بعد إطلاق سراح “مفطري البيضاء”.. إعادة تمثيل الجريمة وهذه الرواية الكاملة للشابات المعتقلات في تصريحهن لـ”سيت أنفو”

وفاء بلوى

“ لم أقدر على التفكير في أي شيء، منذ البارحة وأنا أبكي.. أبكي وفقط”، هكذا عبرت الشابة (آ) ذات 20 ربيعا عن صدمتها إثر اعتقالها رفقة عشرات الشابات والشباب، يوم أمس الثلاثاء، بإحدى المقاهي بالدار البيضاء، بتهمة “الإفطار العلني” في شهر رمضان.

وتقول (آ) في حديث لـ”سيت أنفو” إنها كانت جالسة في المقهى الذي دأب على فتح أبوابه في وجه الزبناء في نهار رمضان منذ أزيد من 3 سنوات، موضحة أنها لم تطلب أي طعام أو شراب، “كنت غير جالسة وما كونصوميتش”، وكانت تنتظر صديقتها لتلتحق بها، قبل أن تفاجأ بمداهمة الأمن للمكان على الساعة الواحدة والنصف زوالا، واعتقالها وعشرات الشباب والشابات من مرتادي المقهى، واقتيادهم إلى ولاية أمن الدار البيضاء.

“ملي خرجوني من باب الكافي جاتني نوبة هلع، الناس مجموعين، والكاميرات، والبوليس، كان هاد الشي كامل صعيب عليا”، تضيف الشابة.

وبعد الوصول إلى ولاية الأمن، تقول (آ) إن عناصر الأمن عمدوا إلى فصل الجنسين، وبالنسبة للشابات ممن صرحن بأنهن يتمتعن بعذر شرعي، تم التأكد من ذلك من خلال تفتيشهن، مضيفة: ” قلبو للبنات كيلوطاتهم فالطواليط، وأنا رفضت حيت الصدمة كانت غادي تكون مضاعفة كون خليتهم يقلبوني”، قبل أن يتم إخلاء سبيل “الحائضات” أولا، ثم بعدهن البقية من شابات وشباب تباعا، بعد التوقيع على محاضر الاستماع، ولم تعرف لحد الساعة التهم الموجهة لها، غير أنها ضبطت في حالة تلبس.

“أنا مرعوبة من أن يعرف أهلي بالأمر، لحد الساعة لم أخبرهم بما حدث، لا زلت أقطن في بيت العائلة، ومعرفة عائلتي بأني اعتقلت سيكون مشكلا كبيرا” هكذا تصف (آ) خوفها من انكشاف أمر اعتقالها أمام أهلها بسبب “الأكل”، وتختم كلامها بالقول: “أنا منهارة، لم أستوعب بعد ما حد، لم نكن نستفز أحدا، ولا نؤذي أحدا”.

من جانبها تقول (ح) ذات العشرين ربيعا، إنها كانت بصدد لقاء صديقتها (آ) في المقهى، بعد انتهائها من دوامها، لتتفاجأ عند الوصول إلى المكان المحدد، بسيارات الشرطة وكاميرات المواقع الإخبارية.

“ما عرفتش واش نفرح حيت فلتت منها، ولا نتقلق حيت صحابي تشدو… تبلوكيت وتصدمت”، هكذا تفاعلت (ح) بداية مع الأمر، لكنها بحسب ما جاءت به في حديثها لـ”سيت أنفو” قررت مساندة أصدقائها في محنتهم، وتقول: ” تأترت بزاف وحطيت راسي فبلاصتهم، كانت غادي تكون كارثة كون تعتاقلت ووصلات الخبار لعائلتي، وكنت غانخسر خدمتي، وفوق هاد الشي غادي نتقلب واش فيا ليغيكل”، لتسترسل في انفعال “تخيل تتعرض لتفتيش ملابسك الداخلية”.

وفي ذات السياق، تقول (ح) إنها لم تتنفس الصعداء إلا عندما أفرج عن أصدقائها على الساعة الثامنة، رغم أن التوجس والخوف يسكنان دواخلها خدود اللحظة، فلا أحد يعرف إن كانت المتابعة في حقهم ستستمر، ولا أحد يمكن أن يتنبأ بتطور الأحداث.

وفي هذا الصدد، تقول نرجس بنعزوز عضوة ائتلاف 490، في تصريح لـ”سيت أنفو”، ” صدمنا يوم أمس من الطريقة التي تم بها اعتقال أولئك الشبان والشبات، وكيف تم التشهير بهم، وتصويرهم دون موافقتهم، وقضائهم يوما كاملا في مخفر الشرطة،… كنا نظن أن هذه الممارسات تم تجاوزها في مغرب 2022، المغرب الذي يحمل شعار الدفاع عن الحريات والحقوق”.

وتؤكد بنعزوز، أن الحالة النفسية للشابات والشباب متدهورة، سيما أن بعض الفتيات تعرضن للتفتيش للتأكد من وجود عذر شرعي حسب روايتهن.

وعن المتابعة، تقول نرجس بنعزوز، “لا نعلم إن كانت ستكون متابعة قضائية، وقعوا على المحاضر، والآن ينتظرون لمعرفة ما سيحدث بعد ذلك”، مؤكدة أن ائتلاف 490 سيؤازرهم، مشيرة إلى أن الائتلاف يطالب بإلغاء الفصل 222 الذي يجرم الإفطار العلني، و”الخروج من دائرة هذه الممارسات التي لا تشرف المغرب”.

وفي هذا السياق، يوضح الاستاذ محمد بن الدقاق، المحامي بهيئة الدار البيضاء، أنه في حال ما تمت متابعة الشابات والشباب الذين اعتقلوا بالمقهى يوم أمس الثلاثاء، سيواجهون عقوبات ما بين شهر إلى 6 اشهر، وغرامة مالية من 12 إلى 120 درهما، “لكن الاجتهاد القضائي تواتر على حصر العقوبة في شهر واحد موقوف التنفيذ”، مشيرا إلى أن “العرف القضائي المغربي استقر على تمكين المتهمين بأقصى ظروف التخفيف”.

وفي ذات الحديث، يوضح الأستاذ بن الدقاق إن الفصل 222 من القانون الجنائي، ” فصل غير دستوري لأنه يتعارض مع مقضيات الدستور المغربي، ومختلف الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب”.

وعن العذر الشرعي، يقول الأستاذ محمد بن الدقاق إنه “فعلا يسقط المتابعة في حالة وجود عذر شرعي، من سفر أو مرض أو عادة شهرية إلى غير ذلك من الأعذار الفقهية”، مؤكدا على أن التفتيش “لا يبيحه أي نص قانوني.. كان على رجال الشرطة بمجرد إعلامهم بأن البنت لها عذر شرعي أن يخلوا سبيلها، دون تفتيش لأن ذلك يمس كرامتها” يضيف.

من جانبه يقول يوسف الموساتي، الباحث في التاريخ وعلوم الآثار والتراث، في حديث لـ”سيت انفو”، “إن تجريم الإفطار العلني في رمضان، هو قانون سنه ليوطي عندما كان مقيما عاما بالمغرب، في إطار ما يسمى بسياسة التوقير والاحترام التي نهجها ليوطي، والهادفة إلى إظهار فرنسا كحامية لتدين الأهالي، ومن المعلوم أن ليوطي ركز على استمالة رجال الدين بشكل كبير حتى أصبح يعرف بالحاج ليوطي”.

ويزيد الموساتي قائلا، إنه “بعد الاستقلال تم الاحتفاظ بهذا الفصل ضمن فصول أخرى، وكان مرتبطا بطبيعة الصراع السياسي بين القصر والمعارضة حول المشروعية السياسية والدينية”، مشيرا إلى أن “الفصل 222 لا يرتبط بحكم شرعي، أو حتى فقهي، بل هو قانون وضع في إطار سياقات تاريخية وسياسية معينة، أي أنه قانون مؤدلج” على حد تعبيره.

يشار إلى أن مداهمة المقهى، واعتقال مرتاديه، خلق جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، وأعادت النقاش حول إلغاء القوانين التي تحد من الحريات الفردية، ومن بينها الفصل 222.


أخبار “سيئة” لأشرف حكيمي

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى