العلاقات المغربية القطرية … عنوان لتاريخ طويل من التعاون والتضامن وتنسيق المواقف
منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المغربية ودولة قطر في سنة 1972، وهي تسجل تطورا مضطردا، بفضل التوافق المستمر، بين الرباط والدوحة بشأن العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
ومع انعقاد الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة بين البلدين، اليوم الاثنين بالدوحة، برئاسة كل من رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية القطري الشيخ خالد بن خليفة آل ثاني، ورئيس الحكومة عزيز أخنوش، بعد تحسن في الأوضاع الصحية المرتبطة بجائحة كورونا، يعتزم البلدان مواصلة البحث عن سبل جديدة لتطوير هذه العلاقات، وترجمة إرادة قيادتي البلدين.
وتعتبر اللجنة العليا المشتركة، التي أنشئت بموجب اتفاقية بين حكومتي الرباط والدوحة، تم توقيعها في الرباط بتاريخ 19 يونيو 1996، أحد أهم أسس التشاور المثمر، والحوار البناء القائم بين دولة قطر والمملكة المغربية، وإحدى الآليات التي تتولى عملية رصد حصيلة العلاقات الثنائية واستشراف الآفاق المستقبلية لها .
وقد توجت أشغال اللجنة العليا المشتركة منذ إطلاقها، وعلى امتداد دوراتها السابقة، بالتوقيع على عدد هام من الاتفاقيات، وبرامج ومذكرات التفاهم بين البلدين، تم على اثرها إنجاز مشاريع في المغرب وقطر تنوعت مجالاتها، وتقوية روابط في قطاعات أخرى حيوية.
وتطور العلاقات الواعدة والمثمرة بين الرباط والدوحة، وجد أسبابه في الإرادة القوية وحكمة قائدي البلدين، الملك محمد السادس، وأخيه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، ليكون هذا الارتباط على مدى سنوات طويلة، متسما بمواقف قوية تعكس التضامن والدعم المتبادل لقضايا البلدين الوطنية وأخرى ذات الاهتمام المشترك.
وترجم هذا التضامن في السنوات الأخيرة، من خلال مواقف عاشها البلدان كان أبرزها، موقف المملكة من الازمة الخليجية لسنة 2017 وإسهامها في إيجاد حلول للخلافات بين الدوحة وبعض دول الخليج ومصر، كانت لها دلالة قوية على مدى التزام المملكة الثابت وتقديرها لقيم الأخوة التي تربط البلدين.
وفور الإعلان عن المصالحة الخليجية القطرية في قمة العلا بالسعودية، من خلال التوقيع على اتفاقية أنهت فصول الأزمة بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر ، كان المغرب أول المهنئين والمعبرين عن الارتياح الكبير لهذه المصالحة، التي كانت حدثا بارزا في بداية 2021 ، أعاد الدفئ للعلاقات بين الأشقاء ، وعن الخطوات التي تلتها في أفق تعزيز وحدة البيت الخليجي .
كما أن المواقف التي عبرت عنها دولة قطر في كل المحافل، عن دعمها الصريح والقوي لمغربية الصحراء ، وعن مساندتها التامة والموصولة لاسترجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية، كان إشارة قوية على صدق ومتانة الروابط التي تجمع البلدين الشقيقين ، تلقاها المغرب ، حكومة وملكا وشعبا ، باعتزاز وفخر كبيرين .
وقد بعث على إثر ذلك الملك برقية إلى الشيـخ تميم بن حمد آل ثاني أشاد فيها بهذا الموقف “الأخوي الصادق “، مبرزا أن هذا الموقف ” نابع مما عهدناه في سموكم من نخوة عربية تفيض بقيم النبل والشهامة، وبحرصكم الدائم على توثيق علاقات الأخوة والتضامن بين بلدينا الشقيقين، والدفاع عن مصالحهما العليا المشتركة”.
وتجري بين قادة ومسؤولي البلدين، بشكل متواصل، مباحثات ولقاءات وزيارات متبادلة، لتدارس القضايا العربية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وتبادل وجهات النظر بشأنها ، مع حرص الجانبين الدائم على التنسيق والتشاور لتعزيز التضامن العربي.
ويلعب الجانب الاقتصادي والتجاري والاستثماري، دورا هاما في الدفع بهذه العلاقات المميزة، وتطويرها، تمت ترجمته في التوقيع على العديد من الاتفاقيات بين الرباط والدوحة، كرست شراكة استراتيجية شاملة تغطي مختلف المجالات الاقتصادية والاستثمارية، ومن أبرزها التوقيع على البرنامج التنفيذي لمذكرة تفاهم حول منحة قدمتها دولة قطر للمغرب بقيمة 1,25 مليار دولار ، بين وزارة الاقتصاد والمالية والصندوق القطري للتنمية ، وعلى ثلاثة عقود تجارية، بين مصدرين قطريين ومستوردين مغاربة، بلغت قيمتها الاجمالية 100 مليون ريال قطري أي ما يعادل 27,4 مليون دولار.
كما شملت الاتفاقيات، التوقيع على اتفاق نفطي يهم منطقة ” “كرسيف” بين المغرب وشركتين كنديتين “ترانس أتلانتيك ماروك إل تي دي” و”ستراتيك إكسبلورايشن موروكو ليميتد” والشركة القطرية “سفير بتروليوم كو إس سي” ، واتفاق تعاون يتعلق بتمويل مشروع بناء سد على “وادي البيضة”، وبناء حواجز على وادي “أغرور” بإقليم الرشيدية ، وبروتوكول اتفاقية إستراتيجية بين (التجاري وفا بنك) و(بنك قطر الوطني) للنهوض وتطوير المبادلات التجارية والاستثمارات في البلدان التي تتواجد فيها المجموعتان.
وهمت أيضا اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب الضريبي فيما يتعلق بالضرائب على الدخل، ومذكرة تفاهم لمساهمة دولة قطر في تمويل مشاريع تنموية بالمملكة المغربية، وثماني اتفاقيات تتعلق بمشروع “وصال الدار البيضاء- الميناء”.وتنوعت الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، إذ شملت أيضا الميدان الدبلوماسي، وميدان التجهيز، وبرامج تنفيذية تهم الثقافة والتربية والإعلام، ومجال النقل السككي بين المكتب الوطني للسكك الحديدية وشركة سكك الحديد القطرية (الريل)، وشراكة تجارية إستراتيجية بين الخطوط الملكية المغربية والخطوط الجوية القطرية.
ولم تغفل هذه الاتفاقيات المجال الاجتماعي، والصحي الذي توج بالتوقيع بفاس على اتفاقية للتعاون بين المركز الاستشفائي الحسن الثاني وجمعية قطر الخيرية ، وجمعيتا “بسمة للتنمية الاجتماعية” و”مساعدة وإنقاذ” من المغرب، لتعزيز التعاون في مجال جراحة القلب والشرايين، إضافة إلى قطاع التعليم والبحث العلمي.
ومن المرتقب أن تضاف باقة جديدة من الاتفاقيات خلال الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة، بهدف بلورة الأهداف المستقبلية للعلاقات، حيث يقوم الخبراء من كلا البلدين، قبل انعقادها، بالتنسيق لوضع وتحديد توصيات عامة لمشاريع اتفاقيات ومذكرات تفاهم وبرامج ، تهم كل القطاعات، ورفعها الى اللجنة العليا المشتركة قصد دراستها واعتمادها.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية