الدخول السياسي بالمغرب.. الأحزاب أمام رهان مواكبة التحولات الوطنية والدولية
يطرح الدخول السياسي الحالي مجموعة من التحديات على الفاعل السياسي، تحديات ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية أفرزتها مجموعة من التحولات على المستويين الوطني والدولي.
هذه التحولات تشكل اختبارا جديدا للنخب السياسية، وخاصة الأحزاب، حول مدى قدرتها على مواكبة هذه التحولات في ظل سياق دولي متقلب يستوجب منها اعتماد مقاربة جديدة وتفعيل آليات عمل مبتكرة قصد إغناء النقاش السياسي العمومي واقتراح حلول تستجيب لتطلعات المواطنين.
وفي هذا السياق، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بمراكش، محمد الغالي، أن الدخول السياسي الجديد “محاط بتحديات متعددة داخلية وخارجية، ما يفرض على الأحزاب السياسية تكييف أوراقها مع التحولات الراهنة على المستويين الوطني والدولي”.
واعتبر الأستاذ الغالي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الأحزاب السياسية أصبحت مطالبة بمضاعفة الجهود لإعطاء أجوبة واضحة لانتظارات وتطلعات المواطنين، مبرزا أن الخطب الملكية السامية كانت واضحة وصريحة وما فتئت تؤكد على ضرورة ضخ دماء جديدة داخل الأحزاب السياسية لإضفاء نفس متجدد على مسلسل البناء التنموي بالمملكة.
وشدد على أن الطبقة السياسية، باعتبارها الفاعل الأساسي في تدبير الشأن العام، مطالبة بمواكبة التطورات الوطنية والدولية في ظل الدخول السياسي الجديد الذي ستكون أجندته حافلة على أكثر من صعيد سواء بالنسبة للحكومة والأحزاب السياسية، من أجل الارتقاء بالنقاش العمومي وتجسيد أولويات المرحلة المقبلة.
وتستهل الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، في الأغلبية كما في المعارضة، دخولها السياسي، الذي يتزامن مع اقتراب مرور سنة على تنصيب الحكومة برئاسة عزيز أخنوش، برهانات مختلفة حسب تموقعاتها داخل الخريطة الحزبية.
وفي هذا الصدد، قال أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس، عبد الحفيظ أدمينو، إن أحزاب الأغلبية “مطالبة بأن تدفع قدما بالعمل الحكومي، من خلال تعزيز التنسيق وتفعيل الآليات التي تم اعتمادها من قبل هذه الأحزاب، وخاصة تلك المنصوص عليها في ميثاق الأغلبية، بما يعزز تنسيق أنشطتها أساسا على مستوى المؤسسة التشريعية، لاسيما أن هذه الأحزاب مطالبة أمام الرأي العام بتنفيذ برامجها الانتخابية، وكذا برنامجها الحكومي الذي قدمته أمام المواطنين”.
هذه الأحزاب يتعين عليها كذلك، بحسب أدمينو، رفع تحد آخر يتمثل في تعزيز القوة التواصلية، “بعد أن طالت الحكومة انتقادات عدة بسبب تواضعها في إرساء فعل تواصلي جيد مع المواطنين”، مشيرا، في هذا الصدد، إلى أن أحزاب الأغلبية الحكومية مطالبة، من خلال أنشطتها ولقاءاتها على مستوى مختلف جهات المملكة، بتوضيح مختلف التدابير التي تتخذها الحكومة.
أما بخصوص أحزاب المعارضة، فيرى أدمينو أنها مدعوة إلى أن تصبح قوة ضغط داخل المؤسسة التشريعية، وخاصة بمجلس النواب، مبرزا أن قوة المعارضة والصلاحيات التي منحت لها في إطار الفصل 10 من الدستور، وكذا أحكام النظام الداخلي لمجلسي البرلمان، تتطلب أيضا تنسيقا سياسيا للدفع بالحكومة إلى تعزيز تفاعلها داخل المؤسسة التشريعية، وخاصة مع فرق المعارضة.
من جهة أخرى، تعيش مجموعة من الأحزاب السياسية الممثلة بالبرلمان على إيقاع التحضير لمؤتمراتها الوطنية، وذلك بعد مرور سنة على استحقاقات الثامن من شتنبر 2021 التي أفرزت خريطة سياسية جديدة. فقد صادق المجلس الوطني للاتحاد الدستوري المنعقد، في 2 يوليوز الماضي بالدار البيضاء، على تحديد يومي 1 و2 أكتوبر 2022، لعقد مؤتمره الوطني السادس بمدينة الدار البيضاء، فيما حدد حزب التقدم والاشتراكية أيام 11 و12 و13 نونبر المقبل لعقد مؤتمره الوطني ال11 ببوزنيقة، لانتخاب أمين عام جديد للحزب.
أما المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية، فقد أكد أن المؤتمر الوطني ال14 للحزب سينعقد أيام 25 و26 و27 نونبر 2022 في احترام تام للآجال القانونية المحددة في القانون التنظيمي للأحزاب السياسية والمنصوص عليها في الأنظمة القانونية للحزب.
وتدخل هذه الأحزاب مؤتمراتها بطموحات ورهانات مختلفة حسب موقعها ووزنها داخل المشهد السياسي، وكذا بالنظر للتحديات التي يفرضها الدخول السياسي الحالي والمتعلقة بعدد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية العالقة.
ويقول أدمينو، في هذا الصدد، إن هذه الأحزاب مقبلة على تجديد نخبها أو قياداتها، ومن المفروض أن تستحضر في عملية التجديد هاته التحولات التي يعرفها المغرب على شتى المستويات، وكذا القدرة على الانفتاح على الطاقات النسائية والشبابية داخلها.
وأوضح أن الأمر يتعلق بتحد كبير للغاية على اعتبار أن هذه “الديمقراطية الداخلية”، من المفروض أن تفرز اليوم قيادات تعكس البنية الديمغرافية لهذه الأحزاب السياسية، وكذا تطلعات المناضلين داخل هذه الأحزاب وانتظارات المواطنين بصفة عامة.
وتضع ملامح الدخول السياسي الجديد والتحديات المطروحة على الطاولة الأحزاب السياسية أمام محك تجديد خطاباتها وإنتاج كفاءات قادرة على مواكبة البرامج والأوراش الكبرى التي باشرتها المملكة، تحت القيادة المتبصرة للملك محمد السادس، من أجل تعزيز المكتسبات التنموية وتقليص التفاوتات الاجتماعية والمجالية.