مُعدٍ وقاتل.. الإبراهيمي يكشف للمغاربة خطورة داء السل وأعراضه وكيفية تشخيصه والوقاية منه
كشف البروفيسور عز الدين الإبراهيمي، مدير مختبر البيوتكنولوجيا الطبية في كلية الطب والصيدلة وعضو اللجنة العلمية الوطنية للتلقيح ضد كوفيد، معطيات هامة عن داء السل وتأثيره الكبير على الرئة وطرق انتقاله وأعراضه وكيفية تشخيصه والوقاية منه وعلاجه، وذلك تزامنا مع اليوم العالمي لمكافحة داء السل الذي يصادف يوم 24 مارس من كل سنة، ومع الأرقام التي أعلنت عنها وزارة الصحة قبل أيام، والمتمثلة في تسجيل المغرب لأزيد من 29 ألف حالة إصابة بداء السل سنويا، فيما فيما يصل عدد الوفيات إلى 3000، بنسبة 87 حالة لكل 100 ألف نسمة، حسب الجمعية الوطنية للتوعية ومحاربة داء السل.
وأوضح البرفيسور الإبراهيمي، في تدوينة طويله على حسابه بـ”الفايسبوك”، أن السُّلّ مرض معد شائع وقاتل في كثير من الحالات تُسببه سُلالات مُختلفة من المتفطّرات (جراثيم) وعادة المتفطّرة السلية، ويُهاجم السل عادة الرئة، ولكنه يُمكن أن يؤثر أيضًا على أجزاء أخرى من الجسم، وينتقل المرض عن طريق الهواء عند انتقال رذاذ لعاب الأفراد المُصابين بعدوى السل النشطة عن طريق السعال أو العطس.
وبحسب الإبراهيمي، فتشمل الأعراض الكلاسيكية لعدوى السل النشط السعال المزمن مع البلغم المشوب بالدم والحمى والتعرق الليلي وفقدان الوزن، تؤدي إصابة الأجهزة الأُخرى إلى مجموعة واسعة من الأعراض.
وفيما يتعلق بتشخيص داء السل، أفاد مدير مختبر البيوتكنولوجيا الطبية في كلية الطب والصيدلة بالرباط، أن التشخيص الطبي للإصابة بالسل النشط يعتمد على فحص الصدر بالأشعة السينية، بالإضافة إلى الفحص المجهري والمزرعة الميكروبيولوجية لسوائل الجسم، ويعتمدُ تشخيص حالات السل الخافي على اختبار السل الجلدي و/أو اختبارات الدم…
تعتمدُ الوقاية من داء السل، على برامج الفحص والتطعيم بواسطة لُقاح عصيات–السل (بي سي جي) الذي يُمنح حماية غير مُتناسقة ضد السل الرئوي المُتقلص، في حين أنه فعال ضد السل المُنتثر في مرحلة الطفولة، ومع ذلك، فإنه هو اللقاح الأكثر استخدامًا في جميع أنحاء العالم، مع أكثر من 90% من جميع الأطفال الذين تلقوا هذا التطعيم. ومع ذلك، فإن الحصانة التي يمنحها تقل بعد حوالي عشر سنوات، بحسب البرفيسور الإبراهيمي.
وأشار الإبراهيمي، إلى أنع لعلاج السل يستخدم المُضادات الحيوية لقتل البكتيريا، ومن الصعب علاج السل بشكل فعال بسبب البنية غير العادية والتركيب الكيميائي لجدار الخلية المُتفطرة، مما يعوق دخول الأدوية ويجعل العديد من المضادات الحيوية غير فعالة، ويُعد العلاج صعبًا ويتطلب فترة زمنية طويلة، وتمثل مقاومة المضادات الحيوية مُشكلة مُتزايدة في حالات الإصابة بعدوى السل المقاوم للأدوية المتعددة.
السل المقاوم للأدوية
أشار البرفيسور عز الدين الإبراهيمي، في هذا السياق، إلى أنه مع مرور الوقت، اكتسبت جراثيم داء السل قدرة على البقاء رغم الأدوية… ويرجع السبب في ذلك جزئيًا إلى عدم تناول الأشخاص أدويتهم وفق التعليمات، أو عدم إكمالهم المسار العلاجي، وتَظهر سلالات داء السل المقاومة للأدوية عندما يَفشل المضاد الحيوي في قتل جميع البكتيريا التي يَستهدفها، وتصبح البكتيريا المتبقية على قيد الحياة مقاومة لهذا العقار، وفي الغالب لغيره من أنواع المضادات الحيوية أيضًا، وقد اكتسبت بعض أنواع بكتيريا داء السل مقاومة للعلاجات الأكثر استخدامًا، مثل إيزونيازييد وريفامبين…، مما يحتم التعرف على الخاصيات الجديدة لهاته السلالات حتى نتمكن من مواجهتها بنجاعة، فالكل متفق أنه لا يمكن محاربة عدو لا نعرفه، وبمنطق سهل إذا لم نتغلب عليه وعاد مرض السل، فمن المُهم القيام باختبار لتحديد حساسيته إلى أي المُضادات الحيوية قبل تقرير العلاج، يورد الإبراهيمي.
وبخصوص المقاربة الجينومية لداء السل، أوضح البرفيسور عز الدين الإبراهيمي، أنها تمكن من تحديد خاصيات هذه السلالات وكذلك خاصيات استجابة كل شخص منا للإصابة والعلاج…، فالكل يتفهم أن هذا الثنائي هو الذي يؤدي إلى المرض، لأن الكثير من المخالطين لمرضى السل لا يطورون أي أعراض، وتمكن المقاربة الجينومية من تطوير نظرة متعمقة لطبيعة مسببات الأمراض والسلالات المنتشرة وانتشارها وكذلك الكشف الفوري عن ظهور سلالات جديدة. كما أنه يوفر فرصة لمراقبة العلاج وتقييم التدخلات. علاوة على ذلك، يمكن استخدام علم الأوبئة الجينومية لفهم احتمال ظهور وانتشار السلالات المقاومة للأدوية وآليات المقاومة التي تسمح بتصميم أدوات بسيطة ولكنها سريعة… وقد تطورت تقنية “تسلسل الجينوم الكامل” لمرض المتفطرة السلية، سريعًا، من أداة بحث إلى تطبيق إكلينيكي لتشخيص والرعاية لمرضى السل وكأداة لمراقبة الصحة العامة، وقد ساهم في هذا التطور الانخفاض الحاد في التكلفة والتقدم في التكنولوجيا والجهود المتضافرة لترجمة بيانات التسلسل إلى معلومات قابلة للتنفيذ والرعاية الطبية الناجعة.
أما بخصوص المغرب، ولمواجهة هذه التغيرات، قال البرفيسور الإبراهيمي “نحن اليوم بحاجة إلى يقظة جينومية وطنية تمكن من تحديد تأثير هذه السلالات المقاومة على:
1- عملية التشخيص
2- زيادة حالات العدوى و التغيير في القدرة على الإصابة
3- التسبب في مرض أخطر أو متفاوت الخطورة
4- الحماية المناعية التي تحدثتها العدوى والتي قد يؤدي فقدانها إلى الإصابة مرة أخرى بالفيروس
5- نجاعة اللقاح أو اللقاحات المحتملة تطويرها
وترتكز هذه الخطة لليقظة الجينومية بحسب الإبراهيمي، على المبادئ التالية:
1- إجراء تسلسل عشوائي غير محدد للعينات الإيجابية في جميع أنحاء المملكة
2- أخذ عينات من البؤر الوبائية وتحديد تسلسل جينومات الفيروس بها
3- إجراء تسلسل جينومي لجميع حالات عودة الإصابات
4- المحاكات المعلوماتية لمعرفة آثار هذه الطفرات على بنية البكتيريا وتشخيصها والتفشي وخطورة المرض، واستعمال اللقاحات المحتملة
5- نشر تقرير شهري لتسلسل الجينومات وتمكين جميع وكالات الصحة العامة المغربية منه، ونشر نسخة مفتوحة ومقتضبة ومتاحة على نطاق واسع للعموم…
ووعيا بهذه الوضعية الدقيقة وبفضل التعاون مع مجموعة من المختبرات تمكن المغرب ومنذ 2017، من نشر الجينومات الأولى لبعض البكتيريا المقاومة وخاصياتها، وتأطير دكتوراتين في المجال مع بحث قيد النشر، بحسب الإبراهيمي.
وأضاف البرفيسور ذاته، أن هذه المقاربة الجينومية ليست ترفا في مواجهة داء السل، ولا سيما أن المغرب مثقل بضعف الكشف عن الحالات والتأخر في الإبلاغ عنها وضعف الالتزام بالعلاج، مما يؤدي إلى تطوير مقاومة للأدوية والانتكاس وارتفاع عبء تكاليف رعاية السل المقاوم للأدوية.
وختم تدوينته بالقول ” رغم كل الإكراهات، وكما أقول دائما، نعم نستطيع وبالفعل نستطيع أن نجنب مرضى السل المغاربة الكثير من الأعباء و الألم…”.