المجلس الوطني لحقوق الإنسان يكشف دور القضاء في حماية الجمعيات
نظم المجلس الوطني لحقوق إلانسان مؤخرا، ندوة تفاعلية عبر تقنية التواصل عن بعد، سلط فيها الضوء على موضوع “دور السلطة القضائية في حماية الجمعيات”.
وفي هذا السياق، قالت فاطمة عراش عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، التي تولت مهمة تيسير أشغال هذه الندوة، إن هذا اللقاء عن بعد، يأتي في إطار مساهمة المجلس في إثراء النقاش العمومي وإذكاء الوعي حول أدوار الجمعيات، التي تعتبر من بين الدعامات الأساسية الشريكة في مجال النهوض والتوعية والتحسيس، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان وفعلية التمتع بها.
وأضافت أنه و”لمواكبة التطور الذي يعرفه النقاش العمومي، استقر الاختيار هذه السنة على موضوع جد دقيق، ويتعلق بالضمانات الحمائية القانونية والقضائية للجمعيات لمواجهة المشاكل والمعيقات التي تعترضها أثناء عملية التأسيس وتجديد مكاتبها المسيرة، وكذلك حرمانها من حقها في تنظيم الأنشطة بالفضاءات والقاعات العمومية”، وذلك بغية تبادل الرأي والمقترحات بين المتدخلين حول السبل والإمكانات المتاحة لتجاوز هذه الوضعية، خاصة وأن الحماية القضائية للجمعيات من بين أكثر المواضيع حضورا في علاقة القضاء بحقل حقوق الإنسان وذلك من خلال عملية التلازم بين حرية تأسيس الجمعيات وتجديد مكاتبها، وحرص القضاء وسهره على حماية شروط هذا التأسيس، وشروط ممارسة الجمعية لأنشطتها بعد التأسيس.
من جهته، تطرق الدكتور أحمد البوز، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط كلية الحقوق السويسي، في مداخلة له حول موضوع تأسيس الجمعيات بين القضاء والإدارة، إلى الدور الحمائي المفترض للقاضي المغربي، عندما يتعلق الأمر بحرية تأسيس الجمعيات وحريتها في ممارسة أنشطتها ينطلق من أحكام الدستور والصكوك الدولية التي تجعله في خط الدفاع الأول عن الحقوق والحريات.
وأكد البوز، وجود اتجاهين، في هذا الإطار، اتجاه أول وهو الاتجاه العام يبدو فيه القضاء منتصرا لحرية الجمعيات، وقد تدخل من أجل تصحيح سلوك الإدارة في عدة حالات منها تأكيده على الطابع التصريحي لنظام تأسيس الجمعيات، وأن التصريح مجرد إخبار للإدارة يجب عليها الإشهاد عليه بتسليم وصل مؤقت، وأن الإدارة لا تملك إلا حق الرقابة البعدية عن طريق عرض أي مقتضى تراه مخالفا للقانون على الجهة القضائية المختصة، وأن رفض تسليم الوصل يعتبر قرارا إداريا قابلا للطعن، وأن الجموع العامة للتأسيس يقتصر فيها الحضور على المؤسسين ولا تخضع لتصريح سابق يستوجبه قانون التجمعات العمومية، وأن هذا القانون الأخير لا يتضمن أي مقتضى يفيد أن الاستثناء من التصريح ينحصر على الاجتماعات التي تنعقد داخل مقر الجمعيات فقط، بل تشمل أيضا باقي الاجتماعات التي تنعقد بالقاعات العمومية، وأن الإدارة لا تملك حق فحص الجموع العامة.
أما الاتجاه الثاني وهو توجه قضائي خاص في بعض القضايا انزاح فيه القضاء عن دوره الحمائي إلى كرسه في اجتهادات سابقة، ويبدو من خلال بعض الأمثلة، كاشتراطه ضرورة توفر الجمعية على الشخصية المعنوية لاكتساب الحق في التقاضي، وهو ما يتوقف على ضرورة التصريح بالتأسيس بشكل قانوني، وهذا يتطلب سلفا الحصول على وصل مؤقت أو نهائي، بمعنى أنه في حالة رفض تسلم الملف، وعدم تسليم الوصل المؤقت لا يمكن للمؤسسين اللجوء الى القضاء للمطالبة بالانتصاف، وهو ما وقع في قضية جمعية الحرية الآن، فضلا عن مثال ثان اعتبر فيه القضاء أن رفض تسليم الوصل النهائي لا يقبل الطعن لانعدام المصلحة، لصيرورة الجمعية بالتصريح، بمرور شهرين، علما بأن ذلك يخلق عدة صعوبات للجمعية في الحصول على القاعات أو التمويل أو فتح حساب بنكي لاشتراط عدة جهات ضرورة الإدلاء بالوصل النهائي.
وقدم أنس سعدون، عضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية، مداخلة حول دور النيابة العامة في مسار الحياة الجمعوية، معتبرا أن هذا الدور يتأسس طبقا لأحكام المواثيق الدولية ولمقتضيات الدستور الذي يجعل النيابة العامة جزءا من السلطة القضائية، التي تبقى مؤتمنة على حماية الحقوق والحريات، وتحدث المتدخل عن دور حمائي قضائي تمارسه النيابة العامة من اجل حماية الحق في تأسيس الجمعيات، بحيث أن التأكد من احترام المقتضيات القانونية موكول لسلطة قضائية مستقلة، لا لجهة إدارية، وهذا ما أكده الاجتهاد القضائي في عدة مناسبات كما أكدته توصيات مؤسسة الوسيط.
وأضاف سعدون أن ما يؤكد أهمية هذا الدور، هو وجود حالات لإحجام الإدارة عن تسلم ملف الجمعية، وهو ما يعد محاولة للتهرب من إعمال الدور الحمائي لمؤسسة النيابة العامة، معتبرا أن المعايير الدولية تكرس حرية عمل الجمعيات كما تسمح بإمكانية فرض قيود، توضحها المادة 22 (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تلزم بأن تكون القيود المسموح بها منصوص عليها قانونا وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم”، كما توضح اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بأنه متى فُرضت أية قيود فعلى الدول أن تقدم الدليل على ضرورتها، كما يتعين فقط اتخاذ تلك التدابير التي تكون متناسبةً مع السعي إلى تحقيق الأهداف المشروعة بغية ضمان حماية الحقوق المنصوص عليها في العهد حماية مستمرة وفعالة، ولا يجوز في أي حال فرض القيود أو التذرع بها على نحو يضر بجوهر تلك الحقوق، كما أن القيود المفروضة بموجب مراسيم حكومية أو أوامر إدارية بدون نصوص قانونية واضحة تعتبر مخالفة للقانون الدولي، حيث أنها لا تفي بشرط المشروعية والقانونية.
وعلاوة على ذلك، لا يجوز إقرار قوانين تحتوي بنودا غامضة وفضفاضة يمكن استغلالها أو إساءة تفسيرها بسهولة، كما أن شرط اتخاذ التدابير الضرورية في مجتمع ديمقراطي يقتضي ضمان وجود وعمل عدد من الجمعيات، بما فيها تلك التي تعمل سلمياً لنشر أفكار قد تكون لا تتفق أو تناقض رؤية الحكومة أو أغلبية السكان، كذلك أن حظر تكوين الجمعيات ومحاكمة الأفراد بسبب عضويتهم في تلك المنظمات يجب أن يكون فقط ضرورياً لتفادي خطرا حقيقيا وليس افتراضياً فقط على الأمن الوطني أو النظام الديمقراطي ويجب إثبات أن التدابير الأقل تدخلا لم تكن كافية لتحقيق ذلك الهدف، يورد أنس سعدون.
وتوقف الدكتور أنس سعدون، عند بعض صور تدخل النيابة العامة في مجال قانون الجمعيات، مؤكدا أنها تكون أحيانا طرفا مدعيا في قضايا بطلانها كطرف أصلي، كما قد تكون طرفا منضما، حيث تكتفي بتقديم ملتمساتها، وهناك دور آخر للنيابة العامة يتجلى في تحريك الدعوى العمومية بشأن مخالفة قانون الجمعيات الذي يتضمن نصوصا زجرية معاقب عليها بالحبس أو بالغرامة.
وبلغة الأرقام توقف المتدخل ذاته، عند مفارقة مفادها أنه في الوقت الذي يعرف فيه عدد ملفات الجمعيات التي تحال على النيابات العمومية ارتفاعا مضطردا، يلاحظ في المقابل تراجع كبير جدا في حالات إعمال المقتضيات الزجرية الواردة في قانون الجمعيات من طرف النيابات العمومية، وهكذا يلاحظ أنه في سنة 2017، وهي سنة استقلال النيابة العامة، سجلت 37 متابعة، وتوبع على إثرها 39 شخص، وفي سنة 2018 انخفض هذا الرقم إلى 08 متابعات وتوبع على إثرها 08 أشخاص، وفي سنة 2019 سجلت متابعتين فقط بقانون الجمعيات وبلغ عدد المتابعين فيها 05 أشخاص، معتبرا أن هذه الاحصائيات تعبر عن توجه جديد للنيابة العامة معمول به في القضايا المتعلقة بالحريات، والذي ترجمه بشكل واضح أول منشور يصدر عن رئيسها، حث فيه أعضاء النيابة العامة على الحرص على ترشيد استعمال الآليات القانونية الماسة أو المقيدة للحريات وذلك باستعمالها فقط في الحالات التي تدعو إليها الضرورة، وأن يتم استعمالها وفقاً للقانون ودون تجاوز أو تعسف.
واختتم أنس سعدون، مداخلته بالتأكيد على أهمية التكوين والتكوين المستمر في مجال إعمال حقوق الإنسان لكل المتدخلين في مجال الجمعيات بما في ذلك مهنيي الإدارة، كما دعا الى نشر الأحكام القضائية للنهوض بثقافة حقوق الإنسان.
من جهته تناول عبد الله الكرجي، عضو نادي قضاة المغرب، موضوع دور القضاء في المنازعات بين الأفراد والإدارة حيث أكد في مداخلته على أن المشرع اختار أن يكرس النظام التصريحي في الجمعيات، وجعل السلطة القضائية هي الجهة المؤتمنة على حماية حرية تأسيس الجمعيات وحرية أنشطتها، وأن محاكم المملكة بمختلف درجاتها أصدرت أحكاما قضائية مبدئية في حماية الجمعيات من خلال حماية النظام التصريحي وعدم منح الإدارة سلطة مراقبة شرعية الجمعية بمناسبة تأسيسها، وحماية أنشطة الجمعيات من الاعتداء المادي على بعض أنشطتها من طرف الإدارة، واعتبار رفض تسلم ملفات تأسيس الجمعية من طرف الإدارة بمثابة اعتداء على دور السلطة القضائية التي يبقى لها وحدها الاختصاص.
وتوقف المتدخل عند إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة، مشيرا إلى عدد من الحلول التي أبدعها القضاء المغربي لإلزام الإدارة على تنفيذ الأحكام، موصيا في نهاية مداخلته بأهمية الحل التشريعي لتحديد مفهوم الصفة في حالة عدم حصول الجمعية على وصل مؤقت أو نهائي، وتدقيق بعض المفاهيم الواردة في قانون الجمعيات في إطار ملاءمته مع المعايير الدولية ذات الوصل.
وتناول الأستاذ محمد الحبيب بنشيخ، محام بهيئة الرباط وناشط حقوقي موضوع “الحماية القضائية والقانونية للجمعيات وحدود الممارسة”، وقال إن ظروف جائحة كورونا عقدت من عمل الجمعيات حيث أغلقت بعض مقارها وواجهت صعوبات عدة في تنظيم أنشطتها، وطرحت إشكاليات جديدة من قبيل إمكانية تنظيم الجموع العامة عن بعد، مشيرا إلى اجتهاد المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان الذي يعتبر النصوص المتعلقة بحرية تأسيس الجمعيات وطرق تطبيقها من طرف السلطات العامة، من بين العناصر الأساسية لمعرفة وضعية الديمقراطية في أي بلد معين، وتوقف المتدخل عند عدة عراقيل تواجه عمل الجمعيات على مستوى الممارسة، سواء المتعلقة بوجود ثغرات قانونية كاستعمال مصطلحات عامة وفضفاضة يمكن تفسيرها بشكل مزاجي أو غير منضبط، أو بعض الممارسات الأمنية والإدارية التي تشكل أحيانا عاملا معيقا أمام عمل الجمعيات من خلال اللجوء الى مبررات من قبيل المخاوف الإرهابية للتضييق على عمل الجمعية، بل وقد تصل إلى حد التحريض على عمل جمعيات كما وقع سنة 2014، وأشار المحامي والناشط الحقوقي الحبيب بن شيخ لإشكالية الحق في الوصول إلى المحاكم الإدارية لطلب الانتصاف بسبب عدم تواجدها في كافة جهات المملكة.
وتجدر الإشارة إلى أن التقرير السنوي الأخير الصادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تضمن عدة توصيات تهدف إلى مراجعة المقتضيات القانونية المتعلقة بمسطرة التأسيس والتجديد، والتمويل، والاستفادة من القاعات العمومية لتنظيم الأنشطة، بما يضمن ممارسة حرية الجمعيات وفقا للدستور والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ ومراجعة المقتضيات القانونية المتعلقة بالجمعيات، وذلك باستبدال العقوبات السالبة للحرية بالغرامات؛ وتمكين الأطفال البالغ سنهم من 15إلى 18سنة من تأسيس جمعيات خاصة بهم إعمالا لمبدأ الحق في المشاركة؛ وتشجيع الحوار بين السلطات العمومية والجمعيات لتجاوز المعيقات والإكراهات التي تحول دون ممارسة الجمعيات لأدوارها؛ وتفعيل توصيات مؤسسة وسيط المملكة في مجال تأسيس وتجديد الجمعيات والأحزاب والنقابات؛ وتشجيع الجمعيات على الولوج إلى القضاء الإداري كآلية للانتصاف في المنازعات بين السلطات الإدارية الجمعيات، وذلك بالعمل على تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الصادرة لصالح الجمعيات؛ وتوسيع نطاق ممارسة القضاة لحرية التنظيم لضمان حقهم في تأسيس وتسيير جمعيات مدنية ونقابات إعمالا للمبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية.