عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط يكتب: هل منتخبو البيضاء في مستوى الحب الذي يكنه الملك لمدينتهم؟
مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة، تحظى بمكانة خاصة عند الملك محمد السادس، تجمعه بها علاقة عاطفية وروحية متميزة، فيها أطلق مشاريع وسياسات رائدة.
لم يمر على اعتلائه العرش إلا شهورا قليلة، حتى تشرفت بزيارته لها يوم 12 أكتوبر 1999، و بخطاب ملكي سام كان من أهم الخطب في الحياة السياسية، يومها وجهه حفظه الله إلى المسؤولين عن الجهات والولايات والعمالات والأقاليم من رجال الإدارة وممثلي المواطنين، وأعلن فيه عن المفهوم الجديد والمتفرد للسلطة، خلد فيه جلالته عواطف جياشة، ومشاعر صادقة يكنها للبيضاويين والبيضاويات ولمدينتهم، حينها قال جلالته في ذلك الخطاب التاريخي، “وإنه لمن حسن الطالع أن ينعقد هذا الاجتماع في مدينة الدار البيضاء عاصمة المغرب الاقتصادية التي تحضى بمكانة خاصة لا لأنها القطب الاقتصادي للمملكة فحسب ولكن لأن دواعي التحديث ومستلزمات المنافسة لم تصرفها عن أصالتها وروحها. فقد اجتمعت فيها بتوافق و تلاؤم عوامل كثيرة جعلتها صورة ملخصة لواقع الوطن المتجدد باستمرار بدءا من سكانها الوافدين إليها من مختلف أنحائه إلى ما تضمه من مهن وحرف وصناعات ومراكز إنتاج متنوعة وما تضمه من بنيات تحتية متعددة مما بوئها الموقع المرموق الذي تحتله”.
وأضاف جلالته وهو يحكي عن مشاعر الحب التي يكنها لهذه المدينة المعطاءة، “وإن مما زاد هذا الموقع رفعة ما تحتله هذه المدينة في قلبنا وقلوب جميع المغاربة من دور في الكفاح من أجل كرامة المغرب وحريته الذي قاده بطل التحرير جدنا المنعم جلالة المغفور له محمد الخامس حتى أنه لقب ب”ملك كريان سنطرال”. و قد كان والدنا المنعم صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه يخص مدينتكم بعطف صابغ و يوليها عناية فائقة وكان يراها قاطرة اقتصادية للمغرب قاطبة وقد بادلته الدار البيضاء وساكنتها حبا بحب وعطاء بعرفان وجميلا بوفاء. وإغناء لهذه المكانة المتميزة بالدار البيضاء أبى أكرم الله مثواه إلا أن يضفي عليها طابعا روحيا بإقامة معلمة دينية و حضارية هي محط فخر للمغرب ألا و هي مسجد الحسن الثاني”.
هذا الحب المتفرد لم يمنع صاحب الجلالة أن يوجه الانتقاد للطريقة التي تدبر وتسير بها هذه المدينة، ففي خطاب آخر سنة 2013، افتتح به الملك محمّد السادس، الدورة البرلمانية الجديدة، من السنة التشريعية الثالثة للولاية التاسعة، سيخصص فيه مساحة كبيرة من خطابه لانتقاد تدبير الشأن العام المحلي بالدار البيضاء، المدينة التي قال عنها: “أعرفها جيدا، وتربطني بأهلها مشاعر عاطفية من المحبة والوفاء، التي أكنها لجميع المغاربة.. اعتبارا لمكانة الدار البيضاء كقاطرة للتنمية الاقتصادية، فإن هناك إرادة قوية لجعلها قطبا ماليا دوليا. إلا أن تحقيق هذا المشروع الكبير لا يتم بمجرد اتخاذ قرار، أو بإنشاء بنايات ضخمة وفق أرقى التصاميم المعمارية”.
يؤكد جلالته أن ، “تحويل الدار البيضاء إلى قطب مالي دولي يتطلب توفير البنيات التحتية والخدماتية بمواصفات عالمية، وترسيخ قواعد الحكامة الجيدة، وإيجاد إطار قانوني ملائم وتكوين موارد بشرية ذات مؤهلات عالية واعتماد التقنيات وطرق التدبير الحديثة.. غير أن جلالته أكد في هذا الخطاب الهام، أيضا، أن الدار البيضاء لا تجتمع فيها مع الأسف كل هذه المؤهلات رغم المجهودات الكبيرة على مستوى التجهيز والاستثمار، وخاصة ما يتعلق منها بالتأهيل الحضري.. لكن لماذا لا تعرف هذه المدينة، التي هي من أغنى مدن المغرب التقدم الملموس الذي يتطلع إليه البيضاويون والبيضاويات على غرار العديد من المدن الأخرى؟ وهل يعقل أن تظل فضاء للتناقضات الكبرى إلى الحد الذي قد يجعلها من أضعف النماذج في مجال التدبير الترابي؟.
في هذا الخطاب سيرجع جلالته اختلالات العاصمة الاقتصادية إلى “ضعف نجاعة تدخلات بعض المصالح الإقليمية والجهوية لمختلف القطاعات الوزارية، وأسلوب التدبير المعتمد من قبل المجالس المنتخبة التي تعاقبت على تسييرها، والصراعات العقيمة بين مكوناتها، وكثرة مهام أعضائها وازدواج المسؤوليات رغم وجود بعض المنتخبين الذين يتمتعون بالكفاءة والإرادة الحسنة والغيرة على مدينتهم”، واسترسل: “المشكل الذي تعاني منه العاصمة الاقتصادية يتعلق بالأساس بضعف الحكامة.. رغم أن ميزانية المجلس الجماعي للدار البيضاء تفوق بثلاثة إلى أربعة أضعاف تلك التي تتوفر عليها فاس أو مراكش، مثلا، فإن المنجزات المحققة بهاتين المدينتين في مجال توفير وجودة الخدمات الأساسية تتجاوز بكثير ما تم إنجازه بالدار البيضاء”، داعيا إلى “تشخيص عاجل يحدد أسباب الداء، وسبل الدواء”.
فبعد كل هذه السنوات، فهل يا ترى استجاب المدبرون الحاليون لهذه المدينة، لتطلعات الإرادة الملكية؟، وإذ نستحضر هذه الدرر المكنونة من خطابات ملكية، نتساءل بدورنا هل مسيرو مدينتنا حاليا في مستوى الحب الملكي الذي يكنه ملكنا للبيضاويين والبيضاويات، وهل نجحوا في تدبير مشاريع متاخرة مازلت لم تنته منذ سنوات ولم تفتتح إلى الآن؟، وهل قام المسؤولون الجدد بتحسين جودة الخدمات الأساسية في مجالات مختلفة، وحولوا توجيهات الملك في خطبه السامية إلى مشاريع عمل حقيقية، بعيدا عن إرادة الأغلبية العددية التي هيمنت على كل شيء، ولم تفسح المجال لأي انتقاد أو روح للاصلاح، بل بادرت إلى سحب اختصاصات وعرقلة مسار تدبير قطاعات هامة، بدل أن تكون لهذه الارادة الاغلبية، رغبة في إنقاذ هذه المدينة مما تتخبط فيه، اسئلة مشروعة تبقى مطروحة بحدة في كل زيارة ملكية ميمونة تتشرف بها عاصمتنا الاقتصادية.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط: رئيس مجموعة رؤى فيزيون الإستراتيجية
تابعوا آخر الأخبار عبر واتساب
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية