إجراءات الطوارئ الصحية بين الديموقراطية وتبخيس دور المؤسسات المنتخبة
يقول عبد الرحمان اليوسفي القيادي التاريخي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إن تقدم المغرب رهين بالعمل على مجالين أساسيين، الديموقراطية وحقوق الإنسان، ورغم أن المغرب حصّن مكتسبات خلال العشرينية الأخيرة في المجالين المذكورين، إلا أن النواقص ظهرت مع هذه الجائحة، وأصبح لدينا تصور بأن المغرب يعود لسنوات خلت قطع معها منذ بداية العهد الجديد، فبعض المسؤولين لازالو ينظرون بنظارات الأمس، عوض العمل على التأقلم مع توجه ملكي بدأ في السنوات الأولى لهذا العهد.
مناسبة حديثنا اليوم، عن الديموقراطية وتبخيس دور المؤسسات المنتخبة، هو ما نراه يوميا من مصادرة لعدد من المكتسبات والإجهاز عليها، ففي بلد يحترم نفسه ويمني النفس بالانتقال الديموقراطي الصحيح، لا يتخد قرارات مصيرية تهم 35 مليون مغربي مرتبطة بإجراءات الحجر الصحي داخل مجالس حكومية مكونة من سياسيين وتكنوقراطيين، لا يمثلون بدرجة مباشرة بنات وأبناء هذا الوطن، كيف يمكن تصور أن دور البرلمان اليوم، وهو المؤسسة الوطنية الوحيدة المخول لها تمثيل الأمة، يقتصر دوره في المصادقة بـ“الإجماع“ عن مشروع قانون يهم حالة الطوارئ الصحية، بشمولية إجراءاتها، دون مناقشة ولا تعديلات، في أي ديموقراطية نعيش؟ هل هذا هو الانتقال الديموقراطي والخيار الذي تدافع عنه الأحزاب في برامجها وتصوراتها، بل كان من أسس تصدير الدستور الجديد ؟
أسئلة تطرح ونحن نرى دول شمال المملكة، ينخرطون في تمرين ديموقراطي صرف، عندما يأتي الوزير الأول الفرنسي مثلا للجمعية الوطنية، بمشروع قانون يهم حالة الطوارئ وجميع مقرراتها وتخضع للنقاش العمومي داخل البرلمان، بل تعدل عشرات المرات، إيمانا منهم بأن من له الحق في اتخاذ ومناقشة هذه القرارات المصيرية التي تهم شعب بأكمله هو البرلمان وليس وزير الداخلية، ونفس الشأن بالنسبة لإسبانيا وعدد من الدول التي تحترم سلطتها التشريعية.
في المغرب، وزير الداخلية يأتي للبرلمان ليقدم مشروع قانون يهم حالة الطوارئ الصحية، وغرضه هو “تأشيرة“ البرلمان حتى لا يكون مخالفا لمسطرة نص عليها الدستور، أما الإجراءات التي تعتبرها الحكومة “تنظيمية“ وبالتالي لا تدخل ضمن مجالات عمل البرلمان، هي الأهم بالنسبة للشعب، وعليها أن تعرضها أمام ممثليه، سواء فيما يخص خطة رفع الحجر الصحي، ومدة سريانه، وإلزامية الكمامة وغلق الحدود من عدمه وغيرها من الإجراءات، التي على الحكومة أن تأتي بها في إطار مشروع قانون يعرض على لجنة الداخلية و يناقش وتقدم فيه تعديلات ثم يصوت عليه في اللجنة والجلسة العامة، وينشر بالجريدة الرسمية، ثم يعهد للحكومة من خلال وزارتي الداخلية والصحة تنفيذ تلك الإجراءات، هذه هي السلطة التنفيذية، أما أن تقوم الحكومة بالتشريع والتنفيذ وهي لا تمثل المغاربة بطريقة مباشرة فهذا قمة العبث.
عدم احترام البرلمان ومكوناته التي تعتبر امتدادا للأحزاب السياسية، هو ضرب في عمق الدستور وروح القانون، السيادة للأمة، وتمارس عن طريق ممثليها في المؤسسات هكذا ينص الدستور بصراحة، وقرارات الحجر الصحي وغيرها المنصوص عليها في مرسوم الطوارئ الصحية، تعتبر قرارات سيادية تهم المغاربة بدرجة أولى، ومن حق البرلمان أن يتدخل فيها عبر المدارسة والمناقشة والتعديل والتصويت، تبخيس المؤسسات المنتخبة هو تبخيس للشعب وسيادته الوطنية المنصوص عليها دستوريا.
يكفي أن هذه الظرفية الدقيقة التي تمر بها بلادنا، يتحكم فيها على مستوى الأقاليم والعمالات الولاة والعمال بتوجيهات من وزير الداخلية، وهذا يطرح تساؤل كبير، لماذا صرفنا وتعبنا على الجهوية الموسعة والديموقراطية المحلية، والقرارات في الجهات والعمالات والأقاليم بيد ممثلي الدولة وليس ممثلي الشعب، وبتوجيه من الرباط، ميزانيات ضخمة وقوانين تنظيمية تم اعتمادها ولكن في أرض الواقع لا شيء تغير بين مغرب 1997 ومغرب 2020، اللهم الأسماء فقط.
في فرنسا مثلا، عمداء عدد من المدن وهم مسؤولين منتخبين رفضوا فتح المدارس وتحدوا قرارات الحكومة بسبب خوفهم من تفشي الفيروس، العمدة أو ما يسمى بالفرنسية Le maire هو من يتخذ القرارات ويسهر على تنفيذها، أما الوالي prefet فمهته تقتصر على مراقبة تطبيق هؤلاء المسؤولين للقانون أي “دركي“ الدولة، والسهر كذلك على الحفاظ على الأمن والنظام العامين، أما في المغرب فالوالي أو العامل مسؤول عن كل شيء من الاستثمار حتى الموافقة على تعيينات مسؤولي الجماعات، مرورا بالمشاريع الكبرى والصغرى، وتدبير الأزمات والرخص وغيرها من الاختصاصات، وهذا يعتبر تراجعا كبيرا أو ينتاقض بعبارة أصح مع توجه الجهوية الموسعة أو الديموقراطية المحلية.
فالديموقراطية إن كان يتم تبخيسها على المستوى المحلي من خلال تهميش ممثلي الساكنة في جميع القرارات، و السلط وجعلها بيد ممثل الدولة، فحتى على المستوى الوطني، فإن قرارات الطوارئ الصحية تكون بيد السلطة التنفيذية لإقرارها وتنفيذها، أما البرلمان فيجمع فقط بدون أدنى مناقشة لقرارات تهم ملايين المغاربة في الداخل والخارج كذلك.
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية