وهبي: مكافحة غسل الأموال رهينة بتبادل التجارب بين الدول
شدّد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، على أن التعاون الدولي في مجال مكافحة غسل الأموال يعد قطب الرحى وحجر الزاوية في أية مواجهة ناجعة وشاملة لهذه الظاهرة المستحدثة.
وفي كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي المنعقد صباح يومه الاثنين 6 يونيو 2023 بقصر المؤتمرات الولجة بالرباط حول موضوع: “تعزيز التعاون القضائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: من أجل مقاربة متكاملة مندمجة للتحقيقات والمتابعات في مجال مكافحة غسل الأموال”، والمستمر حتى 7 يونيو الجاري، قال وزير العدل، إن التقدم العلمي في مجالات التكنولوجيا والثورة الصناعية أدى إلى زيادة التقارب بين الدول نتيجة لتطور وسائل المواصلات والاتصالات.
وأضاف أن هذا التقدم وضع في متناول كل إنسان، صالحا كان أم طالحا؛ الأمر الذي أدى إلى تأثر الفكر الإجرامي به، فترك بصمته الواضحة على عالم الجريمة، حيث أصبحت الجريمة تأخذ منحى أكثر اتساعا وتجاوزت الحدود الداخلية للدول، وانتقلت من المجتمع الداخلي إلى المجتمع الدولي مما أدى إلى ظهور أنماط جديدة منها على جميع المستويات الوطنية والإقليمية والدولية لم تكن معروفة سابقا، على غرار جريمة غسل الأموال التي تفاقمت خطورتها إلى درجة فاقت قدرات الدول على المكافحة الفردية لها، ونظرا لخطورة وتزايد نشاطات عصابات الجريمة المنظمة أصبح التعاون الدولي في مجال مكافحتها يشكل عنصرا هاما في مواجهة هذه الظاهرة والحد منها، خاصة وأن آثار الجريمة المنظمة أصبحت تمس مصالح جميع الدول دون استثناء.
وتابع وهبي، أن التعاون القانوني والقضائي بين الدول يعد إحدى الضرورات اللازمة لمواجهة الأنشطة الإجرامية المستحدثة، على نحو يتكامل مع القوانين الوطنية، حيث لم يعد ينظر إلى التعاون بأنه يخلق السيادة فوق الدول، بقدر ما أصبح يعني التعاون بين سيادات دول مختلفة، تهدف في مجملها إلى تفعيل الإطار القانوني لمواجهة الجريمة بوجه عام، والجريمة العابرة للحدود الوطنية بوجه خاص، وينسجم المفهوم المتقدم للتعاون الدولي أكثر مع ظاهرة غسل الأموال، التي اكتسبت في السنوات الأخير قدرا كبيرا من الأهمية والخطورة نظرا لاقترانها بظاهرتين معاصرتين أخريين، أولهما ظاهرة التقدم العلمي، لا سيما في مجال الانتقال والاتصال ونظم المعلومات، وثانيهما هي ظاهرة العولمة خاصة في جانبها المتعلق بعولمة النظم البنكية والخدمات المالية، وما أفرزته من إمكانيات وتسهيلات غير مسبوقة في هذين المجالين على وجه التحديد.
وأشار وهبي إلى أنه انطلاقا من كون حركة العائدات الجرمية وأنشطة غسل الأموال تجري في معظم الأحول داخل محيط دولي، أو عبر الحدود الوطنية، فإن سبل المواجهة يجب أن تتم أيضا في المحيط الدولي، ومن خلال شبكة مكافحة متكاملة ومتناسقة من الترتيبات والتدابير، والمتابعات القضائية العالمية والإقليمية والثنائية والوطنية، التي تكفل قيام تعاون فعال ومتكافئ بين الدول المعنية، في مختلف مراحل البحث والتحقيق والمحاكمة، وتسليم المجرمين وتنفيذ الأحكام القضائية.
وأكد الوزير أن التعاون الدولي في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال يتحقق من خلال الرقابة المتبادلة ما بين الدول على عمليات تحويل ونقل الأموال والأوراق المالية بين مختلف البلدان، والذي يتم بداية من خلال إرساء قوانين داخلية متلائمة مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال تسمح بذلك ليس فقط من حيث التجريم والعقاب بل حتى من خلال إرساء قواعد استثنائية كعدم الاعتداد بالسر المهني أو البنكي أمام الهيئات المتخصصة في الرقابة المالية أو البنكية.
وقال وهبي إن وزارة العدل تولي في هذا الإطار، لموضوع مكافحة جريمة غسل الأموال أهمية كبرى ضمن استراتيجيتها سواء في إطار التوجهات العامة المعتمدة في مجال السياسة الجنائية، أو على مستوى مواكبة هذه الأخيرة لباقي توجهات السياسية العمومية للدولة في مجال مكافحة الجريمة المنظمة، ذلك أن المواجهة الشاملة لهذه الجريمة تستدعي بالضرورة وجود مؤسسات فعالة وقوانين ملائمة وإصلاحات إجرائية دقيقة وذلك وفق منهجية تشاركية متميزة مع جميع الفاعلين، ومقاربة تنطلق من المكتسبات التي حققها المغرب في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك باستثمار التراكمات والإنجازات التي تحققت، والوقوف على العوائق والإخفاقات والنواقص التي طبعت المرحلة السابقة لمعالجتها وتجاوزها.
وقد استطاعت المملكة المغربية بفضل جهود العديد من المؤسسات والفاعلين الوطنيين ونتيجة احتكاكها مع تجارب اجنبية في بناء نموذج متميز للتعاون القانوني والقضائي الدولي سواء مع محيطه العربي والافريقي أو مع دول الاتحاد الأوروبي وباقي دول العالم، سواء من حيث انخراطها في الممارسات الاتفاقية الدولية ذات الصلة بمكافحة الجريمة خاصة المنظمة أو من خلال تفاعلها مع الآليات الدولية زيادة على ابرامها ما يفوق 80 اتفاقية ثنائية في مجال التعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي واعتماد مؤسسة قضاة الاتصال بالعديد من الدول الاوربية و خلق لجن مشتركة ثنائية ومتعددة لتعزيز مجالات التعاون وتأهيل منظومتها القانونية الوطنية باليات جديدة ومستحدثة، ولعل الإحصائيات المسجلة على مستوى الممارسة تعزز ذلك، بحسب تعبير وهبي.
وخلص وزير العدل إلى التأكيد على أن المواجهة الحاسمة لجريمة غسل الأموال لن تتأتى إلا من خلال تبادل التجارب بين الدول وربط أواصر التعاون بين مختلف السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية بهدف توحيد المساطر والإجراءات التي تسهل رصد وتتبع ومصادرة حركة الأموال غير المشروعة، في إطار مقاربة تشاركية بناءة بهدف إرساء تعاون إقليمي أكثر نجاعة من أجل تطويق هذه الجريمة العابرة للحدود مما سيساهم لا محالة في دفع عجلة التنمية في مختلف القطاعات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية