زواج الأطفال.. بين قلة المبادرات التشريعية ومقبرة التأجيل
ظاهرة “زواج القاصر” طرقت باب قبة البرلمان بطرق مختلفة، أخرها تبني فاطمة الزهراء برصات، وعائشة لبلق، وثريا الصقلي، وجمال بنشقرون كريمي، ورشيد حموني، البرلمانيون عن المجموعة النيابة للتقدم والاشتراكية، مقترح قانون يقضي بنسخ المواد 20، 21 و22 من القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، والذي يهدفُ لمنع تزويج الطفلات عبر تقدميه إلى مكتب مجلس النواب يوم 22 يناير 2021.
لدق ناقوس الخطر الذي يمُس مناطق الهامش في الأغلب، تمت بلورة الأسس الأولى للمقترح بعد الحملة الترافعية التي قادتها جمعية سمسم مشاركة ومواطنة، وصوت المرأة الأمازيغية، في سنة 2019 التي رفعت شعار “أوقفوا زواج القاصرات”، اعتبرت في بيان لها أن “التدخل التشريعي أصبح ضرورة ملحة واستعجالية من أجل وضع نصوص قانونية واضحة للحد من هذه الظاهرة، وإعادة التوازن الطبيعي لمؤسسة الزواج”.”
استثناء أصبح قاعدة
وجوهر انتقاد حزب التقدم والاشتراكية في مذكرة المقترح الذي وصل إلى طاولة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، هو تحول المقتضيات الاستثنائية لمدونة الأسرة إلى قاعدة، مسجلة أن “السلطة التقديرية للقضاء اتجهت بشكل كبير نحو التحويل التدريجي لمبدأ الاستثناء إلى قاعدة، وهو ما يؤكد العدد المرتفع لقبوله لطلبات تزويج الطفلات”.
ودعا المصدر ذاته، إلى “التنصيص صراحة على أن أهلية الزواج هي 18 سنة كاملة، وإلغاء الاستثناء الذي أصبح قاعدة لتزويج الطفلات، عبر نسخ ومراجعة الفصول الـ20و21و22 من مدونة الأسرة بما يتلاءم ومقتضيات دستور 2011، والاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي صادق عليها المغرب، يعتبر مدخلا أساسيا للقضاء على تزويج الأطفال والطفلات، بما يحقق المصلحة الفضلى للطفل”.
عشر سنوات- بلوكاج
للقطع مع الاستثناء، سبق لفريق التحالف الاشتراكي بمجلس المستشارين يوم 22 مارس 2012 التقدم بمقترح قانون لتعديل الفصول 20 و21 و22 من القانون 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، أوضح فيه أن “مبررات هذا الاستثناء قد زالت، ولم يبق هناك ما يسمح بالترخيص أو الإذن بزواج القاصر، وأن الإبقاء هذا الاستثناء من شأنه أن يضر بمصالح المجتمع، والحل هو إقرار السن كمعيار وحيد بجانب القدرة الصحية بالزواج”.
قبل مبادرة فريق التحالف الإشتراكي، دفع أعضاء الفريق الاشتراكي بنفس المجلس سنة 2010 بمقترح قانون يرمي إلى تغيير وتمميم القانون رقم 03.70 بمثابة مدونة الأسرة، عبر جعل المادة 20 تنصُ على “أن لا يقل سن الفتاة 16 سنة، وأن لا يتجاوز سن الزوج ضعف سن القاصرة، ويصدر هذا الإذن بقرار بمقرر معلل”.
بعد نقاش مع وزير العدل والحريات آنذاك، توصلت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان مع الحكومة يوم 26 يونيو 2012 إلى حل توافقي بخصوص السن الأدنى، والذي حُدد في 16 سنة، وتم الاتفاق على “دمج مقترحي القانونين في مقترح واحد يوفق بين مضامينها بالأخذ بعين الاعتبار ملاحظات وزير العدل بشأن المقتضيات التي يصعب إدراجها في هذا المقترح، والتي سحبها أصحابها تبعا لذلك”.
وبعد إيداع “مقترح قانون يقضي بتغيير وتتميم المادة من القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة المصادق عليه في 3 فبراير 2004″، بمجلس النواب يوم 23 يناير 2013، بقي في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان يُراوح مكانه إلى 2018 بإعادة تقديم المقترح، ولم ير النور إلى يومنا هذا، مما جعله ضحية ما يسمى بـ “مقبرة التأجيل” بسبب عدم الاتفاق على تحديد سن معين للزواج.
فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس النواب بدوره، قدم “مقترح قانون يقضي بتعديل المادتين 20 و21 من القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة يوم 13 نونبر 2012، للتنصيص على ألا تطبق مقتضيات المادة 20 “إلا إذا كان الفتى أو الفتاة قد تجاوز سن السادسة عشرة ووافق على الزواج بصفة صريحة بدون أي ضغط أو تأثير”.
الحزب ذو المرجعية الإسلامية سجل في مقترحه، أن “تطبيق المادة 20 على أرض الواقع قد كشف بعض الاختلالات المترتبة على تغليب منطق الحشمة والسترة على مصلحة القاصر وبالخصوص الفتيات المغرر بهم، الأمر الذي يقتضي بمراجعة المادتين 20 و21 من مدونة الأسرة في اتجاه يمنح حماية أكبر للقاصر الذي لم يلغ بعد أهلية الزوج”.
نداء للحكومة
تمنى أيوب التواتي، مدير مشروع نوابك، أن “تتفاعل الحكومة إيجابيا مع مثل هذه مقترحات القوانين التي تسعى لحل مشكل واقعي، ومن أجل إعطاء قيمة تشريعية، واعتبار للنائبات والنواب، وللأسف مقترحات القوانين المقبولة من طرف الحكومة قليلة بالمقارنة مع مشاريع القوانين، هذا مفهوم بالنظر للأغلبية البرلمانية، ولكن كمجتمع مدني دورنا المساهمة في دعم مجهودات النائبات والنواب في عملية التشريع”.
وأضاف في تصريح لـ”سيت أنفو”، أن “مدة كافية مرت على إقرار مدونة الأسرة، مما يتوجب تقييم التجربة، ومعرفة النقائص، ومن بين المسائل الآنية والمستعجلة التي يجب الوقوف عليها تشريعيا ظاهرة تزويج القاصرات التي تهمُ فئة المفروض مكانهم في المدرسة، ولم يصلوا بعد إلى الأهلية الكافية لتأسيس أسرة”.
ولفت المتحدث ذاته، أن “مقترح القانون الذي تقدمت به المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية، كان من الأمور التي اشتغلنا عليها في جمعية سمسم مشاركة مواطنة في إطار مشروع نشارك، وكان الهدف تحويل مقترحات الجمعيات إلى الصياغة القانونية، والترافع عليها مع النائبات والنواب”.
الحجم الحقيقي لتزويج الأطفال غير معروف
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في رأيه “ما العمل أمام استمرار تزويج القاصرات” المنجز سنة 2019، ذكر أن “وزارة العدل خلال سنة 2018، سجلت 32.104 طلب للزواج، مقابل 30.312 طلبا في 2016، وخلال الفترة ما بين 2011 و2018، حصلت 85 في المائة من طلبات الزواج على الترخيص، وتشكل الفتيات 94.8 في المائة من مجموع المعنيين بزواج القاصر 45.786، كما أن 99 في المائة من طلبات الزواج كانت قد همت الفتيات خلال الفترة 2007 – 2018”.
ولاحظ مجلس الشامي، أن “إحصائيات وزارة العدل لا تأخذ بعين الاعتبار إلا طلبات زواج القاصر والزواج المبرمة، وبالتالي فإن زواج الأطفال غير الموثق شرعيا الذي يطلق عليه زواج الفاتحة أو زواج الكونطرا وهو زواج بوساطة عقود مبرمة بين رجال يعيشون في الغالب خارج المغرب وأولياء الفتيات القاصرات مقابل الحصول على مبالغ مالية لا يرد في أي إحصائيات رسمية، والحجم الحقيقي لتزويج الأطفال غير معروف، غير أن عدد حالات تزويج الأطفال يظل مرتفعا للغاية ويدعو للقلق”.
وأوصى المجلس إلى اعتماد عبارة “تزويج الأطفال”، بدلا من زواج القاصر أو الزواج المبكر من أجل رفع كل أشكال الغموض المتصلة بالتأويلات والتصورات الفردية حول تحديد من هو الطفل، لأن القانون المغربي واضح في هذا الصدد، حيث يعتبر أن الطفل المغربي هو كل شخص، أنثى أو ذكر، دون سن 18، بالتالي فهو قاصر بموجب القانون.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية