نجيب الأضادي يكتب: المغرب الصاعد بين الذكاء الديبلوماسي و حماية الأمن الاقتصادي
نجيب الأضادي: باحث ومدون مستقل
منذ سقوط جدار برلين و هيمنة آليات اقتصاد السوق الليبرالي عبر العالم، بدأت العلاقات بين الدول و التكتلات الكبرى في اللعب على المكشوف و استغلال كل الإمكانات العلمية و البشرية و الوسائل التكنولوجية المتاحة من أجل ضمان مكان آمن وسط زحام العولمة و الانفلات من شرور التنافس الحاد و تداعيات الحروب الاقتصادية و المالية، التي أصبح عالم اليوم مسرحا لها. بل وصل الأمر حد الدخول في حروب ميكرو بيولوجية قاتلة كتلك التي نشهدها اليوم مع وباء كورونا.
وفي سياق إرادة التموقع والتأقلم مع المعطيات الجديدة و الصادمة التي يفرزها زمن العولمة يوميا من أزمات مالية و خراب إجتماعي، ظهرت مفاهيم و نظريات و تدابير جديدة تتوخى الحد من النتائج السلبية و الآثار الجانبية لمختلف التجاذبات والسباقات المحمومة بين الدول في سبيل البحث عن الموارد الأولية و الأسواق و الأرباح، حتى و لو تطلب ذلك نهج اسلوب الإخضاع و الإبتزاز و الضغوطات المتنوعة، خاصة اتجاه دول الجنوب التواقة إلى تحقيق نمو اقتصادي سيادي ومستقل نسبيا عن الميتروبول في الغرب. و من جملة هذه المفاهيم الجديدة نجد مفهوم الأمن الإقتصادي، الذي أصبح شرطا ملازما لكل السياسات الآقتصادية و التعاملات المالية، سواء الوطنية أو العابرة للحدود. و هذا معناه أن جميع الدول اليوم باتت تولي أهمية قصوى لحماية أنظمتها الإقتصادية و استثماراتها وأسواقها و حتى شركائها من كل أنواع التجسس الإقتصادي و التكنولوجي ، و جميع محاولات التخريب و التدمير و التنافس الغير مشروع.
و المغرب ليس في منآى عن مثل هذه النزاعات و التحرشات و الحروب التي تخاض ضد مصالحه الإقتصادية من طرف أكثر من جهة. و نحن نلاحظ أنه كلما أعلن المغرب عن بعض المشاريع التنموية العملاقة كتلك التي تؤهله لتحقيق سيادته الكاملة على الأرض و البحر و السماء داخل حدوده الحقة و ما تسمح به من استغلال للمؤهلات و تشييد بنيات تحتية و منصات تنموية دولية من مطارات و موانئ عملاقة في شمال البلاد و الأقاليم الجنوبية، أو كلما حقق بعض النجاحات الإقتصادية الواعدة في الطاقات المتجددة و في صناعة السيارات و الطيران و محطات تحلية مياه البحر و المجمعات الفلاحية العملاقة ، خاصة منها تلك التي تربط المغرب بالقارة الإفريقية أو الأوروبية كخط أنبوب الغاز القادم من نجيريا، ( كلما تحقق ذلك ) إلا وتتحرك الأطراف المنافسة أو اللوبيات المعادية و الضاغطة لإفشال جميع المشاريع التنموية الضخمة و الصفقات الإستثمارية والإتفاقيات التجارية…إلخ. و لنا في ذلك أمثلة كثيرة مما يعانيه المغرب في هذا الباب من محاولات الإبتزاز أو المقايضة بمصالحه العليا (من طرف بعض الدول الأوروبية خاصة ) او التحرش و اعتراض انضمامه لبعض التكتلات الاقتصادية كمجموعة سيدياو ،والمحاور التجارية الدولية كطريق الحرير مع الصين أو التضييق عليه في اعتزامه استغلال ثرواته البحرية العائمة كجبل تروبيك مثلا…إلخ.
لذلك، و أمام مختلف المخاطر التي تتهدد إقتصاد المغرب و علاقاته التجارية الدولية، و من أجل تحصين وحماية طموحه المشروع في احتلال مكانة بين الإقتصاديات الصاعدة في العالم، فإنه لا مفر له من حماية أمنه الإقتصادي من كل أشكال الإختراق و التخريب، و ذلك عبر:
-إعتماد سياسات إستباقية رادعة مبنية على عنصر المفاجئة في امتلاك المعلومة الإقتصادية و المالية، و النفاذ إلى مصادرها الأساسية.
– حماية الإستثمارات المغربية في الخارج و خاصة في إفريقيا، من مخاطر التنافس الغير المشروع و من الفساد و مختلف أشكال التلاعبات.
– اعتماد شرط الخبرة الإقتصادية و الإستشارة المالية في العمل الديبلوماسي في تعيين ملحقين خبراء و مختصين معتمدين لدى السفارات و والقنصليات بالخارج.
-اعادة هيكلة المصالح الإدارية بسفارات المملكة بالخارج في اتجاه التركيز على جلب الإستثمارات و استقطاب رؤوس أموال جديدة لضخها في الإقتصاد الوطني.
– اعتماد الذكاء الاقتصادي في التعامل مع الكفاءات المغربية عبر العالم باعتبارهم قوة إقتصادية و ثروة وطنية حقيقية.
إن الدول التي تشق طريقها نحو النجاح التنموي، لا تكف عن اتخاذ جميع الإحتياطات لحماية أمنها الاقتصادي و مصالحها عبر العالم. و لا يكفي لذلك أن يتم التعبير عن حسن النوايا، لأن الذكاء الديبلوماسي نفسه أعيد تعريفه ليصبح مشروطا بالذكاء الاقتصادي بالدرجة الأولى.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية