حكم قضائي مغربي يعتبر الزواج العرفي بطفلة اتجارا بالبشر

قضت المحكمة الابتدائية بالقنيطرة، وفي سابقة مثيرة، بعدم الاختصاص للنظر في قضية تتعلق بتزويج طفلة بشكل عرفي، حيث اعتبرت أن المتهم “استغل طفلة فاقدة لحرية تغيير وضعها استغلالا جنسيا عن طريق استغلال حالة ضعفها وهشاشتها وحاجتها إلى مأوى بعدما وعدها بالزواج”، مما يجعل الفعل لا يشكل مجرد جنحة، وإنما جناية اتجار بالبشر.

وتعود فصول القضية، بحسب ما نشرته المفكرة القانونية في موقعها الرسمي، أول أمس الجمعة، إلى شكاية تقدمت بها طفلة إلى خلية العنف ضد النساء تعرض فيها بأن زوجها انتزع منها رضيعتها، وامتنع عن تمكينها منها، موضحة بأنها مجهولة الأب، وأن والدتها تخلّت عنها، فتكفّلت بها أسرة، وخلال فترة كورونا، قررت الأسرة البديلة إحالتها على أحد دور الأطفال المتخلّى عنهم، ونتيجة لخصامها المستمر مع العاملين بهذه المؤسسة، اضطرّت إلى مغادرتها وأصبحت تعيش مع المتهم، والذي كانت تعاشره معاشرة الأزواج، فتمارس معه الجنس برضاها، وقد نتج عن ذلك حمل توج بميلاد طفلتها منذ ثلاثة أشهر، مردفة بأن المتهم، ومنذ أربعة أيام من تقديم شكايتها، وهو يمنعها من ابنتها وهو ما حال دول إرضاعها بطريقة طبيعية، كما أنه يعرضها للضرب والاعتداء، مضيفة، بأنها تعرضت للاغتصاب من طرف شخص آخر منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، أي حينما كان عمرها يقلّ عن 13 سنة.

وعند الاستماع إلى المتهم، أكد أنه تعرف على المشتكية القاصر منذ حوالي سنتين، حينما كان عمرها أقل من 14 سنة، حيث أخبرته بأنها تعرضت للاغتصاب، فاصطحبها إلى منزل أسرته، وبقي يعاشرها معاشرة الأزواج إلى أن حملت منه وأنجبت طفلة. موضحا أنه، ومنذ حوالي أربعة أيام من توقيفه، دخل في خلاف مع المشتكية التي تركت ابنتها معه، وغادرت الى مكان غير معروف، قبل أن تعود بعد أيام مصطحبة معها عناصر الشرطة حيث تم توقيفه حينذاك، وسلم الرضيعة لوالدتها المشتكية القاصر. مضيفا، أنه مارس الجنس مع هذه الأخيرة عدة مرات رغم أنها قاصر، وأنه على علم كونها كذلك، وأنه كان ينوي الزواج بها.

وقد  قررت النيابة العامة متابعة المتهم من أجل جنحة العنف والتغرير بقاصر وهتك عرضها بدون عنف، طبقا للفصول 400 و475 و484 من القانون الجنائي.

وأثناء المحاكمة تشبث المتهم بأقواله التمهيدية، فأصدرت المحكمة حكمها بعدم الاختصاص للبت في القضية لكونها جناية اتجار بالبشر، معتمدة على العلع التالي:

-المشتكية، قاصر لا يتجاوز عمرها السادسة عشر سنة، كما أنها مجهولة الأب، وقد تخلت والدتها عنها، كما تخلت عنها الأسرة الكافلة والتي أحالتها على مؤسسة خيرية تعنى برعاية الأطفال المتخلى عنهم، كما أنها غادرت هذه المؤسسة نتيجة خصامها المتكرر مع العاملين بها.

– المتهم اعترف باصطحابه المشتكية القاصر معه إلى منزله، ومارس معها الجنس عدة مرات، بعدما علم بكونها تعرضت للاغتصاب حينما كان عمرها أقل من 13 سنة، كما أنه كان على علم بقصور سنها،

-لا عبرة لرضى المشتكية من الناحية القانونية في مرافقة المتهم أو ممارسة الجنس معه، طالما أن نقصان الإرادة مفترض فيها باعتبار سنها القاصر، تطبيقا للمادتين 209 و210 من مدونة الأسرة ؛

-المتهم بمجرد اصطحابه المشتكية القاصر إلى منزله بعد مغادرتها للمؤسسة الخيرية ومكوثها معه لمدة سنتين، وممارسة الجنس معها خلال هذه المدة إلى أن حملت ووضعت حملها منه، يكون قد استغل قاصرا فاقدة حرية تغيير وضعها استغلالا جنسيا، بعدما استدرجها واستقبلها وآواها بمنزل أسرته، وذلك عن طريق استغلاله لحالة ضعفها وهشاشتها وحاجتها الماسة إلى مأوى كمُتخلى عنها ومُغْتَصبة في وقت سابق، بعدما وعدها بالزواج منها طيلة تلك المدة؛ مما يعد معه مرتكبا لجناية الاتجار في البشر تطبيقا للفصل 448-1 في فقراته الأولى والثانية والثالثة والفصل 448-2 من القانون الجنائي ؛

-نظرا لإتيان المتهم هذا الفعل مع القاصر المذكورة، بصفة متكررة ومعتادة حسب الثابت من تصريحاته المفصلة أعلاه؛ فإن البناء القانوني العادي لجناية الاتجار في البشر كما هو مقرر في الفصلين أعلاه، تكون قد اقترنت بالظرف المشدد المنصوص عليه في البند 6 من الفصل 448-3 من ذات القانون، والمتمثلة في: “الاعتياد”.

-كلما اقترن فعل التغرير وهتك عرض قاصر دون عنف بعناصر جريمة الاتجار في البشر، المنصوص عليها في الفصول 448-1 و448-2 و448-3 من القانون الجنائي، ولا سيما قصد الاستغلال، إلا وتغير وصفه، وأصبح ذا صبغة جنائية وليس جنحية.

-الاختصاص النوعي حسب المادة 323 من قانون المسطرة الجنائية، هو من صميم النظام العام، ويتوجب على المحكمة، كلما تبين لها أنها غير مختصة نظرا إلى ظروف وملابسات القضية، أن تثير ذلك من تلقاء نفسها.

تعليق على الحكم

يعتبر هذا الحكم من بين التطبيقات القضائية النادرة لجرائم الاتجار بالبشر المرتبطة بتزويج الأطفال، ويعيد هذا الحكم إلى الواجهة إشكالية الزواج العرفي، حيث يلجأ عدد من الأشخاص إلى الزواج العرفي بطفلات، وعند تعرض الطفلة إلى عنف أسري ولجوئها إلى القضاء يطرح تكييف هذا الفعل، بحيث تلجأ بعض المحاكم إلى تكييف هذه العلاقة على أساس أنها تغرير بقاصر أو هتك لعرضها بدون عنف، في المقابل تلجأ محاكم أخرى لاعتبار هذه العلاقة بأنها زواج غير موثق، وتكيف الفعل باعتباره عنفا في إطار الفصل 400 من القانون الجنائي.

في نفس السياق، تلجأ عدد من المحاكم في مناقشتها لجرائم العنف الممارس ضد طفلات في إطار الزواج العرفي الى عدم مناقشة وجود الزواج العرفي من عدمه، خاصة بعد  انتهاء الأجل القانوني المحدد في المادة 16 المتعلقة بثبوث العلاقة الزوجية غير الموثقة، وتعتبر أن أي علاقة جنسية تمت بين طرف راشد وطفلة تشكل جنحة هتك عرض قاصر بدون عنف، ويمكن أن ترتقي الى درجة جناية اذا كان سن الطفلة أقل من 15 سنة، باعتبار أن العنف مفترض في مثل هذه العلاقات لغياب عنصر الرضا؛

كان لافتا في حكم المحكمة الابتدائية بالقنيطرة أنه ناقش توافر الأركان القانونية لجريمة الاتجار بالبشر انطلاقا من وقائع القضية، بعدما تبين أن العلاقة التي ربطت المتهم بالضحية الطفلة، هي علاقة قائمة على استغلال وضعية الهشاشة التي توجد فيها، لكونها ضحية اغتصاب سابق، ولا تتوفر على أي مأوى بعد هروبها من دار الأيتام، كما أن المتهم أضحى يعاشرها جنسيا معاشرة الأزواج بعدما وعدها بتسوية وضعية زواجهما بطريقة قانونية؛

كان لافتا في حكم المحكمة الابتدائية بالقنيطرة أنها اعتبرت رضا الطفلة منعدما رغم تأكيدها في محضر الشرطة أنها عاشرت المتهم برضاها، وجاء في حكم المحكمة بهذا الخصوص “لا عبرة لرضى المشتكية من الناحية القانونية في مرافقة المتهم أو ممارسة الجنس معه، طالما أن نقصان الإرادة مفترض فيها باعتبار سنها القاصر، تطبيقا للمادتين 209 و210 من مدونة الأسرة “، ويشكل هذا التعليل المتقدم مدخلا أساسيا يمكن الاستناد عليه في المطالبة بحذف المقتضيات القانونية التي تبيح تزويج الطفلات؛

تطرح هذه القضية أيضا الإشكاليات المتعلقة بقانون كفالة الأطفال المهملين الذي أضحى متجاوزا بحيث لا يوفر الحماية الكافية للأطفال المكفولين، اتجاه الأسر الكافلة، بحيث لا ينظم التنازل على الكفالة، كما لا يتضمن تدابير كفيلة بتجنب إسناد الكفالة المتكرر للطفل المهمل أو غير المهمل حفاظا على استقراره النفسي؛

وتجدر الإشارة الى أن المجلس الوطني لحقوق الانسان خلص في دراسة حديثة  له حول المبررات القضائية المعتمدة في تزويج الطفلات، و كذا في تقريره حول  تشجيع التبليغ عن العنف ضد النساء والفتيات إلى وجود إشكاليات حقيقية تواجه عددا من المحاكم في تكييف جرائم العنف ضد الطفلات الممارسة في إطار زواج الفاتحة، والذي أضحى يأخذ صورا ملتبسة مثل زواج الكونطرا أو زواج الرهن  أو الزواج العرفي مقابل الاعتراف بدين، وهي أفعال قد ترتقي إلى جرائم إتجار بالبشر، وذلك بعدما أضحت المحاكم المغربية تتعامل بصرامة مع طلبات تزويج الطفلات المقدمة إليها بشكل غير قانوني، وقد أوصى المجلس في هذا السياق بضرورة تجريم تزويج الطفلات وتجريم المشاركة في ذلك.


انخفاض أسعار اللحوم الحمراء المستوردة ومهني يوضح لـ “سيت أنفو”

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى