قرار وزير الداخلية بتوقيف مجلس جهة كلميم – واد نون.. بين الشرعية والمشروعية

بتاريخ 21 ماي 2018 صدر بالجريدة الرسمية عدد 6675 قرار لوزير الداخلية مؤرخ في 16 ماي 2018 يقضي بتوقيف مجلس جهة كلميم – واد نون وتعيين لجنة خاصة.
وقد سبق صدور هذا القرار صدور بلاغ لوزير الداخلية أثار مجموعة من التعليقات وردود الفعل القانونية والسياسية التي انقسمت إلى اتجاهين مختلفين: أحدهما أشاد بحكمة وحكامة قرار وزير الداخلية وأبعاده السامية المرتكزة على المصلحة العامة العليا. أما الاتجاه الثاني فقد توجس من العواقب السياسية للقرار. أمام هذا الأمر وتنويرا للرأي العام، ومساهمة منا في إثراء النقاش القانوني والسياسي بخصوص هذا الموضوع، ارتأينا القيام بقراءة متواضعة لهذا القرار لمناقشة أسسه ومرتكزاته القانونية (مدى شرعية القرار) وأبعاده السياسية (مدى مشروعية أو ملاءمة القرار).
يندرج موضوع القرار محل التعليق في إطار مستجدات موضوع المراقبة الإدارية على الجماعات الترابية ويثير إشكالية في غاية من الأهمية: ما هي السلطة المختصة بإصدار قرار توقيف مجلس الجهة؟ وما مدى شرعية ومشروعية قرار وزير الداخلية في الموضوع؟
تتفرع عن هذه الإشكالية الرئيسية تساؤلات فرعية من قبيل:
– هل يجوز لسلطة المراقبة الإدارية اتخاذ قرار توقيف المجلس الجهوي؟ أم أن الأمر يستلزم ضرورة تدخل القضاء؟
– ما هي الأسباب والمبررات التي يمكن الاستناد عليها لاتخاذ إجراء التوقيف؟ وهل التبريرات والأسباب التي ارتكز عليها قرار وزير الداخلية كافية لاتخاذ مثل هذا القرار؟
أولا: مدى شرعية وقانونية la légalité)) قرار وزير الداخلية بتوقيف مجلس جهة كلميم – واد نون
ميز القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات بين إجراءين مختلفين: توقيف المجلس الجهوي وحل المجلس الجهوي. فالمادتين 75 و76 تنصان على ضرورة تدخل القضاء لإجراء الحل أما المادة 77 التي تحدثت عن التوقيف والحل لم تتعرض لتدخل القضاء.
يلاحظ أن المشرع تعمد تأطير إجراء الحل إن على مستوى الجهة لإصداره أو التي لها الحق في الإحالة أو المسطرة أو الأسباب. على خلاف ذلك لم يحدد، بالنسبة للتوقيف، بشكل صريح ودقيق الجهة المخول لها اتخاذ هذا الإجراء (سلطة المراقبة الإدارية أم سلطة القضاء) فهل الأمر مقصود من طرف المشرع أم أن الأمر لا يعدو أن يكون عيبا في التشريع.
إذا كان الجميع يتفق على أن إجراء الحل أصبح بيد القضاء، فإن إجراء التوقيف غير محدد في معالمه ولا في أسبابه والسلطة المؤهلة لاتخاذه. وبالنتيجة إذا كان اختصاص حل المجلس الجهوي مسند صراحة للقضاء، فإن سكوت المشرع عن تحديد الجهة المختصة بإصدار قرار التوقيف تجعل إرادته تتجه إلى تركه لسلطة المراقبة الإدارية، وإلا ما الذي كان يمنع المشرع من التنصيص صراحة على اختصاص القضاء أيضا بهذا الإجراء على غرار الحل.
ويزكي هذا الطرح اقتران التوقيف – في نفس المادة 77 – بوجوب تعيين اللجنة الخاصة بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية. وأيضا الطابع الاستعجالي الذي يكتسيه تدبير التوقيف لا يستدعي اللجوء بشأنه إلى القضاء لأنه سيتطلب وقتا ليس بالقصير، قد يفقد معه أهميته.
كما أن المراقبة الإدارية هي مجموعة من الصلاحيات الممنوحة لهيئات إدارية للتحقق من مشروعية أعمال الهيئات اللامركزية ومنعها من الانحراف عن المصلحة العامة، ومن تم فهي في الأصل مسندة للسلطات الإدارية إلا ما استثناه المشرع صراحة بإشراك القضاء فيه، وبالنتيجة فتدبير التوقيف لم يشمله الاستثناء، ويبقى اتخاذه من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية مطابق للقانون.
وغني عن البيان أن التوقيف إجراء مؤقت واحترازي ومحدد في الزمان. فهو تدبير احتياطي يمكن اللجوء إليه لاستبعاد استعمال إجراء الحل الذي يكون نهائي وأثره ممتد في الزمان. وهنا لا بد أن نشير إلى أن المشرع تعمد عدم تحديد مدة معينة للتوقيف في إطار القانون التنظيمي الحالي، مما يترك هامشا للسلطة المختصة لتحديد المدة بالنظر لكل وضعية على حدة. ومع ذلك لابد أن يكون التوقيف لمدة محددة، وإلا تحول إلى حل مقنع للمجلس ويشكل بذلك انحرافا في المسطرة (بدل اللجوء إلى الحل الذي يقتضي تدخل القضاء يمكن اللجوء إلى التوقيف المؤقت مع استهداف نفس نتائج الحل). ويدعم هذا المنحى مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 77 من القانون التنظيمي المذكور التي ربطت انتهاء مهام اللجنة الخاصة، حسب الحالة، إما بانصرام مدة توقيف المجلس أو بإعادة انتخاب أعضاء المجلس في حالة الحل. وفي هذا الإطار جاء قرار وزير الداخلية المحدد لمدة توقيف مجلس جهة كلميم – واد نون في ستة أشهر قابلة للتمديد لنفس المدة، سليما من الناحية القانونية.
كما أن تعيين لجنة خاصة لتدبير الفترة المؤقتة للتوقيف تدبير قانوني، سيمكن هذه اللجنة من اتخاذ التدابير اللازمة لتصريف الأمور الجارية في انتظار رجوع الأمور إلى سيرها العادي، ومن تم تفادي إمكانية الحلول. أضف إلى ذلك أن تشكيلة اللجنة الخاصة جاءت سليمة ومطابقة للقانون الذي يمنح للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية اختصاص تعيين أعضائها المحدد عددهم في خمسة، يكون من بينهم بحكم القانون، المدير العام للمصالح، بالإضافة إلى والي الجهة الذي يمارس بهذه الصفة الصلاحيات المخولة لرئيس مجلس الجهة.
وأخيرا إن مبدأ استمرارية المرافق العمومية، الذي أصبح مبدأ دستوريا، يفرض عدم توقف مرفق الجهة عن القيام بالمهام المنوطة به، لأن من شأن الاستمرار في وضع التعثر الذي طبع عمل مجلس جهة كلميم – واد نون تعطيل السير العادي للمرافق العمومية، وهو ما قد ينجم عنه اضطرابات لا تحمد عقباها.
ثانيا: مدى مشروعية وملاءمة ((La légitimité قرار وزير الداخلية توقيف مجلس جهة كلميم – واد نون
إن غاية تدخل سلطات المراقبة الإدارية يجب أن يكون استهداف المصلحة العامة ولا شيء غير المصلحة العامة التي هي مناط تدخل السلطات وإلهيات الإدارية. فإلى أي حد استهدف القرار المذكور المصلحة العامة؟ وهل يكتنف القرار انحرافا في استعمال السلطة؟ وبصيغة أخرى هل قرار التوقيف ملائم للأسباب التي دعت إلى اتخاذه؟
أمام عدد تحديد المشرع للحالات المفصلة والأسباب الدقيقة التي تستدعي اتخاذ قرار التوقيف، تتمتع السلطة المختصة بهامش من التقدير في تسبيب القرار. في هذا الصدد عدد قرار وزير الداخلية – ومن قبله البلاغ الصادر عنه- جملة من الأسباب والمبررات التي ارتكز عليها قرار التوقيف. ويمكن إجمال مبررات وزير الداخلية في اتخاذ القرار المذكور فيما يلي:
1- المبررات القانونية: جاء قرار وزير الداخلية مرتكزا على أسس قانونية وأسباب واقعية تبرره. فقد استند القرار على أحكام الدستور وخاصة مقتضيات المادة 89 منه التي تنص على أن الحكومة تعمل على تنفيذ القوانين وعلى مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالجهات ولاسيما المادة 77 التي تتحدث عن إجراء التوقيف وتشكيل اللجنة الخاصة لتسيير الأمور الجارية. كما صدر القرار بناء على تقرير لوالي جهة كلميم – واد نون الذي قام بتشخيص لوضعية مجلس الجهة المعني وتعداد الاختلالات التي يعرفها تدبيره:
– رفض التصويت بالإيجاب على جميع النقط المدرجة بجدول أعمال الدورات العادية والاستثنائية التي عقدها المجلس خلال سنتي 2017 و2018
– الاختلال والاضطراب في السير العادي للمرافق والمصالح التابعة لمجلس الجهة
– التأخر في إنجاز المشاريع المبرمجة من لدن المجلس
2- المبررات الواقعية: لقد اتسم قرار وزبر الداخلية بالحكمة والواقعية الذي استلزمته ضرورة التوفيق بين التدبير الحر لمجلس الجهة لشؤون هذه الأخيرة وبين ضرورة استمرارية مرافق الجهة في تقديم خدماتها بانتظام واضطراد، بين إلحاحية تدخل الوزارة الوصية (التي تتولى المراقبة الإدارية) وبين البحث عن أنجع الإجراءات الملائمة. فسلطة المراقبة الإدارية التقديرية في التدخل لمجابهة الأمر الواقع فرض عليها الاختيار بين تدبيرين أحلاهما مر:
– تدبير إحالة الأمر إلى القضاء للمطالبة بحل المجلس وما يستلزمه من وقت لصدور القرار القضائي وما يتطلبه الأمر من إعادة الانتخابات (التي من الممكن جدا أن تؤدي إلى إنتاج نفس التشكيلات السياسية داخل المجلس) مع كل تبعاتها المالية والتأخر في رجوع الأمور إلى الحالة العادية.
– تدبير التوقيف المؤقت الذي سيتيح الفرصة “لكافة مكونات المجلس بمراجعة ذاتية بهدف الانخراط في مقاربة ايجابية لمواصلة العمل في مناخ يسوده التضامن الفعلي والتعاون البناء وتغليب المصلحة العامة على الاعتبارات الضيقة” على حد تعبير بلاغ وزير الداخلية في الموضوع.
وقد انتصرت المقاربة الحكيمة لوزارة الداخلية للاختيار الثاني (أقل الضررين) أي اتخاذ قرار التوقيف المؤقت واستبعاد الاختيار الأول.
3- المبررات السياسية المكانية والزمانية: يلاحظ أن وزارة الداخلية ارتكزت في قرارها على مجموعة من الأسباب القانونية والواقعية، كما احتكمت إلى اعتبارات فوق قانونية (استمرار نهج الجهوية – المصلحة العليا للجهة المعنية – المنعطف التاريخي لقضية الوحدة الترابية …)
المبرر المكاني: يرتبط بالجهة المعنية بالذات – جهة كلميم-واد نون – ، التي تعتبر إحدى الجهات الثلاث بالأقاليم الجنوبية التي تحظى باعتبار متميز في أفق إيجاد حل للمشكل المفتعل بالنسبة لقضية الصحراء المغربية وثانيا بالنظر إلى أن هذه الجهة فقيرة تفتقد إلى الكثير من مقومات التنمية وتتطلب التعجيل بفتح وتنفيذ الأوراش التنموية. وفي هذا الإطار أولى صاحب الجلالة الملك محمد السادس أهمية خاصة للمنطقة انتهت بإبرام عقد برنامج التنمية المندمجة للأقاليم الجنوبية انبثقت عنها مجموعة من الاتفاقيات لتنفيذ المشاريع المبرمجة التي للأسف تعثرت بسبب الاعتبارات الضيقة لمكونات المجلس المعني.

المبرر الزماني: هو الفترة الحساسة التي تمر بها قضية الوحدة الترابية لبلادنا، على إثر المناوشات العسكرية والاستفزازات التي تعرفها المنطقة العازلة من طرف أعداء الوحدة الترابية، وما يمكن أن يشكله حل المجلس الجهوي من فراغ سيستغل سلبيا من طرف الخصوم للتسويق لعدم نجاح النموذج التنموي الجهوي وعدم جدية مبادرة الحكم الذاتي المقدمة من طرف المملكة للتفاوض بشأنها بخصوص الأقاليم الجنوبية.
يلاحظ أن المبررات القانونية المذكورة أعلاه كافية ومقنعة لتدخل وزير الداخلية من الناحية القانونية، أما المبررات الواقعية والاعتبارات الزمانية والمكانية فتشكل سندا لقرار وزير الداخلية لاختيار التوقيف الإداري للمجلس بدل الحل القضائي.
على سبيل الختم يمكن القول أن وزارة الداخلية باعتبارها السلطة الحكومية التي تتولى مهام المراقبة الإدارية على الجهات، وجدت نفسها مطالبة بوضع حد للاختلالات المستمرة لعمل مجلس جهة كلميم – واد نون. والتزاما بها بالشرعية القانونية كان لها الخيار بين تدبيري التوقيف الإداري أو الحل القضائي للمجلس الجهوي، غير أنها اختارت الحل الملائم بالنظر للظروف الزمانية والمكانية للحالة بأقل التكاليف وأخف الأضرار.
فبقدر ما تتوفر الجهات – والجماعات الترابية الأخرى – على الشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي وحرية في تدبير شؤونها في إطار القانون والمصلحة العامة، بقدر ما تخضع لنوع من الرقابة التي كانت تسمى بالوصاية الإدارية وأصبحت تسمى بالمراقبة الإدارية. فهذه الأخيرة تشكل – ولا شك – إحدى ركائز اللامركزية الإدارية التي لا تكتمل عناصرها إلا بوجودها.


هزة أرضية تضرب سواحل الحسيمة وخبير في الزلازل يوضح

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى