في لقاء سري .. حينما كانت البوليساريو مستعدة لبحث قيام حكم ذاتي في الصحراء
كل شيء تم في لقاء سري في منتصف غشت سنة 1996، حينما استطاع «إيريك جونسون » الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء بين سنتي 1993 و1998، من عقد لقاء غير مسبوق جمع بين إدريس البصري، وزير داخلية الملك الراحل، وبشير مصطفى السيد الرجل الثاني في جبهة البوليسhريو التي كان يتزعمها محمد عبد العزيز.
لم يكن سهلا على “إيريك جونسون” أن يجمع إدريس البصري بالرجل الثاني في البوليساريو، وإذا كان بشير مصطفى السيد قد حصل على الضوء الأخضر من قبل الجزائر لحضور اللقاء، فإن “جونسون” كان يعرف أن إدريس البصري حصل هو الآخر على الضوء الأخضر تفويض من لدن الحسن الثاني.
وفي الوقت الذي اشترط إدريس البصري أن يكون اللقاء سريا، وإلا سينفي المغرب جملة وتفصيلا أي أخبار عن اللقاء، اشترط بشير مصطفى السيد استبعاد قيادات البوليساريو من العائدين إلى المغرب.
ويكشف “جونسون” أن الذي ساعده على عقد لقاء تاريخي بين البصري ومصطفى السيد، حجم العلاقات التي كونها مع الشخصيات والمسؤولين في المنطقة، خاصة وأنه لم يكن ممثلا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة فقط، والذي لم يكن سوى بطرس بطرس غالي، وإنما أيضا رئيسا لبعثة المينورسو بالمنطقة التي كان كثير التردد عليها.
لقد كان « جونسون » مقتنعا أن كل التسويات المتواترة لن تمكن من حل النزاع، وكان مقتنعا أكثر أن الحل يمكن في تقريب وجهات النظر المتناقضة بين الطرفين، لكنه لم يخفي أنه إذا كانت البوليساريو متحمسة للقاء المباشر، فإن الطرف المغربي لم يقتنع بفكرة الجلوس في طاولة واحدة مع قيادات البوليساريو بسهولة، لكن القاعدة التي اهتدى إليها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ساعدت في عقد اللقاء وهي إيجاد حل وسط .. لا هو اندماج تام ولا انفصال تام.
تم اللقاء، وتم بطريقة سرية، في منتصف شهر غشت من سنة 1996، وترأسه عن الجانب المغربي إدريس البصري، الذي كان رفقة مستشارين له ضمنهما محمد عزمي، بينما ترأس وفد البوليساريو البشير مصطفى السيد، الذي كان أيضا مرفوقا بمستشارين، وكانت من أهم خلاصاته عقد لقاء ثاني شريطة أن يكون على مستوى عال، وهو ما تم حيث ترأس الجانب المغربي الأمير سيدي محمد، ولي العهد، فيما ترأس وفد البوليساريو البشير مصطفى السيد، إلى جانب إبراهيم غالي، الذي كان حينها وزير الدفاع، ومحفوظ علي بيبا، رئيس وزراء الجبهة، ومحمد خداد، المنسق مع بعثة المينورسو.
وإذا لم يتمخض عن لقاءي جنيف والرباط أي تقدم كبير، إلا أنهما شكلا محطتين هامتين، كانت ستليهما لقاءات أخرى لولا تزامن الظرفية مع انتخابات الأمين العام للأمم المتحدة، حيث يؤكد “إيريك جونسون” في حوار هام مع “الشرق الأوسط” أن اللقاءين فاجأ كل المتتبعين لقضية الصحراء بمن فيهم بطرس بطرس غالي الذي لم يتمكن من الفوز بولاية ثانية، بعدما اعترض عليه الأمريكيون
ويرد « جونسون » على السؤال الهام: «لقد طرحتم على طرفي النزاع فكرة إقامة حكم ذاتي في الصحراء، وأن الطرفين وافقا على ذلك، فهل استجابت جبهة البوليساريو والمغرب بسهولة لفكرتكم؟»، فكان الجواب دقيقا: «تبعا لما كنت أتحدث عنه، أود القول إنه في تلك الأثناء بدت جبهة البوليساريو أكثر استعدادا للبحث بجدية إمكانية قيام حكم ذاتي في الصحراء. لا توجد لدي وثائق بشأن ذلك، ولكن محمد عبد العزيز أمين عام جبهة البوليساريو قال فيما بعد إن ذلك كان صحيحا، وهذا ما أكده لي أيضا البشير مصطفى السيد. وبالنسبة للمغرب، قال لي إدريس البصري إنه مستعد لنقاش ذلك. لكنني رأيته يصرح بعد لجوئه إلى منفاه الباريسي عقب إعفائه من وزارة الداخلية بأنه كان شخصيا ضد الحكم الذاتي بنسبة 100 في المائة. هذا مع العلم أن الملك الراحل الحسن الثاني بدأ بعد تلك الفترة في التفكير بجد في الأمر، وأبلغ بذلك روبرت زوليك، مساعد وزير الخارجية الأميركي، كما أنه سبق له أن تحدث في حوار صحافي أدلى به عام 1992 عن النموذج الفيدرالي الألماني، وإمكانية تطبيقه، ولكن في الأخير تمت إضاعة الفرصة، وبالتالي فإن ما وقع كان في الحقيقة تغييرا كبيرا في المواقف».