“خيلوطة”.. درس من دروس الماضي في المشاركة والتعود والعيش الجماعي

تختلف عادات المغاربة في أيام عيد الأضحى باختلاف المناطق و الأماكن و حتى الأزمنة، وكما للكبار طقوسهم الاحتفالية للأطفال أيضا نصيب من العادات، او بعبارة أصح كان للأطفال عاداتهم

رجعت بذاكرتي المتعبة إلى  الوراء البعيد، إلى زمن لم يعد باقيا منه سوى “طشاش” ذكريات، أحاول تذكرها بكثير من الحسرة والأسف، ذكريات طفولة لا تشبه طفولات هذا الزمن… طفولة “سندباد البحري” و”الفهد الوردي” و “المنزل الصغير”…وايضا طفولة “خردولة” أو “خيلوطة“.

في ثاني أيام عيد الأضحى، يجتمع أطفال ألاسرة والعائلة والجيران، إناثا وذكورا في حفل جماعي تشاركي يسمى “خيلوطة“.

حيث تحرص الأمهات على شراء طاجين صغير لكل طفل، ويقوم كل واحد من هؤلاء بإحضار قطعة لحم من خروف العيد، يكون الطفل قد اختارها بنفسه، مع القليل من التوابل، يتفق مسبقا على من سيحضر الملح ومن سيجلب الفلفل السود والزيت وكل لوازم تحضير الطاجين، مع تقسيم الأدوار، من سيشعل ا لنار، ومن سيقطع البصل، المهمة الصعبة في كل هذه العملية، ومن سيقوم بمراقبة الطاجين الى غاية جهوزيته… فهذه الوجبة التشاركية المسماة “خيلوطة” كانت  فعلا الورشة الأولى لتعلم  فن الطبخ

لا يمر هذا العمل التشاركي بدون مشاكل، فهذا الطاجين المشترك، كحال هو الأشياء المشتركة، لا تكون عاقبته دوما سليمة . يحدث ان يقع تنازع في الأولويات وفيما ينبغي ان يقدم او يؤخر هل البصل ام الزيت ام الملح ام الابزار، وهل من المناسب اضافة الكامون أو استخدام ” التحميرة”  ام ” الخرقوم ” ؟، وتحاول كل صبية أن تنقل ما ترآ الوالدة تفعلع في مطبخها، وكل واحدة تعتقد ان امها هي “الماستر شاف” الطبخ المغربي.

أيضا قد تذهب الأمور إلى أبعد من ذلك، فليس كل مرة تسلم الجرة مادام اصلهما طينيا ؟، فقد يتعرض الطاجين الجماعي إلى الكسر بسبب خناق بين ” الشركاء”، وأيضا ليس من الضروري ان يسلم من الاحتراق بسبب عدم إضافة قدر من الماء في الوقت المناسب، وغيرها من أبجديات طبخ الطاجين.

هي  وحدها ” الخيلوطة ”  في الصبى التي تكشف الأنانيات وضعف القدرة على العيش المشترك وتجعلها على المحك، لكنها بسلبياتها وإيجابياتها صيغة اخرى من صيغ التعود على التعاون والعيش الجماعي والانخراط في عادات المجتمع وتقاليده وأعرافه .
عند الانتهاء من عملي الطهي،  يحرص ” الأطفال”  أن يذوق “الكبار” من طجينهم ، ويحرصون على أخذ رأيهم ووجهة نظرهم… 
تجيب الوالدة وهي تتذوق شيئا من لحم ” الخيلوطة ” :
تبارك الله عليكم .. الله يعطيكم الصحة .. ناقص غير شوية ديال الملحة”، لتصمت ثم تضيف بعض هنيهة ” ناقص غير شوي ديال البزار” … تسكت لحظة وهي تتلذذ قطعة لحم صغيرة بين شفتيها، لتردف ” اللحم كان خاصو يتقلا شوي”…  فيفرح الأطفال بالثناء ويتجاهلون الملاحظات النقدية السلبية.

هده شذرة من شذرات طفولة جميلة بكل المقاييس، صحيح كانت خالية من كل مظاهر الرفاهية لكنها كانت مشبعة بالمبادئ والقيم ودروس الحياة

نعيمة المباركي


سفيان رحيمي يثير ضجة في مصر

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى