بنعبد القادر: انخراط المغرب في منظومة القانون الدولي الإنساني التزام مبدئي
أكد وزير العدل، محمد بنعبد القادر، اليوم الخميس بالرباط، أن انخراط المملكة المغربية في منظومة القانون الدولي الإنساني يعد انخراطا مبدئيا يقتضيه إيمان المملكة العميق بالقيم الإنسانية المشتركة التي تتقاسمها مع كل الأمم المتحضرة، التي تعلي من شأن الإنسان، وترعى حقوقه في زمن السلم والحرب، وتسعى إلى خلق عالم يتبنى ثقافة السلم والسلام.
وأبرز بنعبد القادر، في كلمة خلال المائدة المستديرة المغربية القطرية حول “القانون الدولي الإنساني وآليات الملاءمة التشريعية”، المنظمة بمناسبة مرور سبعين سنة على اتفاقيات جنيف، أن هذا الإيمان يتجسد في مصادقة المملكة على 15 اتفاقية وبروتوكولا، وتوقيعها على اتفاقيتين، وكلها نصوص تؤطر القانون الدولي الإنساني.
وأشار، خلال اللقاء الذي تنظمه اللجنتان الوطنيتان للقانون الدولي الإنساني المغربية والقطرية، إلى التنصيص على أهمية القانون الدولي الإنساني في ديباجة دستور المملكة، والذي كرس “حماية منظومة حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء”.
وسجل، في هذا الصدد، أن هذا التنصيص، الذي منح أحكام القانون الدولي مكانة اعتبارية خاصة بحكم تضمينها في أسمى قانون بالمملكة، مكن من آليات ملموسة لتطبيقها على أرض الواقع من خلال إعمال مبدإ المواءمة التشريعية، حيث تمت في هذا الإطار مواءمة المنظومة الجنائية المغربية مع مقتضيات نظام روما المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية.
واعتبر أن تطبيق القانون الدولي الإنساني على المستوى الوطني ليس مجرد نقل لمقتضيات زجرية وإقحامها في القوانين الجنائية الوطنية، بل بناء للعقل الواعي بأهمية هذا القانون، ونشر لمبادئه بين جميع الفئات التي يتصور انخراطها في نزاع مسلح، أو التي يحتمل توليها الفصل في القضايا، أو الترافع عن الضحايا أو المتهمين، أو تغطية أخبار النزاعات المسلحة.
وبعد أن سجل بنعبد القادر أن مرور سبعين سنة على وضع اتفاقيات جنيف الأربع يسائل عن الإخفاقات التي يتعين بذل المزيد من الجهد لتجاوزها والتغلب على عقباتها، شدد على أنه يتعين مواكبة تطورات الساحة الدولية، بغية ابتكار الحلول ووضع التصورات والمقترحات الكفيلة بمواكبة هذه المستجدات، ومواجهة التحديات الواقعية والإشكالات القانونية المتزايدة.
ولفت الانتباه كذلك إلى أهمية بذل مزيد من الجهد بخصوص الفرع الثاني من القانون الدولي الإنساني، المتعلق بوسائل وأساليب القتال، وهو الجانب الذي لم يحظ، حسب الوزير، بالعناية ذاتها التي تم إيلاؤها لقانون جنيف.
من جهتها، قالت رئيسة اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني، فريدة الخمليشي، إن ملاءمة التشريع بالمملكة المغربية تعد التزاما دستوريا ينص عليه دستور المملكة، موضحة أن الملاءمة في التشريع الجنائي تعد أداة لحماية السيادة الوطنية للسلطات القضائية التي تكون لها وحدها شرعية محاكمة المتهمين في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة، والحيلولة دون إعمال الاختصاص المكمل الذي منحته اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية.
وأشارت إلى تزامن اللقاء مع مناقشة مشروع مراجعة مدونة القانون الجنائي المغربي أمام البرلمان، مذكرة بأن اللجنة الوطنية المغربية للقانون الدولي الإنساني كانت في صلب عملية الملاءمة التشريعية حين قدمت للحكومة رأيها الاستشاري حول إدراج جريمة الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في مشروع القانون الجنائي.
وأبرزت أن موضوع ملاءمة التشريع الوطني مع صكوك القانون الدولي الإنساني، يعد في مقدمة المواضيع التي تصب في اتجاه تطبيق القانون الدولي الإنساني على المستوى الوطني، مجددة التأكيد على الأهمية التي يكتسيها تبادل الخبرات والتجارب لحسن تطبيق مقتضيات القانون الدولي الإنساني.
وبعد أن أكدت أن المائدة المستديرة، تطمح لتكون مناسبة تتيح للجنتين الوطنيتين المغربية والقطرية وللخبراء والمسؤولين عن التشريع في القطاعات الحكومية في البلدين اقتسام خبراتهم وتجاربهم، أشادت الخمليشي بالتعاون الوثيق والمتميز والناجح بين اللجنتين المغربية والقطرية والذي عرف طفرة كبيرة منذ توقيع مذكرة التفاهم في 2016.
من جهته، تطرق رئيس اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني بقطر، سلطان السويدي، إلى التحديات المعاصرة المعقدة التي يواجهها القانون الدولي الإنساني، خاصة في ظل تهرب أطراف النزاعات من تحمل المسؤولية، مشددا على أن تفعيل آليات تطبيق القانون الدولي الإنساني في حال الانتهاكات الجسيمة، سواء من خلال تعاون الدول في ما بينها أو من خلال منظومة الأمم المتحدة، سيكون له أثر كبير في الحد من هذه الانتهاكات .
وأبرز السويدي أن الدول العربية سعت للانضمام لجميع الاتفاقيات المعنية بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، غير أنه يتعين، يضيف المسؤول القطري، تجسيد هذه المصادقة والانضمام على مستوى التشريع من خلال إعمال آليات المواءمة ، مؤكدا في هذا السياق على ضرورة الدفع نحو تحقيق هذه المواءمة من خلال تشريع منفصل او تعديل التشريعات الوطنية القائمة. من جانبه، أشاد المنسق الإقليمي للقانون الدولي الإنساني في شمال إفريقيا والشرق الأوسط باللجنة الدولية للصليب الأحمر، عمر مكي، بالدور الرائد للجنتين الوطنية المغربية والقطرية في نشر قواعد القانون الدولي الإنساني.
وتطرق إلى الاضطرابات والنزاعات المسلحة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، مؤكدا حرص اللجنة الدولية للصليب الأحمر على تقديم الدعم للجنتين الوطنيتين للقانون الدولي الإنساني بالمغرب وقطر.
وتناقش أشغال المائدة المستديرة مواضيع عامة تهم واقع القانون الدولي الإنساني في عالم اليوم، و تقنيات وسبل الملاءمة التشريعية، ودور القضاء الجنائي في ظل الملاءمة، مع تسليط الضوء على التجارب العملية من خلال استعراض تجربتي الملاءمة التشريعية مع أحكام القانون الدولي الإنساني بكل من المغرب وقطر.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية