هل المغرب في حاجة لحكومة إنقاذ وطنية في عز أزمة “كورونا” ؟

كثر الحديث خلال الأيام الأخيرة داخل “الصالونات” السياسية عن دعوة إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لحكومة إنقاذ وطنية تضم جميع الأحزاب السياسية، بداية من فترة الجائحة إلى نهاية الولاية التشريعية الحالية، التي تنتهي قانونا بانتخابات برلمانية تجرى مبدئيا السنة المقبلة.

هذه الدعوة أثارت حفيظة عدد من القيادات السياسية والمتتبعين للشأن العام، لاسيما وأن سياقها مختلف، ذلك أن لشكر استغل ما تمر به البلاد من فترة دقيقة لطرح هذه الفكرة، في الوقت الذي ذهب فيه محللون سياسيون لحكومة “تكنوقراط” وهذا يعد امتدادا لما طرحه لشكر، فالفرق بين الفكرتين، أن الأولى تعتمد فقط على التكنوقراط وهو شخصيات تتوفر على تكوين علمي وأكاديمي ولم يسبق لها ممارسة العمل السياسي، ثم تشرف على قطاع وزاري أو تترأس الحكومة وتصبح في منصب سياسي. بينما الثانية التي طرحها لشكر، فهي حكومة مكونة من جميع الأحزاب الممثلة داخل البرلمان، وهذا ما يزيل “المعارضة” من الخريطة السياسية ببلادنا، بل يفرغ الدستور من محتواه لاسيما الفصل العاشر منه.

التاريخ القريب، يتذكر أن إدريس لشكر وهو أحد أبناء الخيار الديموقراطي الذي أسسه عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي سنة 1975، سبق أن قال في برنامج تلفزيوني “حتا نحن معارضة جلالة الملك” وذلك في معرض رده على نبيل بن عبد الله، عندما قال أننا “حكومة جلالة الملك” ،هذا ما يعني أن نوايا لشكر في إقبار الخيار الديموقراطي كانت قبل سنوات خلت.

حكومة إنقاذ وطنية، تعني بالأساس أن لا صوت معارضة داخل البرلمان، ولو أن المعارضة الحالية وطريقة ممارستها تشوبها عدد من الملاحظات، ذلك أن المعارضة التي شهدها المغرب منذ الاستقلال إلى حين حكومة التناوب التوافقي قد تغيرت بشكل كامل، وأصبحت إن صح التعبير “مساهمة نقدية للحكومة من طرف أحزاب لا تشارك في تركيبتها”.

الجيل الحالي لا يتذكر ربما كيف كانت الكتلة تمارس معارضتها بقيادة عبد الرحمان اليوسفي، علي يعتة، امحمد بوستة و بنسعيد أيت يدر، وهم “مؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”

المعارضة الحالية وإن كانت أقل قوة من سابقتها (2011-2016) فإنها تفتقد لكثير من المميزات، رغم أن هناك من قياداتها لها باع طويل في العمل السياسي، وتتميز بخصال النبل والقيم السياسية المثلى، إلا أن الإجماع الذي أصبحنا نعيشه اليوم وهذا ظهر في مواقف متعددة مثلا التصويت على قوانين مصيرية مثل القانون إطار الذي تم التصويت على مقتضياته بالإجماع مع امتناع فريقين، وهناك توجه للتصويت بإجماع البرلمان على مشروع القانون الجنائي الذي يراوح مكانه داخل ردهات الغرفة الأولى، وهذا ما يعني أن حس المعارضة تم فقدانه.

ورغم كل هذا، وما يعيشه البرلمان يوميا من شبه إجماع وهو ما يخالف الأعراف الديموقراطية المعمول بها في أعرق البرلمانات العالمية، إلا أن هذا لا يسمح اليوم بضرورة التفكير في حكومة إنقاذ وطنية، وأن يصبح البلد يتنفس برئة واحدة.

فالتاريخ يتذكر جيدا أن سنة 1965 عاش المغرب حالة الاستثناء، وتم تجميع عمل جميع المؤسسات السياسية، وهو ما ضيع على البلاد خمس سنوات من عمرها، فكيف يمكن أن نضيع اليوم سنة أو سنتين من العمل السياسي بحكومة ليس لها معارضة، رغم ما يقيل من أن النقاش “ميت” ولا يوجد نفس سياسي، لكن هذا النفس لا يجب قتله بحكومة تضم جميع الأحزاب والفرقاء.

وإن كانت فكرة لشكر لم تطرح كيف سيتم تدبير هذه الحكومة، ومن سيترأسها، فإن هناك من ذهب أو عاد لما كانت عليه البلاد سنة 2002، بتعيين تكنوقراطي على رأس الحكومة، الشيء الذي يحيل إلى الانقلاب على المنهجية الديموقراطية التي دافعت عنها المعارضة، وتم الانتصار لها في تجربة التناوب التوافقي قبل الانقلاب عليها في حكومة إدريس جطو، هذا الخيار الغير ديموقراطي لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يسير بالبلاد للأمام، وهو بمتابة السكتة القلبية للحياة السياسية، فالعمل بدون معارضة، والانقلاب الثاني على المنهجية الديموقراطية لا يمكن وصفه إلا بالتراجع الخطير الذي يمس بدستور 2011 وبنضالات شخصيات وطنية، رحلت عنا من بينها شخصية عبد الرحمان اليوسفي الذي كان مدافعا شرسا عن المنهجية الديموقراطية حتى في أخر أيام حياته التي اختار للصمت عنوان لها.

خلاصة القول، حكومة انقاد وطنية كما دعا لها لشكر، أو حكومة “تكنوقراطية” كما ذهبت في ذلك تحليلات أخرى، أو انقلاب عن المنهجية الديموقراطية، كلها أشياء ستعيق من الانتقال الديموقراطي وستعود بالمغرب إلى سنوات خالية، رغم أن المعارضة تعيش إعاقة سياسية، فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أو شكل من الأشكال الإجهاز عن كل هذه المكتسبات في ظرفية تحتاج الرأي والرأي الأخر، تحتاج الأغلبية والمعارضة، تحتاج الديموقراطية، ولا تحتاج السطو على سلطة القانون والدستور ولاسيما الفصل 47 منه…


“إسكوبار الصحراء”.. قرار محكمة البيضاء في حق الناصري وبعيوي

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى