رشا حلوة تكتب: كيف تغيّر الكورونا في حياتنا؟

نشر بالاتفاق مع DW

منذ انتشار فيروس كورونا في العالم أتابع الأخبار اليومية، بحكم مهنتي، والأهم بحكم كوني أعيش في هذا العالم. وكلما اقترب الفيروس من بلاد أعرفها، ومن أناس قريبين، يشتد الاهتمام مع الكثير من السيطرة على القلق والخوف، بلا استخدام آلية التجاهل، بالعكس، بل أحاول قدر المستطاع أن أتولى زمام الحذر في التعامل مع المشاعر، متمسكة بالقناعة أن القلق لا يحمينا من الأمراض.

أتواصل يومياً مع عائلتي والأصدقاء في بلادهم، وأسمع أخبار عائلات أخرى لأصدقاء نعيش سوية في نفس المدينة. مع ازدياد دائرة الانتشار، تأتي أسئلة أخرى، لربما أقسى وأكثر خوفاً، متعلقة بحجم توفير رعاية صحية للمرضى.

لم أعش أوبئة في حياتي، ولم أعلم من قبل كيف تتصرّف الناس في هذا الواقع الجديد المؤقت. هنالك تعليمات أساسية للحذر، أصبحت كالكتالوغ اليومي لنسبة كبيرة من سكان الأرض، التي ترتكز على الوقاية الفردية من الفيروس، ومن جهة أخرى تعليمات مفادها المحاولة قدر الإمكان لعدم نقل الفيروس إلى آخرين، فالحل اليوم هو الحدّ من انتشاره قدر المستطاع، ولهذا علينا تغيير أنماط حياة عديدة.

للأمانة، وقبل الإعلان عن مواقف رسمية ألمانية مؤخراً، لم أشعر، على الأقل شخصياً، “بكارثة” الوضع، فالحياة كانت مستمرة في المدينة التي أعيشها، برلين. مستمرة بمعنى أنه لا من إجراءات إغلاق أماكن عامّة أو عروض ثقافية وفنية. كل ما في الأمر أن غسيل الأيدي أصبح “أكثر من المعتاد”. لكن كل شيء تغيّر خلال اليومين الأخيرين، مع تصريحات المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، والبيانات الحكومية الرسمية، إغلاق المؤسسات الثقافية، وغيرها من التفاصيل، التي أخذت المدينة، وأنماط حياتنا، إلى مكان غير مألوف.

بشكل وبآخر، إن الظروف التي نعيشها اليوم في ظل الكورونا، أعادت الاعتبار إلى تصرفات تصب بالحماية الذاتية، بالنظافة، للبعض أخذته الظروف إلى التفكير بالأكل، أنواعه، العودة للخضروات والفاكهة أكثر. لكن أكثر ما يثير انتباهي، هو إعادة الاعتبار لشعور المسؤولية، هذا السؤال الذي يُطرح يومياً في علاقتنا مع “العالم الخارجي”، في الالتزام “بالحجر الصحي”، في عدم الذهاب لتجمعات كبيرة، البقاء أكثر في البيت، وهذه أداءات ليست بالضرورة أن تكون الاستجابة لها سهلة وسريعة، بما في ذلك من تحديات الاعتياد عليها.

بالأمس فقط، التقيت بعدد أكبر من الأصدقاء والصديقات الذين جميعنا، فضّلنا ألا نتصافح بالأيادي أو نحضن بعضنا البعض عند السلام، بالبداية كانت المواقف غريبة بعض الشيء، البعض حتى اعتقد أن الأمر “نكتة”، لكن مع تكرار “رفض المصافحة أو الحضن”، بدأ الأصدقاء “بالإبداع” في طرق السلام، حتى منهم من “ابتكر” رقصة سلام جديدة. وتحوّلت المواقف من غريبة، إلى خفيفة ظل ومضحكة أحياناً.

وهنا إضاءة أخرى، بعيدة عن مسألة كيف تغيّر الكورونا أنماط حياتنا، ألا وهو ارتفاع منسوب حسّ الفكاهة مع انتشار كورونا. بالتأكيد تخدم السخرية كآلية تخفيف وطأة القلق على النفس، لكن مبهر هذا الكم من “الحياة” وسط الرعب الذي ربما نتجاهل “عمقه”، في عصر كنا نعتقد أننا قادرين على التحكم “بكل شيء”، فجاءت الطبيعة، حتى بجزئها القاسي، وعلّمتنا درساً آخر وجديداً.

بالعودة إلى أنماط حياة “غير مألوفة”، وربط ذلك بعامل المسؤولية الأهم، من جهة، على مؤسسات الدول أن تأخذ إجراءات قدر الإمكان لحماية المواطن/ة من الفيروس متسارع الانتشار، على سبيل المثال، وكما يحدث في بلاد عديدة، إغلاق الفضاءات الثقافية والفنية، كالمتاحف مثلاً، أو منح مؤسسات لموظفيها بإمكانية العمل من البيت، بدلاً من القدوم إلى المكاتب، أو إغلاق المدارس، وغيرها من إجراءات ليست سهلة، لكن تحاول توفير حماية للناس، قدر الإمكان، والحدّ من انتشار الفيروس.

المسألة الثانية والذي تقع المسؤولية في إطارها، وكنت قد ذكرتها سريعاً من قبل، هي المسؤولية بأن أساهم أنا بدوري، كفرد، بالحدّ من انتشار الفيروس. يأتي هذا مع اتساع مساحة ما يُسمى بالتفكير بالآخر، غير المقطوع عن التفكير بالذات أيضاً.

في العصر الذي لا وقت للتفكير إلا بذواتنا، يأتي فيروس ليضيء من جديد على مشاعر إنسانية، كمنح الاعتبار للآخرين، لصحتهم وحياتهم، خاصّة في واقع يمسّ الكورونا فيه فئات عمرية أكثر من غيرها، أو ناس مع ظروف صحية خاصة، إلخ…

وبالتالي فإن البقاء في البيت وعدم الاختلاط مع مجموعات كبيرة، هو ليس فقط حماية لنفسي، بل لربما لوالدة شخص لا أعرفه، نلتقي أنا وهو بالصدفة في مكان واحد، الوالدة كبيرة بالسن، ومعرضة للخطر أكثر.

لم نفكر مع بداية العام أن الكورونا ستكون أكثر ما يشغلنا في الشهر الثالث من العام الجديد، وأكثر ما يخيفنا، مع العلم أن الحياة مليئة بأشياء مخيفة، لا تقل خطورة عن الفيروس. مع ذلك، أحاول استغلال هذه الفترة للتفكير بأمور حسبناها “مفهومة ضمناً”، ولم نمنحها المساحة التي تستحق، كما محاولة الإضاءة على مساحات إيجابية سندركها بعد أن تنتهي هذه الأزمة. على أمل أن يكون الإدراك فردي فقط، بل يصل إلى صنّاع القرار في هذا العالم، ويكون درساً نحو بناء عالم عادلاً وكريماً، فيه يشعر الإنسان بقيمة صحّته… وعندها، ستتغيّر حياتنا إلى الأفضل بالتأكيد.


أصوات من داخل مكتب ومنخرطي الرجاء ترفض التعاقد مع مدرب سابق للفريق

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى