جيل 2004.. منتخب ما زالت ذكراه تثير حنين المغاربة
ننبش في الماضي الذي لم نرضى فراقه، حنين يدفعنا لاستحضار ما ولى، ونحن على علم بأن ما انقضى لن يعاد، لعل الواقع المؤسف يدفع الفرد إلى استنشاق عبق التاريخ، استحضار كل ما هو مصدر اعتزاز يخفف كرب يعاصره حاليا، لحظات نادرة ثمينة، أحداث صنعها نجوم منحوا الفخر ووهبوا الاعتزاز، ظهروا وعقدوا العزم عندما استسلمت العامة، منتخب ولد من العدم، ارتقى إلى أن لمح القمة التي كاد أن ينالها، جيل 2004، منتخب ما زالت ذكراه تثير حنين المغاربة.
نسخة كأس أمم إفريقيا 2004 كانت استثنائية بالنسبة للمغاربة، بلوغ للنهائي بعد نكستين غير متوقعتين حجبت بصيص الأمل الذي لم يراه في جيل 2004 المغمور الذي شهد لأحداث لم تكن تصب في إمكانية تحقيقه لأي انجاز، نسختا 2000 و2002 من كأس أمم إفريقيا، عبارة عن صدمتين لم تسلم منها الجماهير المغربية توقع شيئا أقوى وأفضل من الإقصاء المبكر الذي كان في دور المجموعات، خاصة وأن المنتخب الوطني حينها كان يتوفر على تركيبة قوية تضم عدد من اللاعبين المتميزين أصحاب الخبرة، البداية كانت بإقالة المدرب البرتغالي كويلهو لفشله في قيادة المنتخب للتأهل إلى كأس إفريقيا مالي 2002 وكأس العالم كوريا الجنوبية و اليابان، ليتولي الإطار الوطني بادو الزاكي الإشراف على تدريب المنتخب الوطني.
نال بادو الزاكي رضا واستحسان المغاربة عقب قيادته للمنتخب الوطني للتأهل إلى نهائيات أمم إفريقيا 2004 متصدرا مجموعته في التصفيات المؤهلة للنسخة، طموح يرافق المشجعين حينها الذين فقدوا الأمل مع الجيل السابق، الذي فشل في عبور دور المجموعات خلال النسختين السابقتين، فما عسى منتخب مغمور يقوده مدرب بدأ مشواره في التدريب حديثا.
القرعة أوقعت المنتخب المغربي إلى جانب كل من نيجيريا، البنين وجنوب إفريقيا، لينجح في تصدر المجموعة بانتصارين وتعادل أمام منتخب “بافانا بافانا” ويضرب موعدا مع منتخب الجزائر في دور الربع النهائي، وعرفت المباراة ندية كبيرة بين الطرفين إذ سجل منتخب الجزائر هدف اللقاء الأول في الدقيقة الـ84، وظن الجميع أن مغامرة الأسود والحلم الذي عاد إليهم سيتبدد قريبا، قبل أن يظهر مروان الشماخ ويعدل النتيجة في آخر الأنفاس، وعند احتكام المباراة للأشواط الإضافية سجل كل من يوسف حجي وجواد الزايري الهدف الثاني والثالث، لينتهي اللقاء بانتصار المنتخب المغربي على جاره بـ3-1 في لقاء حبس الأنفاس وانقبضت معه القلوب.
في مباراة نصف النهائي واجه الأسود منتخب مالي، الذي لم يقوى على مجابهة المنتخب المغربي ليخسر برباعية دون رد من توقيع يوسف المختار الذي سجل هدفين، ثم يوسف حجي ونبيل باها، حينها انطلقت الأفراح واكتظت شوارع المملكة بالمواطنين الذين لم يكبحوا سعادتهم، فقد شاهدوا حلمهم يقترب من أيديهم، تابعوا المنتخب الذي لم ينتظروا منه شيء يصل إلى نهائي الكأس الإفريقية ويفعل ما عجز عنه سلفهم.
رجال الزاكي في النهائي والكأس أمام مرأى المغاربة، الخصم كان منتخب البلد المنظم تونس، الذي نجح هو الآخر في بلوغ الدور النهائي، المهمة صعبة أمام أصحاب الأرض، المباراة عرفت تحفظا من الجانب المغربي وغياب التركيز عكس المنتخب التونسي الذي كان المبادر واستغل هفوات المنتخب الوطني لينتهي اللقاء بخسارة الأسود للمرة الأولى في المنافسة بـ2-1 وينتهي معه حلم الظفر بالكأس الثانية الذي كاد أن يتجسد ويصبح حقيقة.
ذاك الإنجاز وتلك اللحظات السعيدة التي أتت فُجاءة حينما انقطعت الشعرة الأخيرة في حبل الأمل، لذلك كان بلوغ نهائي المنافسة بطعم تحقيق اللقب القاري عند المغاربة، اعتبروا جيل 2004 بداية مسار آخر، توليفة ستكون لبنة منتخب يصبو نحو الدفاع عن ارث السلف وكتابة أسطر أخرى في كتاب تاريخه ومساره، لمستقبل أفضل مما مضى، ولكن ما مضى كان أفضل من الحاضر الذي هو المستقبل حينها، الحاضر محبط والمستقبل بهيم، لتبقى الذكريات رحيمة بمن سئموا الإخفاق، يستحضرونها بحسرة طمعا في تجاوز أحزانهم، على أن يجدوا بعدها شعاع أمل ينسجون معه أحلاما جديدة.