الدائمة بموقفها الرامي إلى دعم الحل السياسي بالمنطقة.

وعندما أقصد الدول الغير دائمة العضوية، فأن هناك بالأساس بوليفيا، كازاخستان، البيرو والتي ترأس المجلس لهذا الشهر، هذه الدول يجب تقوية الزيارات الدبلوماسية والعلاقات، حتى تكون سندا للمغرب داخل أروقة مجلس الأمن الدولي، وجميع الدول الأعضاء خصوصا تلك التي تنتهي مدة ولايتها سنة 2019، فضلا عن حسن إختيار أعضاء السلك الدبلوماسي في هذه الدول، حتى يكون هؤلاء سفراء فاعلين في قضية الصحراء.

وعليه فإن تجنب مثل هذه الأزمات، والتي أصبحت تتكرر بشكل سنوي مع إقتراب شهر أبريل، يحتم على المغرب من جهة أن يبقى مراقبا لكل التطورات، ويستمر التنسيق مع المينورسو بشكل أكبر، سواء من خلال المديرية بوزارة الداخلية، والمصالح المركزية لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ويحيط الرأي العام الوطني والدولي بمختلف المستجدات، وأن يقدم إحاطات بشكل دوري للأمم المتحدة سواء الأمانة العامة أو المبعوث الشخصي، حول الملف، وكذلك الدول الأعضاء بمجلس الأمن الدولي، عبر البعثة المغربية الدائمة بالأمم المتحدة، وعبر البعثات والتمثيليات الدبلوماسية بهذه الدول، وكذلك بالدول الصديقة والشقيقة والتي تشغل منصب العضوية الغير دائمة مثل مصر والكوت ديفوار وإثيوبيا على سبيل المثال وليس الحصر. هذا النظام الخاص بالتتبع والمراقبة والسهر وتقوية العلاقات الدبلوماسية وكذلك الحضور الدبلوماسي بالخارج والتعاون مع الأمم المتحدة، سيجعل المغرب في وضعية مريحة سواء خلال المرحلة العادية للملف أو عند حدوث أي تطورات جديدة. فالصحراء جزء لا يتجزأ من التراب المغربي، والتحرك الدبلوماسي والشعبي واجب في كل زمان ومكان، لأن الملف هو قضيتنا الأولى وطنيا، والدفاع عنها والتعبير عن مواقفنا بشأنها، يبقى ضرورة ملحة ومستمرة، وواجبا وطنيا، مهما كانت المواقع والمسؤوليات مختلفة.

 

 


انخفاض أسعار اللحوم الحمراء المستوردة ومهني يوضح لـ “سيت أنفو”

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى