عودة الجماهير.. إحياء للمدرجات وإنقاذ لكرة القدم
هُم كمالها، بدايتها ونهايتها، غيابهم مأتمها وحضورهم بهجتها التي تشاركها مع المتلقي، عودتهم كروح نُفخت في جسد راكد، أحيوها وأنعشوا متابعيها الذين سئموا حالها في غيابهم، إقبالهم كان كولادة جديدة للعبة، لعبة بروح وشغف كبيرين، نشاط رياضي يثبت لماذا هو الأكثر شعبية في الوطن والعالم.
كرة القدم هي ممارسة اجتماعية، ارتباطها وطيد بالعامة، هي عرض يُقَدّم على مساحة خضراء، وأي عرض وجب أن يبقى قرينا بالجماهير، هو نظام تكامل، غايته الحفاظ على الجوهر والشغف في الاستمرار بحماس يتجدد، كرة القدم المغربية كانت تفقد هوتها وامتيازها مع امتداد أمد الفراق، كانت تخسر، ونبضها يتراجع مهما كثرت المباريات واحتدمت، عودة الجماهير كانت كقبلة حياة أيقظت نبضها الذي هدده السكون المفضي للركود الدائم، عادت لتُكمل كرة القدم الوطنية، أو لتؤكد مدى قيمتها وإضافتها الاستثنائية التي بإمكانها أن تغير حال اللعبة وسير المواجهات، وتأثيرها المباشر على النتائج.
لمس كُلّ متابعٍ الاختلاف الواضح بين غيابهم وحضورهم، بداية بالحماس الذي عاد للملاعب وتسلل إلى المتلقي، حماس يحفز للاعبين الذي يبذلون جهدا مضاعفا في كل مرة بلغتهم هتافات وتشجيعات المناصرين، يساندون لاعبيهم ويضغطون على خصومهم، مظهرين لكل مشككٍ قيمتهم الجوهرية، وأن لقب اللاعب رقم 12 لم يطلق عليهم من فراغ.
في مباريات البطولة الوطنية والقارية سواء أبطال إفريقيا أو الكونفدرالية، ظهر للعيان القيمة الملموسة للجماهير، قيمة تمثلت في الحماس الذي زاد في اللقاءات، والإضافة التي جعلت مدربين ولاعبين يعترفون بفضل أنصارهم، فمثالا، انتصار الوداد على الزمالك المصري، في الجولة الثالثة من أبطال إفريقيا، كان جزءا كبيرا من الفضل يعود للجماهير، وهو ما أقرّ به المدرب، وليد الركراكي، الذي أكدّ أن الانتصار كان من الصعب أن يتحقق لولا الجماهير، خاص بعد تأخر الوداد سريعا بهدف، واستمرار الجماهير في تحفيز اللاعبين بأجوائهم الاستثنائية، إلى حين تمكن الفريق من العودة في النتيجة والانتصار على الزمالك بثلاثة أهداف مقابل واحد.
الجماهير أعادت للأندية أفضلية اللعب بالميدان، إذ كان من السهل لأي فريق الانتصار خارج أرضه، بعد أن عودتهم أعادت لكل مستضيف أفضلية واضحة عن الضيف، وهو ما تأكد في جل المباريات الماضية.
جائحة كورونا أظهرت الجوهر وعرضت العيوب، كونت قناعات ورسخت أخرى، من بينها قناعة أهمية الجماهير في كرة القدم والرياضة عموما، هم نجاح كل عرض ولهُم تُقَدَم، هم من أوجدوها ووهبوها ونصبوها كاللعبة الأكثر شعبية، بدونهم ليس لها امتداد، بدونهم ستفقد امتيازها الذي سلب العالم وجعلها أنجح من غيرها.