عبيس والنقر يكتبان: “احتمال تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في ظل تصاعد دينامية جيل Z

محمد عبيس وعبد السلام النقر: باحثان في العمل البرلماني والصياغة التشريعية

“احتمال تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في ظل تصاعد دينامية جيل Z والاحتقان الاجتماعي: قراءة في حدود التأويل الدستوري ومآلات المشهد السياسي المغربي”

يأتي التأكيد على احترام الأجندة الانتخابية العادية في ظل سياق سياسي واجتماعي بالغ الدقة، يتسم بتنامي الغضب الشعبي تجاه الأداء الحكومي في عدد من القطاعات، لا سيما الصحة، والتعليم؛ وهو ما أدى إلى احتجاجات شملت مختلف جهات المملكة. فيما سمي بالجيل z، هذا الواقع الاجتماعي المتأزم تزامن مع تصاعد النقاش المؤسساتي حول مستقبل الحكومة، خاصة بعد محاولة تقديم ملتمس رقابة داخل البرلمان خلال هذه السنة التشريعية الحالية، مما زاد من حدة التوتر السياسي القائم. وفي ظل هذه الظروف، يصبح من المشروع التساؤل حول مدى استعداد الدولة للانخراط في تغيير سياسي مبكر، أو التمسك بالمسار الدستوري العادي، خاصة في ظل ترقب الخطاب الملكي المرتقب بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادي عشر، وما قد يحمله من رسائل حاسمة بشأن المرحلة المقبلة.

وفي خضم هذا التوازن الدقيق بين منطق الشرعية الدستورية ومتطلبات الاستجابة للتحولات الاجتماعية، تبرز أهمية الخطاب الملكي الأخير… “ونحن على بعد سنة تقريبا، من إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة، في موعدها الدستوري والقانوني العادي، نؤكد على ضرورة توفير المنظومة العامة، المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية. وفي هذا الإطار، أعطينا توجيهاتنا السامية لوزير الداخلية، من أجل الإعداد الجيد، للانتخابات التشريعية المقبلة، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين..”، كان هذا مقتطف من الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش المجيد بتاريخ 30 يوليوز 2025.

هل السياق الراهن يبرر تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها؟ وما حدود التأويل الدستوري في ذلك؟ وما دور جيل Z والمشاورات السياسية في إعادة تشكيل التوازن السياسي؟

أولا: إلى أي مدى يمكن اعتبار السياق الاجتماعي الراهن، المتسم بالاحتجاجات المتزايدة على تدبير الشأن العام، مبررا قانونيا وسياسيا لتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها؟
إن الدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها تظل مسألة دقيقة تدار ضمن توازنات دستورية وسياسية محددة، لا تنفصل عن السياق الاجتماعي العام الذي تمر به الدولة.

وفي الحالة المغربية، يبرز هذا النقاش على خلفية احتجاجات اجتماعية متصاعدة، بسبب ما ينظر إليه على أنه تدبير غير ناجع لقطاعات حيوية كالصحة، والتعليم، والتشغيل. هذه الاحتجاجات، التي شملت مختلف جهات المملكة، أعادت إلى الواجهة تساؤلات مشروعة حول مدى مشروعية استمرار المؤسسات التمثيلية في أداء مهامها في ظل تراجع منسوب الثقة العامة.

لكن، من الناحية القانونية، لا يمكن اعتبار هذه الاحتجاجات، في حد ذاتها، مبررا كافيا لتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، ما لم تستوف الشروط الدستورية والإجرائية المحددة لذلك. فالدستور المغربي لسنة 2011، في فصله 96، يمنح للملك صلاحية حل مجلس النواب، بعد استشارة رئيس المجلس ورئيس الحكومة، ورئيس المحكمة الدستورية، وذلك دون الإشارة إلى “الاحتجاجات” كسبب مباشر، وإنما في إطار “الصلاحيات التقديرية” المرتبطة بالسياق العام للبلاد.

وفي المقابل، نجد أن الخطاب الملكي المؤرخ بـ 30 يوليوز 2025، بمناسبة عيد العرش، جاء حاسما في التأكيد على ضرورة احترام الأجل الدستوري العادي لإجراء الانتخابات التشريعية، هذا التأكيد يعكس إرادة ملكية واضحة في احترام الاستحقاقات الدستورية العادية، بدل الانجرار نحو سيناريوهات استثنائية قد تفهم كتنازلات تحت الضغط الاجتماعي، وهو ما قد يضعف هيبة المؤسسات واستقرارها.

وعليه؛ رغم أن السياق الاجتماعي المتأزم يشكل ضغطا قويا على النظام السياسي، فإنه لا يعد في حد ذاته مبررا قانونيا لتنظيم انتخابات سابقة لأوانها. غير أن تطورات هذا السياق، إذا ما أدت إلى أزمة سياسية أو مؤسساتية (كفقدان الحكومة للأغلبية، أو تدهور الثقة في البرلمان)، فإن الدستور المغربي يتيح إمكانية اللجوء إلى هذا الخيار، وفق مساطر دقيقة وتحت إشراف المؤسسة الملكية. وبالتالي، فإن الشرعية الدستورية تظل مقدمة على الاستجابة الفورية للضغوط الاجتماعية، إلا إذا تحوّلت هذه الأخيرة إلى معطى سياسي مؤطر داخل المؤسسات.

ثالثا: ما الدور المنتظر من المشاورات السياسية المرتقبة، كما ورد في الخطاب الملكي، في تهدئة الأوضاع أو إعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات، وهل يمكن أن تفضي إلى توافق حول تعديل الأجندة الانتخابية؟

ففي الآونة الأخيرة، برزت مطالب متزايدة من فئة الشباب، خاصة من جيل “Z”، تدعو إلى إقالة جماعية للحكومة من طرف جلالة الملك، وهو توجه يتعارض مع المسار الدستوري الذي رسمه الخطاب الملكي الرسمي. وقد أثار هذا المطلب نقاشًا عموميًا واسعا حول مدى صلاحية الملك في إقالة الحكومة الحالية برئاسة عزيز أخنوش، على غرار ما حدث سنة 2017 حين قرر الملك إعفاء السيد عبد الإله بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة بعد مرور أكثر من ستة أشهر على تعيينه رئيسا لها مكلف بتشكيلها، دون أن يتمكن من تشكيلها.

وقد انقسمت الآراء الفقهية والسياسية بين مؤيد ومعارض لفكرة إمكانية إقالة رئيس الحكومة من طرف الملك. الرأي الأول يستند إلى مقتضيات الفصل 47 من دستور 2011، الذي ينص على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر نتائج الانتخابات التشريعية الخاصة بمجلس النواب، ويعين أعضاء الحكومة بناء على اقتراح من رئيسها، كما يمنح هذا الفصل لرئيس الحكومة صلاحية طلب إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة. غير أن النقطة المثيرة للجدل تكمن في ربط استمرارية الحكومة باستمرارية رئيسها، وهو ما يُعد تطورا دستوريا هاما مقارنة مع دستور 1996 وما قبله، حيث كان أعضاء الحكومة يعينون بظهير شريف دون أن تكون هناك علاقة عضوية بين استمرار الحكومة واستمرار الوزير الأول في منصبه. ففي حال حدوث خلل في الأغلبية الحكومية، لم يكن للوزير الأول سلطة فعلية على باقي الوزراء. أما دستور 2011، فقد جاء ليكرس موقعا أكثر قوة لرئيس الحكومة داخل النسق الدستوري والسياسي المغربي.

أما الرأي الثاني، فيذهب إلى أن الملك، وفقًا لدستور 2011، لا يملك صلاحية إقالة الحكومة بشكل مباشر، إلا في حالة تقديم رئيسها لاستقالته. ومع ذلك، فإن الفصل 51 من الدستور يمنح الملك صلاحية رقابية غير مباشرة على الحكومة، من خلال آلية حل مجلس النواب أو أحد مجلسي البرلمان، وذلك بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار كل من رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان. وبموجب هذه الآلية، فإن حل مجلس النواب يؤدي عمليا إلى سقوط المشروعية السياسية للحكومة، باعتبار أن هذه الأخيرة تستمد شرعيتها من الأغلبية البرلمانية المنبقة من مجلس النواب وفقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 47 والفصل 88 من دستور 2011.

وبالرجوع إلى الفصول المنظمة لهذه الآلية، يتضح أن حل مجلس النواب يتم بعد توجيه خطاب من طرف جلالة الملك إلى الأمة. وقد تزامن ذلك مع احتجاجات فئة من الشباب، خاصة جيل “Z”، ومع افتتاح الدورة التشريعية لشهر أكتوبر، التي تُعقد في الجمعة الثانية منه من كل سنة تشريعية، وفقًا لمقتضيات الفصل 65 من دستور 2011.

وعليه، يطرح التساؤل حول ما إذا كان خطاب جلالة الملك خلال افتتاح دورة أكتوبر من السنة التشريعية الأخيرة للولاية الحادية عشرة يعد بمثابة تمهيد سياسي سابق لقرار الحل، يليه توقيع ظهير حل مجلس النواب، ومن ثم إقالة الحكومة بطريقة غير مباشرة من طرف الملك.

وفي ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، فإن اللجوء إلى مثل هذا التمرين الدستوري قد يُسهم في إعادة ضبط إيقاع الديمقراطية التمثيلية، وفقا لأحكام الوثيقة الدستورية. ويترتب على حل مجلس النواب تنظيم انتخابات سابقة لأوانها داخل أجل لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل، وذلك وفقًا لمقتضيات الفصل 97 من دستور 2011.

في ضوء ما سبق من تحليل دستوري وسياسي، يتبين أن احتمال الذهاب نحو انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، رغم مشروعيته السياسية في ظل تصاعد الاحتقان الاجتماعي، لا يستند إلى مبررات قانونية مباشرة، إلا في حالة تحقق أزمة مؤسساتية واضحة المعالم، كفقدان الحكومة لأغلبيتها أو عجزها عن أداء مهامها الدستورية. كما أن تدخل جيل Z كفاعل احتجاجي غير تقليدي، وإن كان مؤثرا في توجيه الرأي العام، فإنه لا يحل محل المساطر الدستورية المنظمة لإنتاج التغيير السياسي.

وفي المقابل، فإن تمسك الخطاب الملكي باحترام الأجندة الانتخابية الدستورية، مقرونا بالدعوة إلى المشاورات السياسية، يعكس إرادة مزدوجة: أولا، الحفاظ على استقرار المؤسسات؛ وثانيا، فتح الباب أمام معالجة هادئة ومسؤولة لمطالب الشارع داخل الإطار الدستوري. لذلك، فإن أي تعديل محتمل في الخارطة السياسية لا يمكن أن يتم إلا عبر أدوات الشرعية، وفي مقدمتها المشاورات، التوافقات الوطنية، أو تطبيق مقتضيات الحل المنصوص عليها في الفصل 96 من الدستور، مع ما يرتبط بها من إجراءات انتخابية لاحقة وفقا للفصل 97.

وبذلك، فإن الرهان الحقيقي لا يكمُن في تسريع أو تأجيل الاستحقاقات، بل في إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، عبر مساءلة جدية للأداء الحكومي، وتجديد النخب، وتفعيل الآليات الرقابية الدستورية، في انسجام تام مع روح دستور 2011، وأولويّات المرحلة المقبلة.


صدمة جديدة لزياش مع اقتراب “الكان”

whatsapp تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب






انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية




زر الذهاب إلى الأعلى