محمد لعرج يكتب: تحليل سوسيولوجي لأسباب إرتفاع العنوسة

كشفت مؤسسة “فاميلي أوبتيميز” المتخصصة في بحوث الاسرة والحياة الزوجية، عن نسبة التأخر في الزواج بالمغرب، التي بلغت 60 في المائة، حيث تضاعفت نسبة النساء غير المتزوجات بنحو 4.6 في المائة، فوصل العدد، حسب المصدر نفسه، إلى 8 ملايين امرأة، في حين تضاعفت نسبة الرجال غير المتزوجين بنحو 2.6 في المائة.

معطيات وأخرى تكشف بالملموس تأزم وضع الأسرة والعائلة المغربية، أو بالأحرى صعوبة تكوينها، نظرا لما يعرف المجتمع المغربي من تحولات على مستوى العائلة، التي اعتبرها أوكست كونت، أحد العلماء الأوائل في السوسيولوجيا، إنها “الخلية الأولى في جسم المجتمع، وأنها النقطة الأولى التي يبدأ منها التطور وأنها الوسط الطبيعي الاجتماعي الذي ترعرع فيه الفرد.”

وأوردت المعطيات المضمنة في الدراسة ذاتها أن نسبة الرجال غير المتزوجين تضاعفت بنحو 2.6 في المائة، هنا يمكن القول أن الشباب المغاربة ليسوا مخيرين أمام هذا التأخرعن الزواج أو الامتناع عنه عند البعض، بل هو نتجة و تطورات وتحولات عرفتها الأسرة المغربية ، جاءت مع بداية القرن الحادي والعشرين، والتي صاحبتها تغيرات عرفها العالم برمته، من تطور تكنولوجي وسياسي وثقافي، تغيرات تمركزت بالأساس على مستوى البنية و القيم .

الاسرة المغربية العريقة بتاريخها وأمجادها وتنوعها الثقافي ” الامازيغية منها والعربية والحسانية ” عرفت تغيرات على مستوى الشكل والمضمون، فالمعروف في مجتمعنا المغربي هي الاسرة الممتدة ” العائلة الممتدة”، وهي الأسرة التي تقوم على عدة وحدات أسرية تجمعها الإقامة المشتركة والقرابة الدموية، مركبة تضم الأجداد والزوجين والأبناء وزوجاتهم والأحفاد والأصهار والأعمام، وهي تعتبر وحدة اجتماعية مستمرة لما لا نهاية حيث تتكون من 3 أجيال وأكثر، وتتسم بمراقبة أنماط سلوك أفراد الأسرة والتزامهم بالقيم الثقافية للمجتمع، وتعد وحدة اقتصادية متعاونة يرأسها مؤسس الأسرة، الذي تتمركز في يده السلطة ويكون إما الجد أو الابن الاكبر، تحت إسم ” ولاد فلان”.

بدأت الاسرة التقليدية في التفكك والتلاشي ليس فقط داخل المدينة بل حتى في البوادي، بحيث أضحت ظاهرة نخرت كل أجزاء المجتمع المغربي، وأهم هذه التغيرات التي طرأت على بنية الأسرة المغربية بالأساس : -التغير في حجمها ونمط بنائها، وأصبحت أسرة نووية” – تغير الخصائص الاجتماعية لأعضائها – التغير في الأدوار الاجتماعية لهؤلاء الأعضاء على مستوى الأسرة وعلى مستوى المجتمع.

إن العوامل الاقتصادية الصعبة، وتدخل عوامل سياسية أدى بشكل كبير، إلى ارتفاع تجاوز النمط الاسري التقليدي داخل المجتمع المغربي، بحيث أن تقليص أفراد الاسرة راجع بالأساس إلى إرادة سياسية كانت تشكل وتتحكم في السلوك الانجابي للأفراد وتعود هذه النظرية إلى “ميشيل فوكو” في كتابه ” تاريخ الجنسانية ” الذي قال فيه أن” كل دولة تأسس للأسرة التي تريدها، وتستعمل أجهزتها الإيديولوجيا (الفن، والرياضة، والاعلام) من اجل تكريس صورة معينة للأسرة”.

وقد أشارت الدراسة الصادرة عن مؤسسة “فاميلي أوبتيمر” إلى أن سن الزواج في المغرب انتقل إلى 28 سنة لدى الفتيات، و27 سنة بالنسبة إلى الرجال، وأضافت أن المغرب يحتل مراتب متقدمة في نسبة التأخر في الزواج، بعد لبنان والعراق وتونس، وأشارت إلى أن المغرب يحتل المراتب الأولى في نسبة الطلاق، حيث بلغت فيه النسبة 40 في المائة.

وتأخير سن الزواج جاء بسبب ارتفاع معايير الزوج والزوجة عند الشباب المغربي ( البحث عن الشخص المثالي )، وفكرة الأسرة في حد ذاتها، تمثلها المجتمع المغربي (ذكورا واناثا) كمؤسسة اجتماعية تتجه نحو النووية، ترتبط اساسا بالاستقلالية المادية والمكانية ( المنزل)، ظنا أنه كلما كانت الأسرة صغيرة كلما كانت نسبة النجاح كبيرة، والطفل أصبح داخل الأسرة المغربية جزءا من التكاليف لم يعد مصدرا اقتصاديا بل تتوجه إليه جميع الموارد الاقتصادية، إضافة إلى هذه الاسباب نجد كذلك أن ازدياد وتيرة التمدين ساهم بشكل كبير في تغيرات التي صاحبت الأسرة المغربية.

كل هذه العوامل وغيرها ساهمت في تغيير منظومة القيم التي يحملها الأفراد الذين عايشوا هذه التحولات، مما أفرز نموذجا جديدا من الأسر يطلق عليها “الأسرة النووية” والتي تتكون من أب وأم وابن أو عدة أبناء غير متزوجين، والتي تشكل اليوم أكثر من 60 % من مجموع الأسر المغربية (حسب الإسقاطات الديمغرافية التي يقوم بها مركز الدراسات والأبحاث الديمغرافية.

ويمكن إرجاع كذلك ارتفاع نسبة العنوسة في صفوف النساء بعيدا عن تغير الأنماط الأجتماعية للأسرة، إلى خروج المرأة للعمل، إذ يشير تقرير أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سنة 2016، حول ” المساواة بين النساء والرجال، – الجانب الاجتماعي-” إلا أن النساء يمثلن 52,8 في المئة من العمال والمستخدمين في المغرب، لكن حضورهن يظل حسب التقرير، منحصرا بصورة قوية في القطاعات التي تعرف تشغيلا هشا وظروف عمل صعبة للغاية، كالفلاحة والعمل المنزلي والنسيج، والاقتصاد الغير المنظم بصفة عامة


ظهور “نمر” يثير الاستنفار بطنجة ومصدر يوضح ويكشف معطيات جديدة

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى