بعد غياب لأشهر.. بوطوبة يعود لقيادة عمليات التصدي للجرائم العابرة للحدود في “بوابة الصحراء”

في الجغرافيا الأمنية المعقدة، لا تكون القرارات محض صدفة، بل هي نتيجة قراءة استراتيجية دقيقة للميدان. قرار القيادة العليا للدرك الملكي تجديد ثقتها في الرائد عماد بوطوبة قائدا إقليميا للدرك بكلميم ليس مجرد حركة إدارية روتينية في خريطة التنقيلات، بل هو تكريس لنهج أمني أثبت نجاعته في واحدة من أكثر مناطق المغرب حساسية وتحدياً. فبعد استفادته من تكوين ذي مستوى عال امتد لأشهر بالمدرسة العليا لتكوين الضباط بالدار البيضاء، يعود الرائد بوطوبة للإشراف ميدانيا على رفع درجة اليقظة الأمنية ضد الهجرة السرية ومحاولات تهريب الممنوعات، وذلك بتوجيهات من القيادة الجهوية للدرك الملكي.

حين تتحول “بوابة الصحراء” من نقطة عبور إلى جدار صد

تقف جهة كلميم-واد نون كنقطة ارتكاز استراتيجية؛ فهي البوابة الحقيقية نحو الأقاليم الجنوبية، بواجهة أطلسية تمتد على أكثر من 200 كيلومتر وعمق صحراوي يغري شبكات الجريمة المنظمة. لسنوات، كانت هذه الجغرافيا تمثل تحدياً مزدوجاً: فهي ممر حيوي للتنمية نحو الجنوب، وفي الوقت ذاته، مسار مفضل لشبكات الهجرة غير الشرعية التي تستغل امتداد سواحل طانطان وسيدي إفني، وممراً استراتيجياً لمهربي المخدرات الباحثين عن طرق بديلة نحو أوروبا وجزر الكناري.

النجاح الذي تم تحقيقه هنا لم يكن في مجرد إحباط عمليات متفرقة، بل في تغيير فلسفة المواجهة. الأرقام تتحدث عن نفسها: خلال العامين الأخيرين فقط، أدت العمليات المنسقة إلى إحباط المئات من المحاولات للهجرة السرية، وتوقيف عدد كبير من المرشحين، والأهم من ذلك، تفكيك العشرات من الشبكات الإجرامية المتخصصة في الاتجار بالبشر. بالتوازي، شهدت مكافحة تهريب المخدرات قفزة نوعية؛ فلم يعد الأمر يقتصر على ضبط كيلوغرامات متفرقة، بل وصل إلى عمليات أمنية ضخمة.

لقد انتقلت المقاربة من رد الفعل على المحاولات إلى استباقها عبر تفكيك الخلايا قبل أن تتحول إلى شبكات، وتجفيف منابع الدعم اللوجستي بدلاً من مطاردة القوارب في عرض البحر. هذه العمليات النوعية أصبحت مؤشراً على قدرة استخباراتية عملياتية عالية تقرأ تحركات الشبكات وتضرب في مركز ثقلها، محولةً “بوابة الصحراء المغربية” من منطقة عبور محتملة إلى جدار صد متقدم.

الانسجام الأمني.. حين تصبح الثقة مصدراً للمعلومة

النجاح الأمني في منطقة ذات فسيفساء اجتماعية وقبلية غنية لا يُقاس فقط بعدد الدوريات أو نقاط المراقبة الثابتة والمتحركة التي تم تعزيزها، بل بعمق الثقة المتبادلة مع محيطها. إن أكبر تحدٍ يواجه أي مسؤول أمني في هذه الربوع هو القدرة على بناء جسور تواصل حقيقية وفعالة مع الساكنة والسلطات المحلية والمنتخبين.

هذا الانسجام ليس ترفاً اجتماعياً، بل هو ضرورة عملياتية. فضبط كميات هامة من المخدرات في منطقة صحراوية شاسعة نادراً ما يكون وليد صدفة، بل هو غالباً نتاج معلومة دقيقة وفرتها الثقة.

ففي بيئة جغرافية مفتوحة وصعبة، تصبح المعلومة التي تتدفق من المواطن هي خط الدفاع الأول. النهج المعتمد في الجهة أثبت أن بناء علاقة قائمة على الاحترام المتبادل والشراكة في حفظ الأمن، يجعل من الساكنة عيوناً ساهرة وحليفاً استراتيجياً. هذا التناغم الهادئ هو ما يفسر القدرة على الوصول إلى معلومات دقيقة حول أماكن تخزين المخدرات أو تحركات منظمي الهجرة، وهو ما يمنح الجهاز تفوقاً نوعياً..

الكفاءة الهادئة.. الفعالية دون ضجيج

ويرى المراقبون أن النموذج الذي كُرّس في كلميم هو نموذج “الكفاءة الهادئة”، حيث العمل الدؤوب والمتواصل الذي لا يسعى للأضواء، بل يركز على تحقيق نتائج ملموسة على الأرض. هذه الفلسفة في العمل تبعث برسالة مزدوجة: رسالة طمأنينة للداخل بأن أمن المنطقة في أيادٍ أمينة ومحترفة، ورسالة ردع للخارج بأن كل شبر من هذه الأرض يخضع لرقابة صارمة لا تتهاون، وأن تكلفة “التشغيل الإجرامي” في هذه المنطقة أصبحت باهظة للغاية.

والظاهر أن تجديد الثقة في قائد سرية الدرك الملكي بكلميم، هو أبعد من أن يكون تقييماً لشخص، إنه بالأحرى إقرار بنجاح “مدرسة” أمنية متكاملة. مدرسة تدرك أن حماية بوابة الصحراء تبدأ من تفكيك شبكات الجريمة العابرة للحدود، وتعتمد على كسب ثقة الإنسان الذي يقطن هذه الأرض، وتؤمن بأن النتائج القوية التي تعكسها أرقام المحجوزات وتفكيك الشبكات هي التي تتحدث عن نفسها بصوت أعلى من أي ضجيج.


زيادات جديدة في أسعار المحروقات بالمغرب

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى