نجيب الأضادي يكتب: الممكن والمستحيل في علاقة المغرب بإسبانيا
لو كان للإسبان حس إستشرافي، لتفاعلوا إيجابا مع مقترح الملك الراحل الحسن الثاني في منتصف ثمانيات القرن الماضي، حين دعا إلى إحداث خلية مشتركة للتفكير حول مستقبل المدينتين السليبتين سبتة و مليلية و كذلك الجزر. كان مقترحا ينم عن حس إستشرافي كبير و على دراية بعمق الإشكالات المطروحة و المخاطر المستقبلية التي ستطرح مستقبلا في حال عدم تحقق تفاهمات استراتيجية بين المغرب و إسبانيا.
في تلك الفترة كانت إسبانيا فتية في تجربتها الديمقراطية و منتشية بانضمامها الى السوق الأروبية المشتركة.
هذا الواقع الجديد جعل المغرب يفكر في عدم المغامرة في فتح جبهتين في الآن نفسه حول استكمال وحدته الترابية : الصحراء و المدينتين السليبتين.
دارت الأيام و تغيرت الأمور على مستوى توازنات القوة الإستراتيجية والإقتصادية و العسكرية و غيرهما. فإضافة الى التفوق الجوي و الفضائي عبر سياسة الأقمار الإصطناعية، نهج المغرب سياسة تطوير البنيات الإرتكازية الضخمة في مدن شمال المملكة و على رأسها الموانئ التجارية الكبرى…إلخ. هذه الأمور و غيرها كثير ، خلقت واقعا جديدا يجعل من سبتة و مليلية والجزر، بلا جدوى تجارية و إستراتيجية بالنسبة لإسبانيا، بل و عبئا ثقيلا عليها، و لن ينفع الجارة الشمالية ، من أجل حفظ الود و الجوار، سوى القبول بتدشين مرحلة من التفاوض حول مستقبل المناطق المغربية المحتلة، يستعيد بها المغرب حقوقه التاريخية و القانونية على أراضيه، و تتحرر إسبانيا نفسها من عقد الماضي الإستعماري. لكن ظهر بأن إسبانيا لا زالت تئن تحت وطأة بقايا نظام فرانكو الذي يسيطر على مفاصل الدولة العميقة. و هذا العائق التاريخي يكاد يكون بنيويا و لا يسمح بتحقيق تفاهمات إستراتيجية بين المملكتين، لتبقى العلاقات محكومة بمجرد تفاهمات سياسية لا تصمد كثيرا أمام الهزات والتوترات و سوء النيات.
أما اليوم فالتحول الهام الذي طال ميزان القوى بين الطرفين…، يسمح بالتأسيس لرؤية واقعية تشكل فيها كل دولةٍ إمتدادا للمجال الحيوي والعمق الإستراتيجي للدولة الأخرى، بدون خلفيات مسبقة.
التفاهم الإستراتيجي المطلوب يعني الإتفاق و التوافق حول قضايا مستقبلية، يتوقف عليها وجود واستقرار و أمن و سيادة الدولتين معاً، و تنتقل فيها العلاقة بين الطرفين من مجرد علاقة تعاون الى علاقة شراكة متوازنة و دائمة، بل وإلى تحالف إستراتيجي ريادي في المنطقة، مشكل من حزام إقتصادي و أمني و عسكري، ممانع و قادر على قطع الطريق على التهديدات المحمولة على صهوة أطماع بعض الدول أو غيرها من الكيانات.
التفاهم الإستراتيجي، بمفهومه و طبيعته، يسمو على ما دونه من توترات سياسية طارئة أو أزمات عابرة. وهذا يعني أن هناك مواقف إستراتيجية ثابتة للدولتين الجارين، لا ينبغي أن تتأثر بالألوان الإيديولوجية لهذا الطيف السياسي أو ذاك، سواء داخل الحكومة أو البرلمان. فالمغرب لم يعد يقبل أن يكون ضحية التقلبات المزاجية لبعض الأحزاب السياسية في إقحام المغرب و قضاياه الحيوية، و على رأسها قضية وحدته الترابية، في سوق المزايدات الإنتخابية، سواء الداخلية أو في البرلمان الأوروبي. لذلك نرى المغرب يطالب دوما بتوفير ضمانات على مستويات عليا في الدولتين لتحقيق التفاهم الاستراتيجي المبني على توازن المصالح و السلام الدائم بدل توازن الخوف، لأن قدر الجوار الجغرافي جعل المغرب في حاجة إلى إسبانيا، و هذه الأخيرة في حاجة دائمة إلى المغرب.
اذا كانت إسبانيا تعتقد بأنها تستقوي بالإتحاد الأوروبي لاستفزاز المغرب و فرض أجندتها عليه، فالمغرب ليس وحيدا، و فوق ذلك يملك أوراق ضغط رهيبة قادرة على إغراق إسبانيا و أروبا نفسها في متاهات لا حصر لها. لذلك من مصلحة إسبانيا أن تجلس، و بكل احترام، إلى طاولة التفاهمات حول القضايا الشاملة. في غياب ذلك، ستبقى العلاقات بين الطرفين متوترة، بل و محكومة بحالة اللاحرب و اللاسلم، و على اسبانيا أن تختار..
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية