إلى أين يسير حزب العدالة والتنمية؟
كل حزب لا يعيش فورات فهو ليس حزبا حيويا. إنها القاعدة الذهبية الذي عادة ما تُقدم للرد على الأسئلة الحارقة التي توجه من هنا وهنا، من الداخل والخارج، من مناضليه وخصومه، لكن إذا كان لكل قاعدة استثناء، فإن الاستثناء الذي يعيشه حزب العدالة والتنمية في الآونة الأخيرة كونه يمر من فترة عصيبة.
والبداية كانت قبل شهور، حينما طالب مئات الشباب وبعض القادة بعقد المؤتمر الوطني الاستثنائي، في إشارة غير مسبوقة لمناقشة الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها لسنوات، ومحاسبة القيادة الحالية التي تتهمها كثير من الأصوات الحزبية بكونها تسير في اتجاه تحويل الحزب كباقي الأحزاب…
كل الأحزاب التي قادت الشأن العام تغيرت في الكثير من سلوكياتها وأولوياتها، وحتى وإن تصر أن الأهداف ما تزال هي هي، إلا أن المتحول الذي يكون أكثر من الثابت قد لا يكون دائما ملموسا، وإن لحظات التقييم الكبرى هي التي تؤكد إن كانت القيادات والقواعد قد تلمسوا حجم المتغير بالمقارنة مع درجات الثبات، وقد كان حزب العدالة والتنمية مع لحظة تقييم هامة، في اللجنة السياسية التي دامت أشغالها يوما كاملا، لكن اللحظة بالنقاش الدقيق الذي عرفته، والذي بلغ في فترات عابرة لمواجهات ساخنة، لم يحل كل القضايا المتراكمة، وسارت كل الخلاصات بمنطق أنصاف الحلول التي لا بد أن يكون لها ما بعدها.
ليس تدبير الشأن العام بالزخم الذي رافق النتائج التي حصل عليها الحزب في الانتخابات التشريعية السابقة والتي سبقتها، والجماعات الكبرى والكثيرة الذي يترأسها، بنشوات الانتصار الذي رافقت كل هذه النتائج غير المسبوقة، بالمقارنة مع قدرة الحزب على تدبير هذه الانتصارات بأفراحها التي تواترت دفعة واحدة، مع كل ذلك الوهج الذي توطد في عهد عبد الإله بن كيران في الأمانة العامة وفي رئاسة الحكومة … دون أن يحس القادة أن الحزب دخل مرحلة التحول وبداية إشكاليات التكيف مع تدبير الشأن العام المحلي والوطني، خاصة مع توالي القضايا الطارئة التي ظلت بدون أجوبة ومنها إعفاء ابن كيران من رئاسة الحكومة بعدما لم يستطع تشكيل أغلبيته، وآثارها المسترسلة إلى الآن على الحزب، وقد تستمر إلى المؤتمر المؤتمر الوطني المقبل، استثنائي أو عادي.
الاستقالات التي تتواتر في الفترة الأخيرة بين الفينة والأخرى، وإن هي محدودة، ليست إلا رد الفعل الآني للقضايا التي ظلت بدون أجوبة، وخاصة السياسية منها، وها هي واحد أخرى تنضاف إلى مسلسل القضايا الطارئة التي فعلت فعلتها في البيت الداخلي، وقد يكون أثرها أكبر وأقوى، وهي تلك التي بدأت مع توقيع سعد الدين العثماني على الاتفاق الثلاثي بين المغرب وأمريكا وإسرائيل، علما أن التوقيع كان بصفته الرسمية الحكومية، وليس بصفته الحزبية النضالية.
وعلي الرغم أيضا من دعوات إخماد الحرائق التي يبدو أنها تحولت إلى سياسية لمعالجة القضايا الطارئة، مثلما حدث في الخرجة الشهيرة لعبد الإله بنكيران الذي حاول امتصاص الغضب الحزبي المعبر عنه من توقيع العثماني على الاتفاق الثلاثي، فإن الوضع ما يزال على غير ما يرام، على الأقل بالنسبة للغاضبين من طريقة تدبير شؤون الحزب، والداعين لإجراء تقييم وتشريح دقيق موضوعي وهادئ…
حزب العدالة والتنمية لم يستطع الإجابة على القضايا الكبرى والطارئة، وهو نفس الخطأ الذي وقع فيه الاتحاد الاشتراكي الذي اضطر بعد الخروج الكبير لعبد الرحمان اليوسفي من الوزارة الأولى في زمن التناوب التوافقي، للإجابة على نفس الأسئلة : ما الذي تغير في الحزب؟ وما الذي تغير أصلا؟ الحزب أم الواقع أم هما معا؟
في إحدى التدوينات المعبرة لأمينة ماء العينين، تساءلت القيادية في البيجيدي :”هل أجرى الحزب تقييما حقيقيا وصريحا لتجربة عشر سنوات من المساهمة في الحكم من موقع رئاسة الحكومة وتصدر البرلمان وتسيير الجماعات بأغلبيات غير مسبوقة في التاريخ الانتخابي للمغرب؟ هل يعرف الحزب إلى أين يتوجه اليوم وماهي أطروحته المؤطرة لوجوده السياسي في المرحلة المقبلة التي تدل كل المؤشرات على أنها مرحلة ليست باليسيرة؟ هل حاول الحزب التخلص من تأثُّر نقاشه الداخلي بالهجومات الخارجية التي تستدرجه لاستنزاف الطاقة في مواجهتها والرد عليها، بدل الانكباب على نقاش داخلي حقيقي وعميق بدون سقف وبدون خطوط حمراء؟”.
رد أمينة ماء العينين كان على الشكل التالي:”للأسف لم يحدث ذلك، والواقع أننا جميعا مسؤولون تجاهه نحن أبناء الحزب كل من موقعه”.