تفاصيل القسم على القرآن الكريم بين الملك الراحل الحسن الثاني وعبد الرحمان اليوسفي
هي من بين أقوى اللحظات التي بصمت مشوار الفقيد عبد الرحمان اليوسفي في العلاقة مع الملك الراحل، وعلى نحو ما رواه في مذكراته «أحاديث في ما جرى»، قد سبق اللقاء التاريخي بين الملك الراحل الحسن الثاني وعبد الرحمان اليوسفي في الرابع من شهر فبراير 1998، وهو لقاء التعيين وزيرا أولا، ترتيبات أخرى.
كانت البداية بالاتصال الذي تم من قبل إدريس جطو الذي كان حينها وزيرا للمالية: «بداية 1998، اتصل بي وزير المالية آنذاك السيد إدريس جطو، وأخبرني أن صاحب الجلالة الحسن الثاني هو الذي كلفه بلقائي، وأنه جاء بعد العرض الذي قدمه السيد جطو لجلالته حول الأوضاع الاقتصادية الراهنة للمغرب وآفاق المستقبل التي تنتظر بلادنا، وأمره جلالته أن يعرض عليه نفس العرض لنناقشه معا. ولقد دام ذلك اللقاء حوالي أربع ساعات استمعت فيها إلى عرض السيد الوزير الذي ملخصه، أنه بالرغم من الصعوبات الاقتصادية، فإن المغرب يمكنه الخروج بسلام إذا اتخذ العديد من الإجراءات الضرورية للنهوض الاقتصادي والاجتماعي».
في نفس اللقاء أخبر جطو اليوسفي أن الملك اضطر لإلغاء مسلسل التناوب الذي أطلق سنة 1994، لإيمانه بأن التناوب الحقيقي لا يمكن أن يكون إلا مع من كانوا في المعارضة طيلة العقود الماضية، وبالضبط مع شخص عبد الرحمان اليوسفي.
في الرابع من فبراير 1998، وقد كان يوم أربعاء، استقبل الملك اليوسفي بالقصر الملكي بالرباط : «إنني أقدر فيك كفاءتك وإخلاصك، وأعرف جيدا، منذ الاستقلال أنك لا تركض وراء المناصب بل تنفر منها باستمرار. ولكننا مقبلون جميعا على مرحلة تتطلب بذل الكثير من الجهد والعطاء من أجل الدفع ببلادنا إلى الأمام، حتى نكون مستعدين لولوج القرن الواحد والعشرين».
وأضاف الملك في نفس اللقاء على نحو ما كشفه اليوسفي في نفس المذكرات:«أنا على استعداد أن أضمن لك الأغلبية لمدة أربع سنوات، ولك أن تختار فريقك الحكومي كما تشاء. غير أنه ونظرا لأن مجلس الأمن اتخذ قرارا بإجراء استفتاء في الصحراء قبل نهاية هذه السنة (أي 1998)، فإننا في هذه الحالة سنكون في حاجة لخبرة وزير الداخلية الحالي إدريس البصري، الذي أشرف على إدارة ملف أقاليمنا الجنوبية منذ خمس عشرة سنة، كما سأطلب من رئيس الحكومة الحالي السيد الفيلالي أن يتولى وزارة الشؤون الخارجية التي أشرف عليها منذ سنوات لنفس الأسباب، أما باقي الوزراء فأنا أنتظر اقتراحاتك ».
رحب اليوسفي ببقاء الوزيرين المذكورين. علما أن الملك لم يثر مع وزيره الأول ما اصطلح عليه بوزراء السيادة، فاستقر رأي اليوسفي، على اقتراح استمرار عمر عزيمان وزيرا للعدل والمرحوم العلوي المدغري وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية.
شكر اليوسفي الملك على هذه الثقة وأكد له استعداده لتحمل هذه المسؤولية، في نفس الوقت الذي طلب الملك من اليوسفي أخذ الوقت الكافي لتشكيل الحكومة، معبرا له عن استعداده للقاء معه كلما دعت الضرورة إلى ذلك:«وقبل وداعه ونحن واقفان في مكتبه، اقترح علي جلالته أن نلتزم معا أمام القرآن الكريم الموجود على مكتبه ، “على أن نعمل معا لمصلحة البلاد وأن نقدم الدعم لبعضنا بعضا”، وتلا هذه العبارات ورددتها بعده، وكان هذا القسم بمثابة عهد التزمنا به لخدمة البلاد والعباد، بكل تفان وإخلاص. كان قسما فعليا، شأن التعاضد سويا لفائدة حاضر ومستقبل المغرب. أما القسم الرسمي بروتوكوليا كما تقتضيه تقاليد التنصيب الرسمي، فقد أديته يوم التنصيب مع الوزراء الجدد».
عند خروجه من مكتب الملك، التقى في بهو القصر إدريس جطو الذي كان آنذاك وزيرا للمالية، وكان أول المهنئين .