حينما كان إدريس البصري يتجسس على عبد الرحمان اليوسفي
عندما اقترح الملك الراحل الحسن الثاني، الاحتفاظ بإدريس البصري وزيرا للداخلية في حكومة التناوب التوافقي لأن مجلس الأمن كان ينوي إجراء الاستفتاء في الأقاليم الجنوبية، سنة 1998، ولكونه كان ماسكا بهذا الملف لأزيد من 15 سنة، فضل عبد الرحمان اليوسفي أن يكون ضمن الطاقم الحكومي، بدل أن يلتحق بالديوان الملكي، ويصبح آنذاك في موقع لن يتردد في استغلاله من أجل وضع عراقيل من شأنها تعقيد طرق الاتصال بالملك، وبالتالي عرقلة النشاط الحكومي، على نحو ما جاء في جزء من مذكرات عبد الرحمان اليوسفي «أحاديث في ما جرى».
كان قرار اليوسفي بإبقاء البصري داخل التشكيلة الحكومية، يمنحه فرصا أكثر لمواجهة أي محاولة من شأنها التأثير على البرنامج الحكومي. وهذا ما حصل فعلا، بحيث لم يعد يقوم ادريس البصري، حسب اليوسفي دائما، بنفس الدور الأساسي والرئيسي الذي كان يعتقد أنه الوحيد القادر على إنجازه.
ويكشف اليوسفي عن إحدى المعلومات الدقيقة، حينما قال إن الوزير الأول في التجارب الحكومية السابقة لم يكون يتجرأ على افتتاح أشغال أي مجلس حكومي إلا بعد حضور وزير الدولة في الداخلية، وكان يسري نفس الأمر في المجالس الأخرى، كالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي كان عضوا فيه، كانوا ينتظرونه، بالساعات إلى حين وصوله لافتتاح أشغال الجلسة.
ورغم التعليمات التي أصدِرت إليه من طرف الملك الحسن الثاني رحمه الله، بعد تعييني وزيرا أولا، يسترسل اليوسفي، بواجب الدعم من أجل إنجاح هذه التجربة، إلا أنه وكما يقال، الطبع يغلب التطبع.
وعندما بَدَأ عبد الرحمان اليوسفي الاستشارات الأولى لتكوين حكومة التناوب التوافقي وفَّر له الإخوان في الحزب شقة في حي أكدال بالرباط، لعقد اللقاءات الأولى المتعلقة بالمشاورات. بعد ذلك بمدة، سرعان ما سيكتشف، أنه تم زرع أجهزة للتجسس وأخرى لتسجيل محتوى هذه المشاورات داخل الشقة، وبالنتيجة تم التخلي عنها واللجوء إلى أماكن أخرى متعددة لنفس الغرض.
كانت المعركة حول الإعلام من أشرس المعارك التي تمت فيها المواجهة مع البصري، وقد عانى المرحوم محمد العربي المساري من جراء ذلك، لدرجة أنه قدم لليوسفي استقالته مرتين، وقد تراجع عنهما بعد النقاش معه، « وقد حاولت حثه على الاستمرار في مواجهة جيوب المقاومة، لأننا لم نأت من أجل المناصب، بل جئنا من أجل الإصلاح، وهو أمر جد صعب ومساره وعر ويتطلب جهدا وصبرا لا ينضبان.
وأضاف أن هذه المعارك عشناها من موقع المعارضة، أما الآن، ونحن في موقع المسؤولية، فإنه من المفروض علينا أن نضاعف الجهد وألا نستسلم. وبعد أخذ وردّ، استطعنا في الأخير في المجال السمعي البصري أن نضع حدا لاحتكار الدولة لهذا القطاع منذ 1924 وقد تحقق تحريره بعدما صدر ظهير تشكيل الهيئة العليا ومختلف المشاريع والقوانين التي تلت تدبير الإذاعة والتلفزة من خلال عدة أوراش. ليتم تحرير الإعلام من هيمنة ما كان يطلق عليه “أم الوزارات”.
كان هذا في عهد الحسن الثاني، وفي عهد محمد السادس، وحينما قرر الملك وضع حد لاستمرار وزير الدولة في الداخلية، ادريس البصري، على رأس هذه الوزارة يوم 9 نونبر 1999، لم يكن عبد الرحمان اليوسفي متواجدا في المغرب، لأنه كان يشارك في مؤتمر الأممية الاشتراكية المنعقد بمدينة باريس.
يوم 7 نوفمبر 1999، جاء عنده إلى مقر إنعقاد المؤتمر رفيق دربه عباس بودرقة، وأخبره أنه تلقى مكالمة هاتفية من طرف محمد الحليمي، طالبا إخباره بفتح هاتفه النقال، لأن الملك يرغب في الحديث معه، مضيفا :«وبالفعل اتصل بي صاحب الجلالة وأحاطني علما بقرار الإقالة الذي اتخذه ».
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية