الجودة والغش وأنواع زيت الزيتون.. قصة مغربية حرة خالصة -روبورتاج فيديو

وفاء بلوى

شهر نونبر، بداية موسم جني الزيتون بالمغرب، وبداية دورة الحياة في جيوب الفلاحين ممن انتظروا غلتهم بصبر طويل.

ولسبر أغوار قصة الزيتون المغربي، توجهنا لإقليم قلعة السراغنة بجهة مراكش آسفي، معقل زراعة الزيتون بالمملكة، لنجد أن كل شيء هنا يوحي بأن عصب الحياة قائم على زراعة وتجارة الزيتون، بدءا بقناني الزيتون والزيت المعروضة على جنبات الطريق، وصولا إلى ضيعات الزيتون ومعاصره المنتشرة في كل مكان.

الاستثمار في أرض الأجداد

وأول من التقينا في رحلتنا كان محمد الشتوي، رجل بشوش بسحنة متشبعة بلون الشمس، عاد للاستثمار في حرفة أبيه في مسقط رأسه بمزم صنهاجة، بعد أن كان مهاجرا مغربيا سابق بالديار الإيطالية أنهكته الغربة.

وآن له اليوم جني ما زرع من زيتون مغربي في ضيعته، ويقول إنه اختار أصناف زيتون مغربية لضمان نجاح استثماره، موضحا أنه ” بالنسبة للأصناف المغربية هناك البيشولين المغربي والمنارة والحوزية، أصناف تعودنا عليها، نعرف كيفية التعامل معها ونعرف أنها تتحمل العطش وأمراضها قليلة، كما أن إنتاجها جيد”.

وفي ذات السياق يقول الشتوي إن ما شجعه أكثر على الاستثمار في أرض الوطن هو مخطط المغرب الأخضر الذي أعطى الملك محمد السادس انطلاقته سنة 2008 وبعده استراتيجية الجيل الأخضر 2020 ـ 2030، موضحا أن “وزارة الفلاحة دعمتنا من خلال برنامج المغرب الأخضر وجهزت لنا حقولنا، أنا كفلاح صغير استفدت، وتم تجهيز حقلي بالسقي بالتنقيط، و دعمتنا أيضا في مسائل الغرس”، “بفضل والوزارة عشنا نقلة نوعية في قطيعة مع الأساليب والاستعمالات التقليدية، من خلال اللجوء لأساليب علمية في فلاحتنا التي صارت تنمو بطرق سليمة و ناجعة” يضيف.

وفي الجهة التي تضم 21٪ من مجموع المساحة المغروسة بأشجار الزيتون في المغرب بما قدره 254.350 هكتار، استقبلنا أحمد العموري في حقله الكائن بجماعة العرارشة، ليشاركنا تفاصيل مغامرته، فقد ترك الرجل محله التجاري بالدار البيضاء، وعاد إلى أرض أجداده ليزرع بدوره البيشولين المغربي والحوزية والمنارة.

وبحسب العموري فمغامرته ما تزال في بدايتها، وذلك ظاهر من حقله الذي مازال معتمدا على السقي التقليدي، “أنا حاليا أستعمل السقي التقليدي بالربطة، قدمت ملفي لوزارة الفلاحة وستجهز حقلي لأتحول إلى الفلاحة العصرية”.

ويرى أحمد العموري أن الأصناف المغربية التي تمثل 93 ٪ من أشجار الزيتون المغروسة في المملكة، أفضل من غيرها، “البيشولين لونغ دوغ صالح للتصبير، فيما الحوزية والمنارة تصلحان للتصبير كما العصر، لأن زيتهما قابلة للأكل وجودتها تدوم أطول، عكس البيشولين لونغ دوغ الذي تنقص جودة زيته بعد 4 أشهر إلى 5”.

من جهتها، تشجع الوزارة الوصية على زراعة أصناف الزيتون المغربية، وتعمل على رفع الإنتاجية من خلال المساهمة بنسبة 100٪ من تكلفة الاقتناء بالنسبة للمشاريع الجماعية، والفلاحين الصغار، وكذا المساهمة بنسبة 80٪ من تكلفة المشاريع المنجزة بصفة انفرادية، فضلا على تشجيع نظام السقي الموضعي، والتحفيز على المكننة، وعمليات الصيانة، وأيضا تحفيز الفلاحين على إجراء التحاليل المخبرية وحث المنتجين على التنظيم في تعاونيات وجمعيات وجماعات.

طريق الجودة

تدب الحياة في حقل محمد الشتوي، والعاملون المتمرسون ينتشرون بين الأشجار، حاملين بأيديهم أمشاطا صفراء، فقد دقت ساعة الحسم، وحان قطاف الثمار، والجميع يعرف أن طريقة القطاف سر ضمان جودة المنتج، لذلك يحرص الجميع على التعامل مع الأغصان بكثير من الحذر، لأن كل كسر في الأغصان سيكلف نقصا في مردودية العام المقبل.

“في مسائل الجني صرنا نستعمل أساليب أخرى جد عصرية كالمشط، كي لا نؤذي الشجرة ولا نستنزفها من الأوراق، حتى تظل بصحة جيدة للموسم القادم” يقول محمد، وهو يراقب بهمة ونشاط عملية الجني في ضيعته، وبعدها عملية نقل الثمار إلى المعصرة، عملا بقاعدة “من الشجرة للحجرة”، فتأخر العصر يتسبب في تخمر الثمار وبالتالي إفسادها، ونقص جودة الزيت المستخرجة منها، وكذا ارتفاع نسبة حموضتها، والتي يجب ألا تتعدى 0،8٪ كحد أقصى.

عدنا إلى مركز قلعة السراغنة، وتحديدا إلى المعصرة التي اختار محمد لثماره، رائحة زيت الزيتون تملأ المكان، ومزيج الثمار الخضراء والأرجوانية الذي يعتبره أهل الاختصاص، الأفضل لاستخراج زيت الزيتون البكر، ينقى من الشوائب ويغسل، ثم يساق إلى الحجر.

وفي هذا الصدد يكشف مصطفى كمال أحد القائمين على المعصرة، أن عملية الطحن تستمر ساعة من الزمن، لأن رفع السرعة يمكن أن يزيد من حرارة الثمار ويودي بجودة الزيت، مشيرا إلى أن الثمار بعد ذلك تكبس لساعتين، وبعدها تصفى الزيت من الشوائب، ثم تنتهي في مختبره الصغير داخل المعصرة، حيث يقيس نسبة الحموضة.

اطمأن قلب مصطفى، فالحموضة متدنية، ويقول مصطفى “نقوم بتحليل بسيط داخل المعصرة، كي نقف على جودة زيتنا، عبر التأكد من أن نسبة الحموضة فيها منخفضة جدا، والحمد لله الأمور تسير على نحو جيد”، ويؤكد على أن سعادته تكمن في تقديم منتج جيد يشرفه أمام زبنائه الذين يحجون إلى قلعة السراغنة من كل أنحاء المغرب.

ويحرص المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية من موقعه على مراقبة زيت الزيتون لضمان الجودة، كما جاء على لسان خديجة عريف رئيسة قسم المنتجات النباتية ذات الأصل النباتي بالمكتب، ” ONSSA يقوم بالمراقبة المستمرة لزيت الزيتون للتأكد من جودته وسلامته الصحية، وهذه المراقبة تتم طبقا للقوانين الجاري بها العمل، خصوصا القانون 28. 07 حول السلامة الصحية للمنتجات الغذائية، وكذلك القانون 83. 13 حول زجر الغش في البضائع، وكذا المرسوم المتعلق بجودة زيت الزيتون وزيت فيتور الزيتون”.

وفي ذات السياق تقول عريف إن “المكتب يقوم بمنح الترخيص الصحي للوحدات التي تقوم بإنتاج زيت الزيتون، بعد مراقبة جميع مراحل الإنتاج، والتأكد من امتثال الوحدة لجميع الممارسات الجيدة فيما يخص النظافة والسلامة الصحية والإنتاج، وكذا التأكد من قيام الوحدة بمراقبة ذاتية لزيت الزيتون، فضلا عن امتلاكها لنظام تتبع لمنتجاتها من زيت الزيتون التي تطرحها في السوق”.

تطور التقنيات

أجمع الفلاحون ممن التقينا بقلعة السراغنة، على أن تطوير فلاحتهم لم يكن ليحدث لولا جهود الجمعية المغربية لمنتجي الزيتون والاقتصاد في الماء، والمتمثلة في تقريبهم من كيفية الاستفادة من دعم الوزارة وباقي المتدخلين.

وفي تصريحه لـ “سيت أنفو” يقول حميد صبري رئيس الجمعية، إن دافعه يتمثل في كونه “ابن منطقة واركي وسط غابات الزيتون، وأنا فلاح ابن فلاح وتقني فلاحي متخصص في الزيتون، وفكرة الجمعية راودتني منذ صغر سني، بعدما عايشت النقص الذي عانى منه والدي وجيراني جراء غياب التأطير، والحمد لله بفضل الجهود وشركائنا تمكننا من الوصول لأكبر عدد من الفلاحين، وتمكينهم من دورات تكوينية وتحسيسية، حتى صار الفلاح يعرف العناصر الصغرى، ودور تحليل التربة،… وكل هذا بفضل وزارة الفلاحة ومبادرة المثمر للمكتب الشريف للفوسفاط… وبهذا المجهود بدأت المردودية ترتفع”.

زيتونة مغربية تشد أنظار العالم

شددنا الرحال نحو جهة فاس مكناس، أول جهة في المملكة من حيث المساحة المغروسة بزيت الزيتون في المغرب، بنسبة 32٪ و382.95 هكتار، بغية الحضور لمهرجان الزيتون في القلب الذي تحتضنه فاس، لنجد جنسيات مختلفة بين مهنيين وسياح، جذبهم الزيتون المغربي إلى فاس.

وفي هذا الصدد، تقول دينا نيكولاو الطباخة اليونانية، المولوعة بالطبخ المتوسطي، “أعشق المطبخ المتوسطي، الذي ينتمي له المطبخ اليوناني، واليوم أمثل اليونان في هذا المهرجان، وأنا سعيدة بالتواجد هنا، أعشق زيت الزيتون المغربي ويذكر بزيت الزيتون اليوناني في طفولتي، ويحدث أن استعمل زيت الزيتون المغربي في السلطات التي أحضرها، أحب فيه الطعم والرائحة”.

من جانبها تقول سالميني نايا وهي سائحة من جيرة مايوت الفرنسية، إن “الفرق بين زيت الزيتون المغربي وزيت الزيتون التي أعرف، أن هذه نقية ونستطيع تناولها مع الخبز.. لم أكن أعلم أنه يمكن أكل زيت الزيتون مع الخبز”.

انتقلنا بعد المهرجان إلى ضيعة “نور فاس” بمنطقة سايس في نفس الجهة، ضيعة ممتدة على مساحة 500 هكتار، 300 هكتار منها مغطاة بالبيشولين المغربي والحوزية والمنارة، ويبدو أنها أنواع جعلت من العلامة التجارية تحصد جوائز وميداليات عالمية.

وفي هذا الصدد تقول دنيا زروقي مسؤولة التسويق بالشركة، إنها تعتمد بشكل أساسي على الأصناف المغربية، وتمكنت من حصد 8 ميداليات ذهبية وبلاتينية للجودة، موضحة ” أرسلنا عينات من زيتنا للخارج وشاركنا بها في مسابقات عالمية وحصلنا على 8 ميداليات من أعلى المرتبات، 5 ذهبية و3 بلاتينية، وتم تصنيفنا من بين 100 أحسن زيت زيتون في العالم”.

غش يعكر صفاء “زيت العود”

لم يتمكن أي من منتجي الزيتون الذين تحدثنا إليهم من كتم انزعاجهم من عمليات الغش التي تسيئ لمنتجاتهم ولزيت الزيتون المغربية ككل، فدنيا زروقي تقول : ” للأسف في السوق المغربية هناك عدة طرق للغش، من بينها مزج زيت الزيتون بالزيت النباتي، وكذا هناك صيحة جديدة في عالم الغش حاليا، تتمثل في قرص يوضع في الزيت النباتي فيعطيه نفس طعم ولون ورائحة زيت الزيتون”.

فيما يقول أحمد العموري ” نبيع لزبناء يعرفوننا ونعرفها، ومن يريد النجاح في هذا المجال عليه الحفاظ على سمعته، فمن عرف بالغش لن يستمر طويلا في هذا الميدان”.

من جهته المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية يحث المستهلك على التأكد من المنتج ومن نقاط البيع، التي ينبغي أن تتوفر على ترخيص صحي ممنوح من قبل ONSSA.

يشار إلى أن المغرب يعتبر المصدر التاسع للزيتون في العالم، بـ91.300 طن من مصبرات الزيتون، و15 ألف طن من زيت الزيتون، وكذا 13.700 طن من زيت تفل الزيتون.


هزة أرضية تضرب إقليم الحوز

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى