مدينةٌ بوجهين: سحر أكادير نهاراً.. رعب على أربع قوائم ليلاً !

“عيناها حمراوان تلمعان في الظلام، وفكّاها المفتوحان يكشفان عن أنياب مدببة تقطر لعاباً… كنت عائداً مع ابنتي الصغيرة من درس الدعم، حين ظهرت أمامنا مجموعة من الكلاب الضالة تسد الطريق. شعرت بيد ابنتي ترتعش في يدي، وتجمدنا في مكاننا. الثواني مرت كالساعات… صرخت بأعلى صوتي وأمسكت حجراً، فابتعدت قليلاً لكنها ظلت تحوم حولنا. كيف وصلنا إلى البيت؟ لا أدري، لكنني أعلم أن هذه اللحظات محفورة في ذاكرة طفلتي التي لم تعد تقبل الخروج من المنزل بعد غروب الشمس”.
المشهد البصري يتكرر بتفاصيل مختلفة لكن بنفس الرعب: أطفال يهرولون خوفاً عند سماع نباح بعيد، نساء يحملن عصياً أثناء سيرهن في الشوارع، رجال يضطرون للالتفاف مسافات طويلة لتجنب مناطق معروفة بتجمع الكلاب، وسياح يلتقطون صوراً للمناظر الخلابة نهاراً، ثم يحبسون أنفسهم في فنادقهم ليلاً.
في الوقت الذي تغرق فيه شمس أكادير في مياه المحيط الأطلسي، تاركةً خلفها أشعة برتقالية تتلاشى تدريجياً على رمال الشاطئ الذهبي، تبدأ معركة يومية صامتة بين سكان المدينة وغزاة الليل الجدد… قطعان الكلاب الضالة التي أحكمت سيطرتها على أرجاء نابضة من عروس سوس السياحية.
خريطة الرعب تتسع: من الأحياء الشعبية إلى القلب السياحي
تتشكل قطعان الكلاب الضالة في الأحياء الشعبية كتليلا والسلام وحتى من أنزا البعيدة، قبل أن تنطلق في رحلة ليلية نحو الشريط الساحلي بحثاً عن فضلات الطعام ومخلفات المطاعم السياحية. ومع حلول الظلام، تتحول بعض الشوارع والأزقة إلى مناطق محظورة غير معلنة.
في حي تيكوين الشعبي، تتسع دائرة المعاناة لتشمل الفئات الأكثر هشاشة. “أضطر لاصطحاب ابنتي إلى المدرسة يومياً، رغم أنها في الخامس الابتدائي. المسافة لا تتجاوز 300 متر، لكن الطريق محفوف بمخاطر الكلاب الضالة التي تنتشر خاصة في الصباح الباكر،” تشرح زينب، ربة بيت، وهي تلوح بعصا خشبية تصطحبها معها دائماً كوسيلة للدفاع عن النفس.
بارقة أمل وسط الظلام
وسط هذا الكابوس المستمر، تظهر بوادر حلول، وإن كانت بطيئة. تكشف جماعة أكادير عن تقدم ملحوظ في مشروع بناء ملجأ للكلاب والقطط الضالة، على مساحة تصل إلى 3941 متراً مربعاً ، بطاقة استيعابية تناهز ألف كلب ومئتي قطة.
كما صادق المجلس الجماعي مؤخراً على اتفاقية شراكة مع الجمعية المغربية لحماية الحيوانات (SARA)، مخصصاً مبلغ 800 ألف درهم سنوياً لتغطية تكاليف عمليات التعقيم والتلقيح والأدوية اللازمة للحيوانات.
وفي السخرية المرة التي يتقنها بعض المغاربة، يعلق أحد سكان حي تيليلا: “ربما يجب علينا نحن أن نبحث عن ملاجئ… فالكلاب ستبقى سيدة الشارع”.
وفي مفارقة تلخص المشهد، يعلق سائح فرنسي على تناقض صارخ: “جئت لأستمتع بجمال أكادير الذي رأيته في الإعلانات السياحية… لكنني فوجئت بأنني يجب أن أعود للفندق مع غروب الشمس! الكلاب الضالة تحول المدينة الجميلة نهاراً إلى مكان مخيف ليلاً.
“المضحك المبكي أن أكادير صارت مشهورة عالمياً بكلابها الضالة أكثر من شمسها الدافئة!” يقول مرشد سياحي شاب، بمرارة. “أحد السياح البريطانيين سألني مؤخراً: هل صحيح أن لديكم مشكلة مع الكلاب الضالة؟ ليس هذا ما نريد أن يتذكره زوارنا عن أكادير.
بين الوعود والواقع: أين الحل؟
يقف الدكتور مصطفى، خبير في الصحة العامة والبيئة، على الكورنيش متأملاً المشهد بعين الخبير: “المشكلة متشعبة ومتداخلة العناصر. تبدأ حلولها من حكامة جيدة في إدارة النفايات الحضرية، مروراً بتنزيل استراتيجية فعالة للتعقيم والتطعيم، وصولاً إلى تعزيز التنسيق بين مختلف المتدخلين”.
وأضاف قائلا: “الحل يكمن أيضاً في مقاربة شاملة تجمع بين التدخل الفوري لإزالة الخطر، والعمل الاستراتيجي طويل المدى الذي يقطع دورة تكاثر هذه الحيوانات، مع ضمان معاملتها بطرق إنسانية”.
الكورنيش المستباح.. كوابيس على رمال ذهبية!
عند انتصاف الليل، تبدو أكادير كمدينتين منفصلتين: واحدة داخل الفنادق الفخمة والفضاءات السياحية المؤمنة، وأخرى في الشوارع والأحياء التي تحكمها قوانين البقاء للأقوى. وبين هاتين المدينتين، تعيش أحلام السكان المعلقة بين واقع مرير وأمل مترنح بغد أفضل، حيث يمكن للأطفال اللعب بحرية، وللسياح التمتع بسحر الليل الأكاديري دون خوف من أنياب تتربص في الظلام.
ففي الوقت الذي تستعد فيه المدينة لاستقبال موسم سياحي جديد، يبقى السؤال ملحاً: هل ستنجح جهود الجماعة والمشاريع المعلنة لتطويق الظاهرة، في إعادة الأمان إلى شوارع أكادير، أم ستبقى المدينة الساحرة أسيرة كابوس ليلي لا ينتهي؟..
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب


انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية