الدار البيضاء.. عندما تختزل الصورة أحلام شباب الحي

بعفوية صادقة، وابتسامة تشي بصفاء الروح، يتحدث مصطفى، ذي الواحد والعشرين ربيعا، عن أن حلمه الكبير هو الحصول على كاميرا تصوير يستطيع من خلالها التعبير عن آمال جيل بأكمله من شباب الحي المحمدي، الحالم بالعبور نحو المستقبل، عبر بوابة الإبداع.

وبفوزه بالرتبة الأولى في مسابقة الكبسولات التي نظمتها جمعية “حلقة وصل سجن/مجتمع”، لفائدة شباب الحي المستفيدين من البرنامج الذي أطلقته هذه الجمعية تحت شعار”من أجل إدماج مبتكر لشباب الحي المحمدي”، استطاع مصطفى مسلك أن يقطع نصف الطريق نحو تحقيق أمله في أن يصبح فنانا محترفا في مجال الصورة، هو المؤمن بقدرته على تجاوز عقبة التهميش والعيش دون هدف في الحياة.

يقول مصطفى، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنه كان “من بين المستفيدين من الورشة التي نظمتها الجمعية حول تقنيات تصوير الفيديو، وبعد تكوين استمر لشهرين ونصف شاركت في المسابقة التي كان موضوعها “التكلم بحرية وإيجابية”، والتي سيمنح الفائز فيها آلة كاميرا، ما كان حافزا قويا لنا لبذل قصارى الجهود، وبإمكانياتنا المحدودة، من أجل تصوير كبسولة تكون سبيلنا للظفر بالجائزة”.

وأضاف، بلهجة الممتن، أنه “بفضل الجمعية توفرت لنا مجموعة من الظروف التي ساعدتنا على التعبير عن طاقاتنا وإبراز قدراتنا في مجالات إبداعية عدة، وصراحة وجدنا لديهم كل الدعم، ومن الرائع أن تجد أناسا يفكرون من أجلك دون مقابل”.

ليؤكد مصطفى، الذي عمل بداية في مجال الطبخ ثم الحلاقة، فيختار بعدها عالم التصوير الذي وجد فيه ذاته، “كان همنا جميعا الوصول إلى تلك الكاميرا، فهي بالنسبة لنا مفتاح المستقبل، ومن خلالها نستطيع أن نحقق أحلامنا وتطلعاتنا، فهي التي ستفتح أمامنا أبواب الولوج إلى آفاق جديدة”، مشددا، بلغة يسمها التحدي، “تقاتلنا، بهذا المعنى، من أجلها”.

هنا تختزل الصورة كل الكلام الذي يمكن أن يكتب أو يقال عن إدماج شباب الحي المحمدي، خاصة منهم المنحدرين من أوساط هشة أو عاشوا مرارة السجن لأي سبب من الأسباب، وهو ما تشتغل عليه جمعية “حلقة الوصل” في مشروعها الذي استهدف خلال عشرة أشهر امتدت ما بين أبريل 2020 ومنتصف يناير 2021 شبيبة هذا الحي الذي ما يزال لاسمه رنة خاصة لدى الساكنة البيضاوية، بتاريخه ونجومه الذين حلقوا في سموات إبداعية تنوعت بين الرياضة والمسرح والفن والغناء.

52 شابا توزعوا على 45 شابا وسبع فتيات، تتراوح أعمارهم بين 18 و 26 عاما، استفادوا من المشروع الذي أطلقته هذه الجمعية بدعم من الاتحاد الأوروبي، في إطار برنامج “مشاركة مواطنة”، والذي يعتمد الثقافة كأداة للتغيير لدى الشباب المتحمسين لفن الصورة، والمتعطشين للتعبير من خلال ابتكارها.

ومن ضمن أبرز محاور التكوين الذي تلقاه هؤلاء الشباب التدريب على تقنيات الاتصال، وعلى إنشاء وصيانة المواقع الالكترونية وتقنيات إنتاج وتركيب الفيديو، إضافة إلى التكوين في مجال كتابة النص القصصي والسيناريو، وورشات الفن العلاجي، وتقينات بناء المشاريع وسبل البحث عن عمل.

