السياسة العقابية المعتمدة في الحد من الجنوح البسيط محور ندوة علمية بالرباط
نظمت جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة، بشراكة مع جمعية حلقة وصل سجن/مجتمع، والشبكة الأورومتوسطية للحقوق، وبدعم من مؤسسات المجتمع المفتوح ندوة علمية حول موضوع “السياسة العقابية المعتمدة في الحد من الجنوح البسيط بين الواقع والخيارات الممكنة”، احتضنتها مدينة الرباط، يومي 30 يونيو وفاتح يوليوز الجاري.
استهلت أشغال اللقاء بكلمات افتتاحية ركزت على السياق العام لتنظيم هذا اللقاء الذي يندرج في إطار تعميق النقاش العمومي حول السياسة العقابية بالمغرب والتي تعاني من عدة اختلالات يترجمها التوجه الردعي لهذه السياسة، والذي عرف تضخما بشكل ملحوظ بحيث أصبحت غالبية القوانين تتضمن نصوصا زجرية، فضلا عن ارتفاع معدلات اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي كآلية أساسية لمواجهة الأفعال الجرمية سواء كانت خطيرة أو بسيطة، وهو ما يدعوا إلى التفكير في إعادة النظر في هذه السياسة العقابية .
وفي هذا الإطار، قدم الدكتور أنس سعدون، عضو نادي القضاة، الخطوط العريضة للمذكرة التي أعدتها الشبكة الأورومتوسطية للحقوق حول مراجعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية بالمغرب، حيث سلط الضوء على اطارها المرجعي المعياري الوطني والدولي، وأشار الى أن محاولة تشخيص منظومة العدالة الجنائية تكشف عن مجموعة من الاختلالات، تتمثل في ظاهرة التضخم التشريعي، وعدم وضوح الإطار المفاهيمي لعدد من الجرائم، وضعف اعتبار مقاربة النوع، وغياب وضع قانوني متكامل للضحايا في منظومة السياسة الجنائية، وسعة هامش السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي الجنائي نتيجة اتساع الفرق بين الحدين الأقصى والأدنى للعقوبة، وضعف آليات تتبع حالة العود الجنائي وتنفيذ العقوبة، فضلا عن ارتفاع المؤشرات المتعلقة بالاعتقال الاحتياطي واللجوء المحدود لإعمال الآليات البديلة للاعتقال.
وأكد أنس سعدون، على أن عددا من الأفعال المجرمة في القانون الجنائي الصادر خلال الستينات أصبحت لا تحدث ذلك الاضطراب الاجتماعي أمام التحولات التي عرفها المجتمع المغربي وعرفتها منظومة التجريم في مختلف بلدان العالم، مما يفرض ضرورة ملاءمة التشريع الحالي مع هذه المستجدات، معتبرا أن أي اصلاح للمنظومة الجنائية ينبغي أن يرتكز على فلسفة جنائية واضحة تراعي المبادئ الكونية وعدم قابليتها للتجزيء، والتي تكفل أساسا تحقيق الكرامة؛ المساواة؛ عدم التمييز؛ الحرية بما فيها حرية الرأي والمعتقد والضمير؛ وحماية الخصوصية، فضلا عن ضرورة تحقيق الالتقائية”.
من جهتها، قدمت المحامية جميلة السيوري، رئيسة جمعية عدالة، عرضا حول أهم خلاصات دراسة منجزة حول العقوبات قصيرة المدة في التشريع الجنائي المغربي، وقالت بهذا الخصوص إن الأرقام الرسمية تكشف أن ما يقارب 50 في المائة من المعتقلين المدانين نهائيا محكومون بعقوبات تقل عن سنتين حبسا، وهي نسبة مرتفعة جدا مقارنة مع المدد الأخرى.
وأوضحت بأن ظاهرة الجنوح البسيط أصبحت تشكل حيزا مهما من حصيلة معدلات الاعتقال، رغم كون العقوبات السجنية قصيرة المدة لم تعد تجدي نفعا في إعادة التأهيل والإصلاح، لكونها غير ملائمة وغير كافية للمؤسسة السجنية لتطبيق برنامجها الإصلاحي أو التهذيبي لصالح السجين.
وتناول الدكتور حسن الرحبة، أستاذ جامعي ومنسق وحدة القانون الجنائي بالمركز الوطني للدراسات القانونية بالرباط، موضوع العقوبات قصيرة المدة بين الإنتاج التشريعي وآليات التنزيل.
كما قدم الدكتور أنوار بوهلال مداخلة حول التنظيم القانوني للعقوبات البديلة الواردة في المشروع الجديد، قال فيها بأنها تتصف بالمحدودية، بحيث تقتصر على الغرامة اليومية والعمل من أجل المنفعة العامة وتقييد بعض الحقوق، في مقابل تشريعات مقارنة أخرى تطرح خيارات أكثر تنوعا أمام القضاء وأمام المتهم، من قبيل الرصد الإلكتروني، داعيا في نهاية مداخلته إلى ضرورة منح القاضي صلاحيات أوسع في اعمال العقوبات البديلة وتحديد مدتها، مع مرافقة ذلك بحملات تحسيسية للعموم للتعريف بهذا النظام الجديد البديل عن العقوبة السجنية.
وتواصلت أشغال الندوة بجلسة ثانية تمحورت حول موضوع السياسة العقابية بين التشريع والتنفيذ في مجال الجنوح البسيط والعقوبات قصيرة المدة، وفي هذا الإطار أكد الدكتور مراد العلمي، ممثل رئاسة النيابة العامة على أهمية فتح نقاش عمومي هادئ وعميق لتحديد مفهوم الجنوح البسيط، معتبرا أن عددا من الجرائم التي قد يعتبرها البعض بسيطة في سياق معين، قد تصبح جرائم خطيرة إذا تمت في سياق آخر كمثال حمل سكين حيث يختلف التكييف بحسب عدة معطيات، مشيرا إلى أن أرقام الاعتقال الاحتياطي في ارتفاع متواصل رغم كل الجهود المبذولة للتقليل من اللجوء إلى هذا الاجراء من قبيل تشجيع الصلح وحفظ القضايا في إطار سلطة الملاءمة وعدم ترتيب آثار العود الجنائي.
في السياق ذاته، أكدت كوثر لشهب ممثلة وزارة العدل، على أن “سياسة التجريم والعقاب يجب أن تسودها العقلنة والتريث”، وأن “عددا من الأفعال أصبحت لا تستوجب التجريم من قبيل جرائم التشرد وعدم أداء واجب الطعام في المطاعم أو ركوب السيارات”، وأن جرائم أخرى و”ان كان البعض يعتبرها لا تشكل خطرا على النظام العام فإن فريقا آخر لا يوافقهم الرأي كما هو الحال في الجرائم المتعلقة بالحريات الفردية كجريمة محاولة زعزعة عقيدة مسلم وجرائم الفساد لكونها تتعلق بالهوية الإسلامية، معتبرة أن الاستمرار في تجريم بعض الجرائم البسيطة ترهق المحاكم، وتؤدي الى اختناق قضائي وبطء في سير الدعاوى والتأثير على جودة الأحكام.
من جهته، دعا حسن حمينة، ممثل المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، إلى ضرورة استحضار الجانب الوجداني عند تطبيق العقوبات قصيرة المدة، متسائلا عن الهدف الحقيقي للعقوبة والذي ينبغي ألا يقتصر على تحقيق الردع العام والخاص وإنما أيضا السعي إلى إعادة ادماج المحكوم عليه، مؤكدا أن العقوبة قصيرة المدة لا تسمح بتحقيق هذا الهدف.
وخلص المشاركون في ختام الندوة الى عدة توصيات أهمها:
– تعديل القانون الجنائي بما يكفل ادماج العقوبات البديلة مع توسيع أنماطها في إطار الاستفادة من التجارب الدولية في هذا المجال؛
– اعتماد لغة حقوقية في مشروع القانون الجنائي تراعي مقاربة النوع الاجتماعي
– تفعيل القضاء الفردي فيما يخص الجنوح البسيط؛
– إعادة النظر في المقتضيات المتعلقة بالسجل العدلي حتى لا يصبح عقوبة إضافية مضافة الى العقوبة السالبة للحرية؛
– تعديل القواعد القانونية المنظمة لإعادة الاعتبار من خلال تقنين رد الاعتبار الاداري؛
– إعادة النظر في القانون المنظم للسجون في إطار مقاربة تشاركية تأخذ بعين الاعتبار المعايير الدولية؛
– اعتماد آلية الاعتراف بالذنب في التشريع الجنائي المغربي؛
– اعتماد اليات التجنيح على المستوى التشريعي والقضائي؛
– تعزيز الشراكة بين المؤسسات والفعاليات المدنية للترافع في قضايا المواطنين ولا سيما في مجال التشريع المتعلق بالجنوح البسيط؛
– انتقال النقاش العمومي الى مستوى التواصل مع الفاعل التشريعي والحكومي.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية