لم تكن مداخلة وزير الصحة ليوم أمس عادية، ليس فقط لأنها توقفت عند الحالة الوبائية بالمغرب بالأرقام والتفاصيل، وليس لكونه أعلن أمام الملأ أن الوضع إذا لم يكن منفلتا فإنه مقلق جدا، ولكن بالنظر لما تبين بشأن الخصاص الذي يعيشه هذا القطاع الحيوي.
وإذا تابعتم الشق الأخير من مداخلة وزير الصحة، والتي تتعلق بتصورات الوزارة بخصوص المراحل المقبلة لتطوير المنظومة الصحية ببلادنا، وكذا وضع خريطة صحية جديدة، سيتضح حجم الانتظارات في قطاع حساس يهم ملايين المغاربة، مثل قطاع الصحة.
والبداية باعتراف وزير الصحة بالاختلالات التي يعيشها القطاع، حيث قال :”أبانت أزمة كورونا عن مجموعة من الاختلالات وعن أولوية قطاع الصحة في تحصين الأمن الصّحي للمواطنات والمواطنين”، ثم أضاف أن :”الكل واع بضرورة تطوير وتجويد خدمات وأنشطة الوقاية والتكفل التي يقدّمها هذا القطاع على كل المستويات وذلك عبر تعبئة الجهود والوسائل وإعداد الخطط للرفع من قدرة المنظومة الصحية الوطنية على المواجهة والتصدي والجاهزية وتأمين الحاجيات الوطنية في حالات الطوارئ وانقطاع سبل الإمداد من السوق العالمية كما حصل خلال هذه الظروف الاستثنائية”.
ولأن الوضعية في قطاع الصحة بهذا المستوى الذي يتطلب مجهودا كبيرا، فإن رهان وزير الصحة يتوزع على أكثر من مستوى، وعلى رأسه “تفعيل مخطط استراتيجي لتحسين جودة الرعاية الصحية ببلادنا بالاشتغال على أولويات محددة، عبر التنسيق والمشاركة مع العديد من المتدخلين في الشأن الصحي، ومنها الترافع لاعتماد نظام للوظيفة العمومية الصحية كنظام كفيل بحل مشاكل المنظومة وتسوية ملفات تحسين ظروف عمل المهنيين الصحيين بكل فئاتهم وتحفيزهم وتجويد الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين وتجاوز الصعوبات والاكراهات المرتبطة بولوجهم إليها”.
ويسترسل وزير الصحة في الكشف عن أعمدة الخطة المقبلة لتجهيز المنظومة الصحية بالعمل على تحسين المستوى الصحي، وضمان الإنصاف والمساواة في الولوج إلى العلاجات بشكل عادل، و”الاشتغال على ورش إصلاح اختلالات نظام المساعدة الطبية للفئات المعوزة “راميد” تنفيذا للتعليمات الملكية السامية التي أطلقها جلالته عبر خطابه السامي بمناسبة عيد العرش سنة 2018″، ثم إعداد وتنفيذ وتنزيل البرنامج الطبي الجهوي بهدف تفادي النقائص المرصودة فيما يخص تنظيم عرض العلاجات والخريطة الصحية والمخططات الجهوية لعرض العلاجات.
وأضاف وزير الصحة في نفس المناسبة أن الوزارة ستعمل على تسريع ورش تعميم التغطية الصحية الشاملة وفقا للأجندة الزمنية التي حدّدها الخطاب السامي انطلاقا من سنة 2021:”وفي هذا الإطار، بلورت الوكالة برنامج عمل طموح وشامل، يهم، من خلال مجموعة من البرامج المهيكلة، كل الجوانب التي تروم تحقيق الأهداف المرتبطة بتفعيل تعميم التغطية الصحية، واستدامتها المالية، نذكر منها:
مراجعة القانون رقم 65.00 المتعلق بمنظومة التغطية الصحية الأساسية، والإسراع بتوسيع مجال الاستفادة من التغطية الصحية الإجبارية لصالح 22 مليون مستفيد إضافي، كما جاء في الخطاب الملكي السامي، وتقارب ومواءمة أنظمة التأمين الصحي في أفق إحداث نظام موحد يشمل جميع الفئات، وإصلاح تمويل منظومة التغطية الصحية الإجبارية الأساسية في أفق إشراك الفاعلين الترابيين وضبط الانفاق؛
إعداد منظومة معلوماتية منفتحة وفعالة وقابلة للتطوير، تستجيب لحاجيات كل المتدخلين، وتقييم سلة العلاجات المعتمدة حاليا في إطار التغطية الصحية الأساسية، ودعم الوقاية من أجل التحكم أكثر في النفقات العلاجية وتشجيع السلوكيات الصحية السليمة، ووضع مسارات علاجية منسقة تساعد كل المتدخلين في تقديم العلاجات والتكفل بها وتمويلها على التوجيه والتتبع الأمثل للمستفيدين، وإعداد وتنفيذ استراتيجية جديدة لسداد تكاليف الأدوية تتمحور حول اعتماد معايير موضوعية لإدراج الأدوية ضمن لائحة الأدوية الممكن استرجاع مصاريفها، ومأسسة عملية سلسة وفعالة وديناميكية لإبرام الاتفاقيات الوطنية متعددة الاطراف بين المتدخلين في إطار منظومة التغطية الصحية الاساسية الإجبارية.
ويتضح من خلال المداخلة حجم الخصاص الذي يعيشه قطاع الصحة، والذي أبانت عنه جائحة “كورونا”، والذي يتطلب مجهودا استثنائيا ليكون قادرا على مواجهة كثير من التحديات، خاصة في الفترة المقبلة لمواجهة الوباء، فضلا عن أن يكون قادرا على مواجهة كثير من المشاكل الاعتيادية.