مغاربة سنة أولى إلحاد.. مصايمينش

بدر مجدان

قد يبدو العنوان للبعض ملفت للانتباه ومبهما لأخرين، لكنه فقط يصف مرحلة معينة من حياة مغاربة اختاروا سلك طريق مغاير عبر الانسلاخ من الدين ومعارضة أحكامه وتكذيب ما جاء فيه، عدد منهم يتعايش مع وضعه الجديد في صمت من دون الإفصاح والاعلان لعامة الناس على أنه لم يعد مسلما بعد اليوم، بل فقط يتظاهر بكونه كذلك لإرضاء المجتمع وتفادي القيل والقال وتصنيفه في خانة الكفار.

كل هذه السرية في الحياة الواقعية تتلاشى في العالم الافتراضي، حيث يجد الملحدين ضالتهم في التعبير والنقاش بكل أريحية في مجموعات سرية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، هناك يجد المرء إخوته في الالحاد ليخلق معهم جسر تواصل تتسع من خلاله رقعة معارفه من الملحدين.

موقع “سيت أنفو” استحضر رفقة عدد من المغاربة تركوا الدين الإسلامي ذكرى سنتهم الأولى في الإلحاد بعد سنوات عدة من الإيمان، ننقل لكم من خلالهم وضع الملحد في المغرب.

أن تكون مغربيا، فأنت مسلم .. بزز منك

» أن تكون مغربيا، فأنت مسلم بالضرورة، وبزز منك « ، هكذا استهل نبيل حديثه لنا الذي خرج من الملة وكفر بالدين الإسلامي قبل ست سنوات من الأن، يقول :”من الصعب أن يتقبلك المجتمع المغربي ويتعايش معك إذا علم أنك ملحد، فمهما بلغت من مكارم الأخلاق وحسنت سيرتك بين الناس فكل هذا يذهب مهب الرياح إذا كنت ملحدا.”

أما عن عامه الأول بعد إلحاده يقول نبيل:” كنت من أشد الناس حرصا على أداء واجباتي الدينية منذ الصغر، أواظب على الصلاة وصيام رمضان وقراءة القران، لكن لم أتقبل فكرة كوني مسلما يتبع ما وجد والديه عليه، بدأت الشكوك والأسئلة تدفعني للبحث عن إجابات لها لأكون مسلما عن قناعة، لكن ما صادفته خلال رحلة البحث لم يقدني لذلك”.

يختم نبيل حديثه: ” وجدت نفسي بعد إلحادي في حالة من الدهشة والصدمة لا أقوى على مشاركة الأمر مع عائلتي ولا أصدقائي، شعرت بنوع من الوحدة والفراغ، خروجي من الدين الإسلامي لم يكن بين ليلة وضحاها فالأمر حدث بالتدرج لأجد نفسي أمام أول شهر رمضان لن أصوم فيه، بصراحة يصعب على شخص اعتاد على الصيام الإفطار بشكل عادي فالأيام الثلاث الأولى بدت صعبة لكنني سرعان ما تأقلمت مع الوضع وتحررت من الذنب الذي يطال المسلم إذا أفطر عمدا”.

كل فعل جيد أمام الناس غادي يكون سبب أفعال جيدة أكثر فالمجتمع

رضوان هو الأخر من بين المغاربة الذين واجهوا صعوبات في التأقلم مع الوضع يصف لنا تجربته و ما حدث قبل ثمان سنوات من الإلحاد، يقول رضوان: “فالعام الأول ديال الإلحاد كنت حاس بصدمة كبيرة من واقع المجتمع لي كا نعيش فيه و حسيت بفراغ كبير حيث الدين لي كان كا يقرب المسافة بيني و بين عائلتي، رجع عندي نفور من كل ما هو ديني و حتى الحديث في الدين مع زملاء ديالي في العمل كنت كنتفاداه، …كنت كانزور المقابر باش نترحم على أفراد عائلتي لي ماتو لكن فالعام الأول ديال إلحادي زرت لقبور و بقيت جالس كا نخمم شنو غادي ندير فالتالي اختاريت نبقى نتذكر الأوقات السعيدة لي عشت معاهم و هنا لقيت أول خطوة نحو حل معضلة الفراغ لي كنت نعيش و عرفت أن الحياة هي لحظات الحاضر لي نعيشو و هي الذاكرة لي تبقى عندنا أو نخليوها عند الناس بعد موتنا”.

أما عن تجربة رمضان الأول بعد الالحاد يقول رضوان:” ما صمتش كنت غير كا نشرب الما فالأيام الأولى ومن بعد في الايام الأخيرة عاد بقيت كا ناكل بعض الوجبات فيه بنهار، رغم هادشي كامل كان أول عام حسيت به بالراحة التامة فحياتي حيث ما بقيتش مشغول بهاجس ما هو حرام أو حلال”.

ينهي رضوان قوله :”رجعت نتصرف بحرية لكن أخلاقي ما تغيراتش بل على العكس بقيت نهتم بأخلاقي أمام الناس أكثر ماشي باش نبان مزيان لكن حيث رجعت نحس أن كل فعل جيد أمام الناس غادي يكون سبب أفعال جيدة أكثر فالمجتمع”.

الفراغ الإيماني وصراع العقل

عثمان يرى من خلال تجربته على أن الملحد يجد نفسه أمام فراغ في الإيمانيات خلال عامه الأول، فبعد الدعاء والتضرع إلى الله والتقرب منه، يصبح الملحد أمام صراع بين التخلص من عادات الدين وتقبل عقله فكرة عدم وجود الله.

يقول عثمان: ” كنت مترددا حول مشاركة موضوع إلحادي مع أصدقائي مخافة فقدانهم، لذلك وجدت نفسي أنعزل عنهم وأتعمق أكثر في الوحدة لكن سرعان ما تغلبت على كل هذا بعدما تعرفت على أشخاص يشاركونني نفس التوجه”.

الفصل بين الأخلاق والدين وتجديد خطاب الديني التنويري

منير عكس بقية الحالات السابقة فهو لم يلزم الصمت وشارك أصدقائه وعائلته خبر خروجه من الإسلام، يقول منير:” كنت حافظا للقرآن وفي فترة من حياتي أصلي بالناس في المسجد، 4 سنوات من الشك والبحث استخلصت من خلالها فكرة أن الأديان ماهي إلا خرافة ولا علاقة لها بخالق الكون الحقيقي، فأنا ربوبي وليس ملحد أؤمن بأن هناك خالق “، يضيف:” بالنسبة لتقبل المجتمع فكرة خروجي من الإسلام فالستة أشهر الأولى كانت صعبة نظرا لكوني إنسان صريح، كما الخبر شكل صدمة لعائلتي لكن أصدقائي تقبلوا الأمر.. حياتي الآن أفضل بكثير من ذي قبل”.

ويتأسف منير من ربط الأخلاق بالدين لأن الشائع في المجتمعات الإسلامية هو قياس مدى حسن خلق المرء بمدى تدينه، والأصح على حد قوله هو الفصل بين الأخلاق والدين وتجديد خطاب الديني التنويري.

في ظل غياب أرقام دقيقة حول عدد الملحدين المغاربة لا يمكن نكران وجودهم ضمن المجتمع المغربي، فثقافة تقبل الآخر والتعايش معه كيفما كان هي الخيار الأمثل لنا جميعا، فمهما اختلفنا وتضاربت مبادئنا ومعتقداتنا نتشارك القيم الانسانية ذاتها وإن غابت عنا عم الهلاك بيننا.