وبهذا الخصوص، أبرز مدير الجمعية يوسف مداد، في تصريح مماثل، أن الاشتغال الميداني مع أبناء الحي المحمدي استهدف في البداية الشباب الذين عاشوا تجربة السجن بهدف إعادة إدماجهم، غير أنه تبين أنه من الأجدى إدماجهم ضمن أقرانهم، الذين بدورهم يعيشون إحباطات تجعلهم غير قادرين على الانفتاح على محيطهم والاهتمام بما يجري من حولهم.

فقد كان التركيز على إشراك الشباب بتلقي اقتراحاتهم والعناية بميولاتهم، دون ممارسة أي نوع من الوصاية عليهم، فكان الاهتمام متجها نحو كل ما له علاقة بالتعبير الفني من صورة وفيديو وتعبيرات فنية شبابية، إلى جانب ورشات أخرى لاستئناسهم بالمشاركة المواطنة، وآليات تتبع السياسات العامة، لمساعدتهم على التعبير السليم عن احتياجاتهم وتطلعاتهم.

وأشار مداد، إلى أن الغاية الأساسية “هو تكوين شباب يستلم المشعل لقيادة المشروع ومرافقة باقي الشباب في هذه التجربة المبتكرة، فنحن نواكبهم من الجانب اللوجيستيكي والنظري، وهم يقومون بتجويد الفكرة ونقلها إلى جمعيات أخرى لاستنساخها”.

فإعادة الثقة في النفس لشباب الحي، الذين ما يزالون يعيشون على نوستالجيا السبعينات حينما كان هذا الحي ظاهرة إبداعية استثنائية وسابقة لزمانها، وبات الرهان على استرجاعها أولوية، لتصبح نقطة تحول في حياة شباب يعانون من التهميش والهشاشة.

منهم شباب أضاع طريقه بسبب عوامل تتنوع بين ندرة الفضاءات المخصصة لتأطير الشباب، والتي من شأنها أن تفتح أمامهم نوافذ لصقل مواهبهم ومهراتهم، وبين مؤثرات قادتهم نحو سبل غير سوية انتهت بهم بين أسوار السجون، وآخرون ظلوا حبيسي ماضي هذا الحي، يستعيدونه في أغاني الغيوان والمشاهب وصور المشاهير من أبناء الحي، كمن هو جاثم على الأطلال، في انتظار فرصة تقلع بهم نحو واقع أفضل.

ومن ضمن هؤلاء الشباب الطموحين، عزيز أشحو الذي كان أحد المستفيدين من دورة تدريبية من دورات المشروع إلى جانب شباب آخرين من أبناء الحي، ليصبح بدوره مشرفا على ورشة خاصة بالتصوير الفوتوغرافي والفيديو وكتابة السيناريو والمونتاج.

ويرى شحو في مبادرة تكوين الشباب على الإبداع فرصة لهم لتفجير طاقاتهم الكامنة وتحويلها إلى مقومات حقيقية لبناء المستقبل، وبعدها استكمال المسيرة من خلال تعميم التجربة.

ويؤمن هذا الشاب أن شباب الحي يعيشون مفارقة حقيقية بين ما أسماه ثنائية “الصبغي السائد” و”الصبغي المتنحي”، أي بين الوصم الذي أضحي لصيقا بهم على أنهم مجموعة شباب منحرفين، فاقدين لكل قدرة على الفعل وخلق المبادرة، وبين النوستالجيا التي تشدهم إلى السبعينات من القرن الماضي.

فتحفيز الشباب على الإبداع واستثمار وسائل الاتصال لتوجيه رسائل مباشرة لمن يهمه الأمر، لكي يصيروا قوة ضاغطة ومحفزة لأقرانهم، قاعدة تشتغل عليها جمعية “حلقة وصل”، بعدما لاحظت من خلال تواصلها مع الشباب عن قرب أنهم يفضلون العمل الثقافي، ويعتبرون أنه القناة المثلى لتحقيق ذواتهم، وهو ما عكسه مصطفى المسلك في كبسولته الفائزة، والتي لخص فيها، وفي دقيقتين فقط، انتكاسات أقرانه وأحلامهم بالظفر بفرصة للخروج من ضيق الأفق نحو فضاء أرحب يثمن أحلامهم ولا يبخس آمالهم.

المصدر : وكالات

انخفاض أسعار اللحوم الحمراء المستوردة ومهني يوضح لـ “سيت أنفو”

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى