المهدي بنعطية.. أسد لا يعرف الاستلام

لطالما كانت تستهوينا تلك الأفلام والحكايات المقترنة بالانتقام، التي تبتدئ بمعانات البطل، ليقوم بعدها ويخرس الجميع ويطلق نهايته السعيدة. هو لاعب حكايته كذلك فعلا، استصغروه واستهانوا به، فأخد استراحة محارب وعاد ليسطع بموهبته ويقدم مستويات استثنائية، فارضا على الجميع الاعتراف بمكانته وأهميته، هو المهدي بنعطية المحارب الذي رد على العالم وأظهر لهم معدنه الحقيقي.

رأى بنعطية النور يوم 17 ابريل 1987 بمدينة كوركورونيس الفرنسية، منذ صغره وهو مولوع بكرة القدم، التحق بالعديد من الفرق ومراكز التكوين، مهوبته سرعان ما لفتت أنظار بعض الأندية الكبيرة، غير أن مهدي فضل الالتحاق بمركز تكوين نادي مارسيليا.

أعيربنعطية موسم 2006/2007 إلى نادي تور الفرنسي، لعب لهم لموسم واحد وعاد إلى مارسيليا، ليعار مجددا وهذه المرة لنادي لوريان، والذي لم تسنح له الفرصة بلعب أي مباراة باستثناء مشاركة واحدة في كأس فرنسا.

عاد بعد ذلك النجم المغربية إلى نادي مارسيليا، هذا الأخير الذي قرر التخلي عنه بموافقته على انتقاله لنادي كليرمون الذي ينشط في الدرجة الثانية نهاية موسم 2007/20008، لم ينتظر مهدي كثيرا حتى جاء رده على نادي مارسيليا، بتألقه مع ناديه الجديد، إذ شارك في 27 مباراة تمكن من خلالها تسجيل هدف واحد، والفوز بجائزة أفضل لاعب واعد لموسم 2008/2009 بالمغرب.

موهبته وصلابته الدفاعية نالت استحسان نادي أودينيزي ليقرروا انتدابه سنة 2010، خاض معهم ثلاث سنوات كانت كفيلة بأن يصعد سلم النجومية ويرتقي لتحدي اصعب في الدوري الإيطالي، وهو روما، لعب معهم موسم 2013/2014 قدم مستويات كبيرة وكان سدا منيعا للعديد من نجوم الكرة الايطالية والعالمية، وسرعان ما كسب ثقة المدرب رودي غارسيا ومنحه شارة العمادة وأصبح حديث الصحافة العالمية.

الصحافة الإيطالية خرجت بقصاصات إخبارية ربطته ثارة بتشيلسي وثارة أخرى بمانشستر يونايتد، وبعد تشويق طويل أعلن نادي بايرن ميونخ صيف 2014 تعاقده مع المدافع المغربي المهدي بنعطية، بعقد يمتد لخمسة أعوام في صفقة وصلت لمبلغ 30 مليون أورو ليصبح في ذلك الوقت أغلى مدافع في تاريخ الدوري الألماني.

موسمه الأول مع البافاري كان موفقا إلى حد ما إذ شارك معهم في 24 مباراة مسجلا هدفين منها هدف على برشلونة في دوري الأبطال، أما موسمه الثاني لم يمر كما تمناه، فقد كان صعبا حيث تعرض لمجموعة من الإصابات المتتالية والتي أثرت على مستواه وجعلته عرضة للعديد من الانتقادات من الصحافة والجماهير، ليستغني بايرن ميونخ عن خدماته ويقرر اعارته لفريق يوفنتوس صيف 2016 مع احقية الشراء.

لم يتوقع أكثر المتفائلين أن يتألق بنعطية مع كبير إيطاليا للأسماء الكبيرة التي تنافس في مركز الدفاع، إذ باتت الرسمية شبه مستحيلة ولكنه نجح بأن يكون الخيار الأول للمدرب اليغري، ويقرر الأخير شراء عقده مقابل 17 مليون أورو ليعود بذلك إلى الدوري الأحب إليه، والذي يشتهر بالدفاع منذ تاريخ بعيد، وتوالت الأيام حتى قرر زميله بونوتشي الرحيل صوب ميلان صيف 2017 في حركة مفاجئة وصادمة لجماهير يوفنتوس والتي بدا عليها تخوف كبير من النقص الذي سيتركه في الدفاع.

اليغري لم يتردد لبرهة في إعطاء الفرصة لبنعطية بخلاف جمهاير السيدة العجوز التي لم تتق بإمكانيات المدافع المغربي، وطالبت بانتداب مدافع كبير ليحل محل بونوتشي، دخل بنعطية كأساسي وأصبح يقدم مستويات استثنائية في خد الدفاع ومع توالي المباريات تبددت مخاوف الجماهير وأصبحت تتغنى به في كل مباراة منذ الاعتماد عليه كأساسي سجل على يوفنتوس هدف واحد فقط من علامة الجزاء من أصل 17 مباراة ليتضح للعالم أنهم الآن في صدد مشاهدة مدافع يعد من بين الأفضل في مركزه، وينجح في تقديم مستويات جعلته يتصدر عناوين الصحافة الإيطالية، نجح في تحقيق تحقيق لقب الدوري للمرة السابعة تواليا في تاريخ النادي وكأس إيطاليا الذي استطاع أن يسجل في المباراة النهائية هدفين على شباك دونارما.

مع المنتخب حكاية جميلة تلخص مساره الاحترافي، فبعدما تلقى الدعوة من المنتخب الجزائري باعتبار والدته جزائرية الأصل، غير أن بنعطية فضل اللعب لمنتخب بلاد والده، وخاض أول مقابلة دولية له مع المنتخب الوطني ضد منتخب زامبيا في مباراة ودية سنة 2008، كما سجل أول هدف له في مرمى المنتخب الجزائري في إطار تصفيات كأس أمم إفريقيا، والتي انتهت بفوز أسود الأطلس برباعية نظيفة.

وظل بنعطية يدافع عن الوان منتخب بلاده حتى منحت له شارة القيادة وأصبح ركيزة أساسية وقيمة كبيرة في تشكيلة أسود، لتعود الأقدار وتعصف به وتضعه في موقف لا يحسد عليه، وذلك في لقاء ربع نهائي كأس افريقيا 2017 خلال لقطة هدف المنتخب المصري الوحيد الذي رآه الجمهور المغربي أن بنعطية هو المسؤول عن الخسارة والخروج من البطولة. تزامت تلك الفترة مع الأوضاع الصعبة التي مر منها في يوفنتوس خلال فترة إعارته، وجلوسه المتكرر على مقاعد البدلاء، فدخل بنعطية مرحلة الشك وجلس لبرهة وكأنه يردد “هل فعلا لا أستحق التواجد هنا هل أنا سبب الاخفاق ام الحظ هو السبب؟ ما الذي يحذث؟ لم أعد أعرف نفسي؟ فعلا لست بكامل جاهزيتي لكنني اعدهم بعودة اقوى؟ سأبتعد مؤقتا لأجد نفسي وأعود افضل”، ليقرر بنعطية مؤقتا الابتعاد لفترة عن المنتخب الوطني.

نجح  بنعطية في التألق والفوز بأساسيته في يوفنتوس، وعاد معها للمنتخب الوطني، فبقيادته لخط دفاع الأسود لم تستقبل شباك المتنخب أي هدف طوال مشوار تصفيات كاس العالم 2018، ونجح كذلك في تسجيل الهدف الثاني في المباراة المصيرية أمام منتخب ساحل العاج، ليحقق المنتخب المغربي بذلك انجازا بتأهله لكأس العالم بعد غياب دام 20 سنة، ويصبح “الكابيتانو” إلى الآن محبوب الجماهير وفخرهم الأول.

هذا هو المهدي بنعطية وهذه حكايته، حكاية من رأوه نقطة ضعف وعبئا عليهم ففندهم، حكاية من وقف ندا للتحديات والصعاب وواجهها ببسالة، حكاية إيمان بالذات وعمل وعدم استسلام، هي حكاية تستحق أن يقتدى بها للاعب استثنائي، مهما وضعت الصعاب على كتفيه، يظل صامدا يصرغ بشغف المحاربين ويخطوا بخطوات ثابتة نحو القمة.


تساقطات ثلجية ورياح عاصفية تضرب هذه المدن المغربية

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى